سيناريو تقسيم السودان يطل مجددا مع إصدار البنك المركزي عملة جديدة
قوات الدعم السريع تحذر من خطوة تمهيدية في مخطط التقسيم رافضة قرار البنك.
ترفض قوات الدعم السريع قرار البنك المركزي إصدار عملة جديدة، مؤكدة أنه خطوة تمهيدية في سياق مخطط تقسيم السودان ولا يسنده مسوغ قانوني، فيما المخاوف تزداد من هذا السيناريو مع وصول مفاوضات السلام إلى طريق مسدود.
يخشى السودانيون من شبح التقسيم الذي يهدد البلاد مع عرقلة كل المبادرات للعودة إلى طاولة التفاوض وقرار بنك السودان المركزي إصدار ورقة نقدية جديدة وإلغاء أخرى، الذي رفضته قوات الدعم السريع مؤكدة أنه ينطوي على أجندة سياسية.
وترفض قوات الدعم السريع القرار باعتباره “خطوة تمهيدية في سياق مخطط تقسيم السودان وفصل أقاليمه”، ودعت إلى عدم الاستجابة لقرارات البنك المركزي بإيداع المواطنين أموالهم من فئة الألف جنيه في المصارف، وعدم التعامل بالورقة النقدية الجديدة من الفئة نفسها التي سوف يتم طرحها قريبًا.
وتهدف الحكومة السودانية من وراء القرار إلى عدم الاعتراف بالعملة القديمة التي يتم تداولها في المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع رغم أنها الرقعة الأكبر في السودان أي حوالي 70 في المئة.
وأوضحت قوات الدعم السريع أن قرار البنك المركزي تغيير العملة لا يسنده مسوغ قانوني، وتبطله نظم الحماية المالية للأفراد في ظل الكوارث والحروب. وأضافت في بيان بمنصة تليغرام أنها “ستمضي بكل عزم” لتفكيك ما أسمته “العصابة” بقوة السلاح.
وجاءت تصريحات الدعم السريع بعد يوم من إعلان البنك إصدار ورقة نقدية جديدة من فئة الألف جنيه خلال الفترة المقبلة، قبل أن يؤكد أن فئة الألف الجنيه القديمة، بالإضافة إلى فئة الخمسمئة جنيه، لن تكون عملة مبرئة للذمة بعد صدور قرار وقف التعامل بها.
فولكر بيرتس لم يستبعد أن تتبع الأطراف المتحاربة إستراتيجية الاحتفاظ بجزء من البلاد على الأقل لنفسها
وقال البنك المركزي في إعلان إن طرح الورقة الجديدة يجيء استنادًا إلى سلطاته واختصاصاته الواردة بقانونه لسنة 2002، وفي إطار مسؤولياته لحماية العملة الوطنية وتحقيق استقرار سعر صرفها والمساعدة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
وأضاف أن “الخطوة تأتي في إطار معالجة الآثار السلبية للحرب الدائرة في البلاد، لاسيما عمليات النهب الواسعة لمقار بنك السودان المركزي وشركة مطابع السودان للعملة في الخرطوم.”
وتابع أنه نتج عن ذلك انتشار كميات كبيرة من العملات مجهولة المصدر وغير مطابقة للمواصفات الفنية من فئتي الألف والخمسمئة جنيه، الأمر الذي أدى إلى زيادة مستوى السيولة النقدية بشكل واضح، وكان له الأثر السلبي على استقرار المستوى العام للأسعار.
وأشار إلى أنه سيعلن لاحقًا عن تاريخ إيقاف التعامل بالطبعات الحالية من فئتي الألف والخمسمئة جنيه واعتبارهما عملة غير مبرئة للذمة.
ويرفض متابعون هذه الذرائع التي تبدو تلبية لمصالح ضيقة لا تراعي أوضاع السودانيين في مناطق متفرقة من البلاد، معتبرين أن القرار يصب الزيت على النار ويمضي قدما في مشاريع تفكك السودان والانقسام التي طرحت مرارا في الآونة الأخيرة رغم نفي المسؤولين.
قوات الدعم السريع ترفض القرار باعتباره “خطوة تمهيدية في سياق مخطط تقسيم السودان وفصل أقاليمه”
وفي ظل دخول ميليشيات مسلحة جهوية الحرب ودفاع كل طرف عن مناطق حاضنته الشعبية، لا يستبعد الكثير من السياسيين سيناريو تقسيم السودان.
