تجارب تاريخية حول تحالف القضية الواحدة (6 – 15)
صديق الزيلعي
هذه المقالات تستهدف تنوير الرأي العام ببعض مواقف الحزب الشيوعي في العمل الجبهوي. قصدت ان اختار التحالفات أو الاتفاقات التي تمت لتنسيق العمل وسط أجواء الاختلاف. ولن أعرض التحالفات التي تتم في جو خلى من الخصومة. الهدف من ذلك ان نعيد التفكير في ضرورة العمل المشترك، رغم الاختلاف في الوقت الحاضر، الذي تواجه فيه بلادنا ازمة مصيرية.
تعرضت المقالات السابقة للعداء الذي شب بين الحركة السودانية للتحرر الوطني وحزب الأمة، ولكن، في النهاية، شاركت الحركة في الجبهة الاستقلالية التي يقودها حزب الأمة. وكذلك تجربة الهجوم القوي والحملة العنيفة التي شنها الحزب الشيوعي (الجبهة المعادية للاستعمار آنذاك) ضد اتفاقية الحكم الذاتي، ومطالبته الجماهير برفضها ومقاومتها كمؤامرة استعمارية. ثم المشاركة في الانتخابات التي أجريت بموجبها. وتعرضنا لفترة الحكم الوطني الأول والصراعات الحادة التي تمت خلالها، وعداء الحكومة الوطنية الحاد للحزب الشيوعي واتحاد العمال. ثم عرضنا مقتطفات من بيانات صادرة عن الجبهة المعادية للاستعمار والحزب الشيوعي تدعو لوحدة الصف الوطني، وقيام حكومة قومية وفق برنامج وطني تنموي. وناقش المقال الأخير تجربة مهمة تمت خلال الحكم العسكري الأول، حيث تراجع النظام واعلن عن قيام المجلس المركزي. اختلفت المعارضة حول الموقف منه. قرر الحزب الشيوعي خوض الانتخابات، بينما قررت الأحزاب الأخرى مقاطعة الانتخابات. أصدر الحزب الشيوعي بيانا تاريخيا عدد فيه أسباب دخوله الانتخابات، ولم يخون الأحزاب الأخرى، بل دعاها للتنسيق للقيام بعمل مشترك ضد النظام العسكري. وكانت قيمة تلك التجربة في تأكيدها ان الاختلاف في التكتيك لا يمنع التنسيق لعمل مشترك، لإنجاز الهدف الذي يجمعنا معا.
أدت تجربة الفترة الانتقالية التي أعقبت ثورة ديسمبر لخلافات كثيرة. انقسم الصف الثوري، وصارت اطرافه تعادي بعضها البعض في حملات للتخوين، والاتهام بتخريب الانتقال، والتآمر مع العسكر. وزاد الشرخ بمرور الأيام، وتطور الاحداث. وتشعبت الطرق بالجماهير ومنظماتها.
الآن تواجه بلادنا قضية أساسية هي إيقاف الحرب، بكل ما تحمله من مآسي وتدمير وخطاب كراهية. الواقع المرير يفرض على كل القوى المدنية تنسيق جهودها لإيقاف هذا الدمار الجنوني. نؤمن انه مهما كانت الاختلافات ومرارات الماضي وحملات التخوين ندعو لتخطي ذلك. وان تعمل كل القوى الرافضة للحرب، إذا كانت تصر على عدم التحالف المدني الواسع، ولها رؤى مختلفة حول العملية السياسية، ان تعمل معا وتنسق جهودها فقط لإيقاف الحرب. وبعد ذلك المجال مفتوح لكل جهة ان تبشر ببرامجها وتصورها لمستقبل السودان.
حدثت في بلادنا تجارب عديدة فيما يسمي بتحالف البند الواحد، وكان الحزب الشيوعي طرف في كل تلك التحالفات. ومن الأمثلة:
• دعوة الأحزاب الوطنية للتنسيق لإسقاط حكومة عبد الله خليل في جلسة البرلمان التي من المقرر ان تنعقد في 17 نوفمبر 1958.
• الحملة القوية التي تمت، خلال فترة الديمقراطية الأولي، داخل البرلمان وخارجه، لرفض المعونة الامريكية.
• تنسيق الحزب الشيوعي مع حزب الشعب الديمقراطي لرفض ومقاومة اجراء الانتخابات الجزئية في 1965 بعد ثورة أكتوبر والجنوب لا يزال مشتعلا بنيران الحرب الأهلية.
• جبهة الدفاع عن الديمقراطية خلال الديمقراطية الثانية التي ضمت قوي سياسية ونقابية منظمات المثقفين لرفض التعدي على الديمقراطية بحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية..
• مؤتمر الدفاع عن الوطن العربي.
• التحرك المدني والسياسي الساعي لمقاومة محاولة فرض الدستور الإسلامي في عام 1968.
• المشاركة في حملة نقابة المحامين لمواجهة قانون الترابي 1988
• توقيع الأحزاب على ميثاق الدفاع عن الديمقراطية خلال الفترة الديمقراطية الثالثة.
• قبول دعوة الحزب الاتحادي الديمقراطي للتحرك لدعم اتفاقية السلام بين قرنق والميرغني
• الحملة الجماهيرية لإيقاف اعدام الأستاذ محمود محمد طه.
هذه الأمثلة توضح بجلاء ان لنا في تاريخنا المعاصر تجارب التحالف من اجل قضية واحدة. الآن لا توجد قضية أكبر وأهم من قضية إيقاف الحرب. وهي قضية أجمعت كل القوى السياسية والمدنية عليها، ما الفلول الذين أشعلوا الحرب ويحلمون بالعودة للسلطة.
يا دكتور صديق بتنبح ساي.
المصيبة هي في قيادة هذا الحزب الشيوعي السوداني الستالينيية.