ثقافة وآداب، وفنون

هاشم صديق… صوت الملحمة السودانية يسكت وأصداؤها تبكيه

تزايد نزف المبدعين السودانيين برحيل الشاعر هاشم صديق مساء أمس السبت في أبو ظبي بالإمارات عن عمر يناهز 67 سنة إثر معاناته من المرض، بعد أن أسهم في تشكيل الوجدان السوداني بقصائده وأعماله التي حملت توقيع النضال والتراث الوطني، وترك بصمات لا تنسى في الذاكرة والحداثة الشعرية.

يعد صديق الملقب بـ”شاعر الملحمة” أحد أبرز المبدعين الذين ربطوا بين الشعر والمسرح والغناء، ولا تخفى إسهاماته الأكاديمية من خلال معهد الموسيقى والمسرح الذي أفنى فيه زهرة شبابه أستاذاً ومسؤولاً عن قسم النقد.

مقاومة الاستبداد

ظل هاشم صديق مهموماً بالتحديث والإنسان والوطن، وجعل مشروعه الفني متسقاً مع متطلبات الحريات ومقاومة أشكال الأنظمة الاستبدادية التي حكمت السودان، وبرع في التأليف الدرامي، كما كان ممثلاً ومخرجاً، ومن أشهر أعماله المسرحية “نبتة حبيبتي” و”أحلام الزمان” و”وجه الضحك المحظور”، وقدم عديداً من المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية التي كانت تحاكي هموم المجتمع وتطرح قضاياه ومنها “قطر الهم” و”طائر الشق الغريب”، وظل يرفد الصحافة السودانية بمقالاته عن الإبداع الفني.

تغني بكلماته كبار الفنانين مثل محمد الأمين وأبو عركي البخيت ومصطفى سيد أحمد وصلاح بن البادية وكذلك سيد خليفة وعبد القادر سالم، وقدم أشعاراً للوطن والحبيبة، وعبرت أعماله عن تطلعات الشعب السوداني في الحرية والعدالة والسلام الاجتماعي.

بعد انتشار نبأ وفاته ساد الحزن على رحيله وسائل التواصل الاجتماعي في السودان، وتبادل الكتاب والمثقفون ومحبوه التعازي فيما بينهم وذكر مآثره.

ونعى رئيس وأعضاء مجلس السيادة في السودان الشاعر الفقيد في بيان، مؤكدين أنه كان “شاعراً فذاً ومبدعاً متعدد المواهب اتسمت كل أعماله بالرصانة والإبداع، بجانب نبوغه في الشعر والأدب. كما تميز الراحل بكتاباته المسرحية والدرامية، إضافة إلى تقديمه عديداً من البرامج الاذاعية والتلفزيونية في مجالات النقد والتحليل الدرامي”.

ترسيخ الوعي

قال رئيس الحركة الشعبية – التيار الثوري الديمقراطي ياسر عرمان “رحل بعيداً من بلاده أهله ومن شعبه الذي أحبه، إنسان غال في زمن رخيص. غادر عالمنا المبدع الكبير هاشم صديق المنتمي منذ سنوات شبابه الباكر إلى الكادحين والفقراء والثورة”.

وأضاف عرمان “كان صديق مدهشاً ومهموماً بتفاصيل الوطن وبالنسيج الذي تمزق والقبائل والمجتمع، وتمنى ذرة من الأمل للغلابة والفقراء، وتأسف وتحسر على ضيق الأرض والمدن بالناس وبأهلها، وندد بخطاب الغش”.

وقال رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير “ظل هاشم صديق لعشرات السنين يتمدد في ساحة الإبداع في بلادنا كما يتمدد النيل، ويرفدها بعطائه الإبداعي الصاعد لقيم الخير والحب والنبل والجمال، المترع بآمال شعبه وآلامه ومعاناته المزمنة، والمحتفي بانتصاراته وزحفه المقدس نحو الشمس النيرة”.

