
إن كان في حرب السودان الكارثيّة خيرٌ سيكون أنها سلّطت الضوء على خفايا كثيرة متعلّقة بالروابط الثقافية والاجتماعية بين سكّان هذا البلد، الذي اتضح لنا أننا لم نكن نفهمه بشكل كافٍ. جعلت الحرب كثيرين منا يسمعون للمرّة الأولى عن “العطاوة”، وعن مشروعهم وحلمهم بتحقيق دولة عبر عملية موسّعة لـ”تطهير الجغرافيا”. وأخبرتنا حرب السودان أيضاً أنه، وفي اللحظات المفصلية المهمّة، لن يكون لقيم الوطن والمواطنة، وحتى الإسلام، أيّ سلطة على الأفراد، الذين سيختارون الانحياز إلى القبيلة، التي تكون رابطتها عندهم أكبر وأقوى من كلّ انتماء.
يمكن لكثيرين أن يبادروا إلى نفي هذه الخلاصات، قائلين إنهم ما يزالون مؤمنين بالوطن ورافضين أن يتعاملوا مع الناس وفق خلفياتهم. معظم من يبادرون إلى التقليل من قوة الانتماءات القَبَلية هم من الصادقين في أقوالهم وإحساسهم، ومن الحريصين على وحدة السودان، التي يخشون أن تهدّدها القراءات المستندة إلى الإثنيات والقبيلة.
مع ذلك، جعلتنا حرب السودان بتفاصيلها ومآسيها المؤلمة مُجبرَين على مواجهة السؤال: هل عامل القبيلة أساس في تصوّرات السودانيين عن أنفسهم؟ … ليست إجابة هذا السؤال مُجرَّد نعم ولا، بل هي نسبية لا يحدّدها سوى موقع المخاطب وخلفيته الثقافية والاجتماعية. بالنسبة لنخبة الخرطوم مثلاً، الارتباط بالقبيلة هشّ، وكذلك الحال بالنسبة لمناطق الوسط والشمال، التي تعرّضت مجتمعاتها لعمليات تحديث مكثّفة جعلتها تؤمن بالدولة وبهيمنتها وتستسلم لسيطرتها عليها.
أن تعيش مجموعات كبيرة من الناس في “زمن القبيلة”، يعني أن السياسة بمعناها الحديث لا معنىً لها
مثل أيّ مجتمع حديث، وفي انعكاس لنظرية العقد الاجتماعي، تخلّى سكّان هذه المناطق عن حقّ الدفاع عن النفس وامتلاك السلاح في مقابل القبول باحتكار الدولة للعنف، كما تخلّوا عن الروابط القَبَلية والعرقية، التي لم تلبث أن حلّت في محلّها روابط أخرى سياسية واجتماعية عابرة للإثنيات. حتى الافتخار بالقبيلة في هذه المناطق مُجرَّد احتفاء ثقافي بالمقولات والقصص الشفاهية والأشعار، التي لا تتحوّل إلى بناء سياسي، ولا إلى علاقة ولاء مطلق.
لذلك، حين يقول شخص من أبناء أحياء الخرطوم العريقة أن الانتماء القَبَلي لا يعني له الكثير أتفهّم هذا، وأتفهّم كيف أن من الصعب أن تشرح لمثله أن جهةً ما إنّما تحشد على أساس قَبَلي. ويقودنا هذا إلى الضفة الأخرى، ففي مقابل ثقافة المركز، التي نجحت في صهر الولاءات وتعزيز مكان الوطن قيمةً تعلو على القيم الأخرى كلّها، هناك مجتمعاتٌ في الأطراف ما تزال بعيدةً من الوصول إلى هذا الانصهار، وما تزال تحتاج وقتاً أطولَ من أجل استكمال عمليات الحداثة والتحديث.
للشرح، نقول إن دعوة أحد أقطاب قبائل الشمال مثلاً أو تصريحاته قد لا تمثّل ابن القبيلة، الذي يعيش في الخرطوم. في المقابل، فإن دعوةً مماثلةً لزعيم قبلي في غرب السودان يكون وقعها مختلفا على المنتمين إلى القبيلة، الذين يدينون بالولاء لقيادتها، والذين لا يسعهم إلّا قول إن تلك الدعوة تمثّلهم.