ويرى هؤلاء أنه إذا استمرت الحرب على هذه الوتيرة، فإن هناك خطراً حقيقياً من انقسام الدولة، والخطر الحقيقي ليس في الانقسام إلى دولتين، وإنما إلى دويلات في ظل سيطرة قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان على مناطق واسعة في جنوب كردفان، وأيضاً سيطرة حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور على عدد من المناطق في إقليم دارفور.
وزادت الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي يقودها عبدالعزيز الحلو، انتشارها مع استمرار النزاع، حيث استطاعت توسيع نطاق سيطرتها الجغرافية في ظل انشغال الجيش بالقتال ضد قوات الدعم السريع.
واستمرت الحركة، التي تمتلك الآلاف من الجنود والمعدات العسكرية المتطورة، في موقف الحياد خلال الحرب التي تدور منذ حوالي عام ونصف العام. ومع ذلك شاركت في معارك متقطعة ضد الجيش في بعض الأحيان وضد قوات الدعم السريع في أوقات أخرى.
مصادر مطلعة تقول إن سيناريو التقسيم بدأ بتلميحات بعض منسوبي الحركة الإسلامية، كما تكشف عنه طريقة إدارتهم للحرب وتوجيهها
وتقول مصادر مطلعة إن سيناريو التقسيم بدأ بتلميحات بعض منسوبي الحركة الإسلامية، كما تكشف عنه طريقة إدارتهم للحرب وتوجيهها، إضافة إلى بعض القوى الخارجية التي لديها مصلحة في عدم استقرار السودان؛ فالإسلاميون بسبب خوفهم من استمرار ميزان القوى الميدانية لصالح الدعم السريع، والذي يهددهم بالزوال وعدم تحقيق مآربهم في العودة إلى السلطة حال فشلهم في إعادة التحالف السابق معه مرة أخرى بالطريقة القديمة ذاتها، يرون أن الحل الوحيد لهم للخروج بأقل الخسائر حسب منظورهم هو سيناريو تقسيم السودان.
لكن مشروع التقسيم، على الرغم من زيادة الحديث عنه، يصطدم برفض قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) له، حسب تصريحاته المتكررة وإصراره على وحدة السودان. كما أن بعض دول الجوار، وبسبب طبيعة تداخلاتها مع السودان وهشاشتها الداخلية وصراعاتها الإقليمية، لا ترغب في أن ترى السودان مقسما، لأن ذلك سيهدد استقرارها وسيشكل تهديدا لمصالحها من جانب دول أخرى في الإقليم، مثال ذلك تشاد وإثيوبيا وجنوب السودان، وهي دول ستتضرر من تقسيم السودان بشدة.
وأعرب رئيس بعثة يونيتامس السابق فولكر بيرتس عن قلقه على مستقبل السودان من التقسيم مجدداً وانفصال إقليم دارفور عن البلاد.
وقال بيرتس في حوار مع مجلة “زينيت” الألمانية “أنا قلق على مستقبل البلاد. ولا يمكن استبعاد أن تستمر هذه الحرب لفترة طويلة وتنتهي بتقسيم فعلي للبلاد. وهذا ليس في مصلحة السودان ولا ينبغي أن يحظى بدعم دولي.”
ولم يستبعد أن تتبع الأطراف المتحاربة في السودان إستراتيجية الاحتفاظ بجزء من البلاد على الأقل لنفسها، وأضاف “من المحتمل أن تكون النتيجة دولة غير ساحلية أخرى في المنطقة، وهي دارفور.”
والواقع في دارفور معقد جداً، وهنالك عرقيات وقبائل كثيرة ومتداخلة، وبالتالي يصعب على جهة واحدة مثل الدعم السريع إدارة الإقليم، كما أنه إقليم مغلق ولا توجد به موانئ أو منافذ، ما يجعله غير جاذب للانفصال.
وحذر بيرتس من أن هذا السيناريو من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من تجزئة البلاد إلى مناطق سلطة لمختلف أمراء الحرب وقطاع الطرق والقوى السياسية المتطرفة، وتابع “تؤدي تجزئة السودان إلى خلق ممر لعدم الاستقرار يمتد من مالي إلى البحر الأحمر.”
وشدد على أن المجتمع الدولي ربما لا يكون على دراية كافية بهذه التطورات، مضيفا “وإلا فإنه ربما سيولي السودان مزيدا من الاهتمام،” وتابع “من الممكن أن ينمو محور جديد بين الجهاديين من شرق السودان إلى بوكو حرام في نيجيريا، أو بين ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى وجماعات أخرى في منطقة الساحل عبر دارفور إلى البحر الأحمر.”
العرب