وأضاف “عاش منتمياً لضمير شعبه، معبراً عن وجدانه. كتب بعرق الفقراء والمتعبين، ووضع إبداعه في عهدة الناقمين على الظلم والظامئين للحرية وكل شروط الوجود الكريم، ويكفي أن ملحمته الأكتوبرية التي تمثل تاج الرأس في شعر المقاومة، ظلت مصدر إلهام لطلاب الحرية والسلام والعدالة جيلاً بعد جيل، يتوكأون عليها ويهشون بها على كل مستبد”.

وأوضح الدقير أن “صديق ظل من موقعه شاعراً ومسرحياً وصحافياً تجسيداً للمبدع الملتزم، لم يكن مثل ريش الذنابى الذي يميل مع الريح حيث تميل، بل كان ثابتاً على خط البهاء، عصياً على ترغيب السلطة وترهيبها، يدفع بالموقف الإبداعي إلى علوه الشاهق حتى ليصير مثل شهاب يتلامع في الأفق البعيد”.

كما نعته نقابة الصحافيين السودانيين في بيان أشار إلى أنه “كان صوتاً حراً وسط غياهب الظلم والقمع، حيث ناصبته الأنظمة الاستبدادية العداء بسبب مواقفه الوطنية والفكرية، ولم يكن يخشى السجون والتهديدات، بل بقي ثابتاً في موقفه، مناضلاً بالكلمة والفن”.

وأفادت النقابة بأن “أعماله لم تكن مجرد نصوص، بل كانت نبضاً من نبضات الوطن، تحكي آلامه وآماله، وتعكس صراعاته وتطلعاته، ويبقى فقده ليس خسارة للفن فحسب، بل هو خسارة للوطن بأسره”.

مسيرة حافلة

وتعد قصيدته “قصة ثورة” أو “الملحمة” إحدى أيقونات الغناء الثوري في السودان، كتبها عقب انتصار ثورة السودانيين وإطاحة نظام حكم الديكتاتور الفريق إبراهيم عبود في أكتوبر (تشرين الأول) 1964، وتغنى بها الفنان الراحل محمد الأمين، ولا تزال تلهب مشاعر الناس.

تلقى هاشم صديق مراحل تعليمه الأولية والمتوسطة في مدينة أم درمان، والتحق بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح، وحصل على درجة البكالوريوس في النقد المسرحي عام 1974، ودرس التمثيل والإخراج في لندن بمدرسة “إيست 15”.

عمل أستاذاً في المعهد العالي للموسيقى والمسرح حتى عام 1995، وأسس مكتبة المسرح السوداني التي ضمت أرشيفاً غنياً من الأعمال الأدبية والفنية التي تعد مرجعية للأجيال القادمة.

نال صديق جائزة الدولة لأفضل نص مسرحي عام 1973 عن مسرحية “أحلام الزمان”، كما منح جائزة النص الأدبي عام 1974 عن مسرحية “نبتة حبيبتي”، التي يعدها النقاد علامة فارقة في تاريخ التحديث بالمجال المسرحي.

صوت الإنسانية

واعتبر الناقد الفني والمسرحي مؤمن الطيب أن “هاشم صديق اكتسب مهارة مغازلة المايكرفون، وسلك طريق الأدب وفنون كتابة الشعر، وليس غريباً أن تفرض عوالم المسرح والدراما مفرداتها على عوالم قصائده، فهو مسرحي التخصص وكاتب متمكن عالج بحرفية عالية عدداً من المسلسلات الإذاعية بمفردات الدراما والمسرح”.

وأضاف “عندما انحدرت القصيدة الغنائية في السبعينيات إلى حضيض الخيبة العاطفية كان هاشم صديق يصطاد كلماته المضيئة ويفتح بها مناطق غير مأهولة، يتحسس بأنامل عاطفته الشعرية تلك الأبواب والنوافذ التي تطل على الغناء العذب”.

ووأضح الطيب أن “صديق كان مسكوناً بحب الوطن وإنسانه، وعلى رغم أنه نشأ وترعرع في مدينة أم درمان، لكن أعماله اتسمت بالقومية، ويتمثل ذلك في استيعابه للتاريخ والفلكلور والإبداع الجماعي”.

اندبندنت عربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..