هكذا ينتج عندنا نوعان من المواطنين: مواطن يعيش حالة استرخاء ولا يزعجه أن يكون منزوع السلاح والإرادة في مواجهة الدولة، التي يرضى بما تقسمه له من نصيب في الثروة، ومواطن آخر متحفّز للقتال لا يثق في مؤسّسات الدولة، فيعتمد على نفسه في المدافعة وفي خوض معاركه، كما يعتمد على سلاحه في المطالبة بحقوقه السياسية والاقتصادية. المواطن المتحفّز مؤمن بأن السلطة في الخرطوم مشغولة بالتآمر عليه. ولذلك يبالغ في الانحياز لرابطته العشائرية، التي تكون هي الأساس، الذي تنشأ عليه مجموعاته المقاتلة وانتماءاته الحزبية.
المستويات المختلفة في التعامل مع الدولة تظهر في التسليح الأهلي، فبينما يكون حمل السلاح في المناطق الطرفية أمراً شبه طبيعي، تبقى مناطق الوسط والشمال في أغلبها غيرَ مسلّحة. ربما تنحصر وظيفة السلاح في هذه المناطق المسالمة عند بعضهم في بضع طلقات إبّان حفلات الأعراس، فتؤمن الغالبية بأنْ لا حاجة للاحتفاظ بالسلاح.
عيش مجموعات كبيرة من الناس في ما يمكن تسميته “زمن القبيلة”، يعني في ما يعنيه أن السياسة بمعناها الحديث لا معنىً لها، فمن المستبعد، والحال هكذا في تلك المجتمعات، أن تُقدّم البرامج السياسية على الولاء القَبَلي. أنتج لنا هذا ظاهرةً فريدةً من نوعها تتمثّل في ارتباط قبيلة أو منطقة معيّنة بحزب سياسي.
المواطن المتحفّز مؤمن بأن السلطة في الخرطوم مشغولة بالتآمر عليه، فيبالغ في الانحياز لرابطته العشائرية
الأخطر ما يظهر إبّان لحظات التمرّد والحروب، كالتي نعيشها حالياً. تقاتل السلطة المركزية اليوم تمرّداً لا يمتلك حتى اللباقة الكافية، التي تستر منطلقاته العنصرية، فلا يجد حرجاً في إعلان كراهيته لقبائل ومكوّنات بعينها (الشايقية مثلاً)، في الوقت الذي تحتضن فيه الدولة في جهازها التنفيذي وفي مفاصلها الحسّاسة أفراداً منتمين لهذه الحاضنة المتمرّدة مطلوب منهم العمل بتجرّد، ونسيان كلّ انتماء، سوى الانتماء إلى كيان الدولة.
قبل أيام، لفت الانتباه تمرّدُ ضابط يحمل اسم عثمان بيللو. صحيح أنه لم يذكر ذلك في بيانه، الذي حاول أن يضفي عليه بعض البطولة باستخدام عبارات مثيرة للسخرية، من قبيل اختيار “الانحياز لصوت الحقّ”، لكن بالإمكان الاستنتاج أن من أكثر أسباب تمرّده أهميةً اختيار عائلته صفّ “الجنجويد”. هذا المثال، الذي يعيد إلى الأذهان قصصاً أخرى مشابهةً، يوضّح صعوبةَ الأمر ووجود معضلةٍ متعلّقةٍ بضمان ولاءات الأفراد. بالنسبة لبيللو ورفاقه الآخرين المنشقّين، فإن دعاية المليشيا ومشروعها الهادف لخلق انقلاب اجتماعي ومنح المجموعة التي ينتمون إليها، من القبائل والإثنيات، فرصةَ السيطرة على الدولة، والتغوّل على الفضاء السياسي والاقتصادي فيها تبدو أكثر واقعية من الخطب حول الوطن الواحد، والجيش، الذي تتكسّر عنده الانتماءات. ما سميتها “معضلة بيللو” تخبرنا أن هؤلاء المنشقّين لا يرون في تمرّدهم أو تخابرهم مع أعداء الدولة خيانةً، فالدولة ومؤسّساتها كلّها تصبح في تلك اللحظة بالنسبة إليهم مُجرَّد كيان هلامي.
مقال فارغ و عنصري .
باختصار يريد كاتب المقال العنصري أن يقول ان انشقاق بيلو بسبب القبيلة و هذا غير صحيح فالحرب الان في شهرها التاسع عشر و لو كان توجه العقيد المنشق بيلو قبليا لانشق منذ الشهور الاولى للصراع او على اقل تقدير بعد سقوط مدني حاضرة ولاية الجزيرة .
المشكلة الكبرى هي ان اعلام الجيش هو الذي يغذي القبلية حيث يزور قائد الجيش قبائل معينة للتعزية بينما يعرض حتى عن العزاء الشفهي لقبائل أخرى ( هامشية حسب اعتقاده)
بل ان قائد الديش زار بعض اسر القتلى من وسطه الجهوي و تجاهل القتلى من جهات اخرى
لماذا الفرز و حكاية خيار و فقوس
السيد الأستاذ مرحبا
لا أعتقد أن ما ذهبت اليه هو ما طلبه كاتب المقال، فقد بدأت عباراتك بمقال فارغ وعنصرية وقلت في معرض حديثك إن قوله (إنشقاق بيللو يمثل انحيازا للقبيلة وهذا غير صحيح)
استميحك العذر في أن أبدى وجهة نظر متعارضة مع رايك. أولا الأستاذ لم يأت بخبر لنقول هذا صحيح او غير صحيح فالاستاذ كتب تحليلا من وجهة نظري موضوعيا وعلميا، والتحليل لايمكن وصفه نقديا بصحيح او خاطيء مالم يكن يحتوي على نقاط يمكن اثباتها أو تكذيبها، أما التحليل فعليك عرض فكرتك دون المساس بفكرة المخالف.
ولنعد للتحليل نفسه مما لا ينكره أحد أن الحرب انزلقت الي حرب عنصرية بجدارة، واطفاف الناس على أسس قبلية لم تعد سر من أسرار الخزانة الأمريكية فالان جبريل ومناوي يقاتلون اهل دارفور من غير ملتهم واصطف الإعراب الاشد كفرا ونفاقا ضد غير العرب وهذا يتضح جليا في أفعال صعاليك غرب أفريقيا الوحشية ضد المساليت.
ومن ناحية أخرى اصطف أهل الشمال والوسط وكونوا كتلة، لاتعلب القبلية فيها دورا حاسما ولكن يمكن وصفها بالجهوية كما يقول المثل المصري أنا وابن عمي على الغريب، وحذفوا أنا وأخوي على ابن عمي وهذا ينفي القبلية فالشايقي والجعلي والحلفوي والدنقلاوي وأبناء الوسط الذين ينتمون لذات العنصر بينما فرز البجا في شرق البلاد قدحهم.
نعم القبلية في دارفور مازالت تردي ذات الجلباب القديم.
هل يمكن معالجة هذا الوضع بالطبع العلاج موجود ولكن ليس الآن باي حال فقد فات الأوان والمكتوب على الجبين بأن وظهر. لقد أضحى التشرزم هو سيد الموقف، وبالرغم من إنه سيزيد التعقيد تعقيدا، ولن تنطفيء نيران الحرب بل ستزداد ضراوة، وسيهاجر السودانيين إلى الصومال بحثا عن الأمن. وهو أقصى امنيات أعداء الوطن من الحركات الإسلامية البغيضة بلا استثناء من كيزان وانصار سنة وتكفيريين ودواعش
يا استاذ عمر , انت تخلط بين الامور
أولا :و سوف افصل لك
1.الخبر يوصف بانه صادق أو كاذب
2. التحليل عبارة عن راي و الرأي يوصف بأنه صحيح أو غير صحيح و لا يوصف بأنه كاذب أو صادق
3. التوقعات توصف بأنها محتملة أو غير محتملة أو ضعيفة الاحتنال
ثانيا : أنا علقت بأن رأي أو تحليل كاتب المقال غير صححيح فيما يتعلق بموضوع القبيلة في انشقاق بيلو . ما المشكلة سواءا كان رأيي صحيحا أو غير صحيح
ثالثا :اذا كان الامر هو ( لتحليل فعليك عرض فكرتك دون المساس بفكرة المخالف.) فلا داع لأي حوار و كل واحد يحتفظ برأيه لنفسه
رابعا : تعميمك بأن الحرب اصبخت تعتمد على العنصرية ليس صحيح على كل الفئات , فهناك فئات ما زالت بعيدة عن العنصرية
خامسا و أخيرا : لا يجوز لكاتب المقال أن يقرأ ما في قلب شخص ما و هل ذكر بيلو ما يدل على انه انحاز للدعم بسبب القبيلة ؟ كلا لم يذكر شيئا من ذلك , فعلى اي أساس بنى صاحبنا تحليله ؟؟؟؟
و السؤال هنا , اذا كان هناك الكثير من الناس جعلوا الحرب عنصرية فلماذا ركز على شخص واحد بعينه و نسي الملايين أو مئات الالاف ؟ أليست هذه عنصرية من كاتب المقال
كسرة : كن متفائلا و تذكر أنك مسلم و الاسلام يعتبر العنصرية و القبلية و الجهوية ضربا من الجاهلية الاولى
كاتب المفال يعاني من حالة عوار سياسي تجعله يري الامور فقط من زاوية إنتمائه، نراه يعيب علي اهل الهامش الجهوية والقبليه ويتناسي ان العنصرية والجهوية ظلت تمارس من اعلي هرم السلطه من 1989 والقبيلة لها خانة في إستمارة التقديم للوظيفه ورئيس الدولة بنفسه يقول ان الغرابيه سيكون لها الشرف لو ضاجعها جعلي!
اما ايرادك اعلان البعض لكراهية قبائل بعينها ومكوناتها وذكرك ل(الشايقيه) بالإسم فهي ايضا ممارسة عنصرية مارستها دولة الكيزان التي ينتمي اغلب مسئوليها لهذه القبيله واحسب انك تنحدر منها ايضا ودونك احاديث البرهان وياسر كاسات العنصريه من شاكلة (ديل ما بشبهونا)،عرب شتات، اقتلوا المسيريه والرزيقات حواضن التمرد،وسنسلح الشكريه ونجيب ليهم تارهم وحنجيب ليك تار ابوك وغيرها) فهل هناك من هو اسوأ من هؤلاء؟ حتي داخل تنظيمات الكيزان تسري العنصريه والقبيلة مسري الدم ولازلوا حتي اليوم منقسمين ما بين راية اولاد الشايقيه واولاد الجعليين واولاد الدناقله واولاد الغرب، فكيف تتهم غيرك بالقبلية والعنصرية وانت بكل هذا القبح؟
العطاوة ليس لهم اي مشروع للحكم وفرية دولة العطاوه هي نتاج مطابخ مخابراتكم مثلها مثل دولة الزغاوة دولة الفور وقريش ونحوها وليس بعيدا ان تخرجوا علينا غدا بكذبة مشروع دولة الشكريه او دولة الزبيديه او دولة الرباطاب فخاليكم خصب منذ ايام ساحات الفداء.
اما الادعاء انكم لستم اهل عنف ولا تتملكون السلاح فهو خضوع بالقول ولين ملامس ليس إلا والحقيقه التي يعرفها الجميع هي انكم تخليتم عن السلاح الشحصي لأن سلاح الدوله بأكلمه صار في يدكم وتستحدمونه ضد من تشاؤون من الجنوبيين في جنوبنا الحبيب الي دارفور الي جبال النوبه والشرق وحتي امري وكجبار! إذن فما حاجتكم للسلاح وترسانة الدوله وقضائها ونياباتها واموالها ومحاكمها وجيشها وشرطتها وامنها في جيوبكم؟