الأمم المتحدة تدين الهجمات في السودان وتحذر من تصعيد العنف
دانت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، روز ماري ديكارلو، بشدة “الهجمات المستمرة” التي تشنها قوات الدعم السريع ضد المدنيين في السودان، والقصف العشوائي الذي تقوم به القوات المسلحة السودانية على المناطق السكنية.
وجاءت تصريحات ديكارلو في إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك، حيث شددت على ضرورة وضع حد للتصعيد العسكري الذي يعرض المدنيين لمزيد من الخطر.
وصفت روز ماري ديكارلو موجة العنف الأخيرة في السودان، التي شنتها قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة، بأنها “واحدة من أعنف أعمال العنف خلال الأشهر الثمانية الماضية”، وذلك وفقاً لتقارير صادرة عن منظمات غير حكومية. وأشارت أيضاً إلى هجمات أخرى تشنها قوات موالية للقوات المسلحة السودانية تستهدف المدنيين في مناطق الخرطوم. وحملت ديكارلو المسؤولية لكل من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية عن استمرار العنف في البلاد، مشددةً على ضرورة أن تجتمع الأطراف المتحاربة على طاولة المفاوضات، مؤكدةً أن “التوصل إلى حل سياسي عن طريق المفاوضات هو السبيل الوحيد للخروج من هذا الصراع”.
وأشارت المسؤولة الأممية إلى اعتقاد كل من الطرفين المتنازعين بإمكانية تحقيق نصر عسكري على الأرض، وحثت الأطراف الخارجية على وقف دعمها لأي من الجانبين، إذ يؤدي ذلك إلى تأجيج الصراع واستمراره. وأضافت: “يواصل الطرفان التصعيد العسكري وتجنيد مقاتلين جدد، وهذا التصعيد يصبح ممكناً بفضل الدعم الخارجي وتدفق السلاح المستمر إلى السودان، وهو دعم غير قانوني يجب أن يتوقف لأنه يسهم في استمرار المذابح”. وشددت على أهمية أن تضغط الجهات الخارجية على الأطراف المتحاربة في السودان لدفعها نحو تسوية سلمية.
كما تحدثت ديكارلو عن الجهود المتواصلة للوساطة، مشيرة إلى دور الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) والمساعي التي يقودها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة، الذي من المتوقع أن يتوجه إلى السودان والمنطقة للقاء الأطراف المختلفة ودفعها نحو طاولة الحوار.
الوضع الإنساني
وصرح مدير قسم التنسيق بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، راميش راجاسينغام، بأن تصاعد العنف في السودان ينذر بمزيد من التصعيد وسط تدهور الأوضاع الإنسانية. وأوضح: “ما زالت التقارير تشير إلى وقوع ضحايا بين المدنيين بسبب القتال العنيف في المناطق المأهولة بالسكان، بالإضافة إلى ارتكاب فظائع مروعة، آخرها عمليات قتل جماعي وعنف جنسي مرعب في ولاية الجزيرة”. وأكد راجاسينغام أن النساء والفتيات يعانين بشكل مضاعف بسبب النزوح والجوع، ما يجعلهن عرضةً لخطر متزايد من العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستغلال والإساءة.
وأشار إلى أن موجات النزوح مستمرة بحثاً عن الأمان، حيث يعاني السودان من أكبر أزمة نزوح على مستوى العالم. فمنذ إبريل/نيسان الماضي، اضطر أكثر من 11 مليون شخص إلى مغادرة منازلهم، وتوجه ما يقارب 3 ملايين منهم إلى دول مجاورة. ووفقاً لتقارير المنظمة الدولية للهجرة، نزح أكثر من 400 ألف شخص من منطقة الفاشر خلال الأشهر الستة الماضية. ومع احتدام القتال في غرب وشمال دارفور، فرّ 58 ألف شخص إلى تشاد خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول فقط، ليصل العدد الإجمالي للنازحين إلى شرق تشاد إلى أكثر من 710 آلاف شخص. كما نزح أكثر من 836 ألف شخص إلى جنوب السودان، من بينهم حوالي 644 ألف لاجئ عائد، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين.
وأكد المسؤول الأممي أن الصراع الدائر في السودان لم يقتصر على نزوح ملايين الأشخاص، بل أدى أيضًا إلى أزمة غذاء خانقة تهدد حياة ملايين آخرين. ووفقاً للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الصادر في يونيو/حزيران، يواجه أكثر من 750 ألف شخص في السودان خطر المجاعة، ما يفاقم الأزمة الإنسانية بشكل غير مسبوق.
في سياق متصل، فرضت الولايات المتحدة، اليوم الثلاثاء، عقوبات على عبد الرحمن جمعة بارك الله، أحد قادة قوات الدعم السريع، متهمةً إياه بالضلوع في انتهاكات حقوق الإنسان في ولاية غرب دارفور. وأوضحت وزارة الخزانة الأميركية أن بارك الله قاد حملة عنيفة شملت استهداف المدنيين والعنف الجنسي والعنف العرقي، ووصفت الانتهاكات بأنها جسيمة وتستدعي المحاسبة.
تأتي هذه الخطوة بعد عقوبات فرضتها لجنة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على بارك الله الأسبوع الماضي، في إطار الضغط الدولي المتزايد على الأطراف المتحاربة.
وأعلن برادلي سميث، القائم بأعمال وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، أن العقوبات المفروضة على قادة قوات الدعم السريع تأتي تأكيداً على التزام الولايات المتحدة بمحاسبة أولئك الذين يسهمون في تسهيل أعمال العنف ضد المدنيين الضعفاء في السودان. وقال سميث في بيانه: “إجراء اليوم يؤكد التزامنا بمحاسبة الساعين إلى تسهيل أعمال العنف المروعة هذه بحق السكان المدنيين الضعفاء في السودان”.
وأكد سميث أن الولايات المتحدة ستواصل تركيزها على دعم إنهاء الصراع السوداني، ودعوة الجانبين المتحاربين إلى المشاركة في محادثات سلام تهدف إلى ضمان حقوق الإنسان الأساسية لجميع المدنيين السودانيين.
من جانبها، تُتهم قوات الدعم السريع بإثارة العنف بدوافع عرقية، حيث تتداول التقارير حول تورطها في استهداف المدنيين، وهو ما تنفيه القوات التي تعزو تلك الانتهاكات إلى عناصر مارقة داخل صفوفها.
في وقت تشهد فيه البلاد كارثة إنسانية، قالت الأمم المتحدة إن ما يقرب من 25 مليون شخص، أي نصف سكان السودان، بحاجة إلى مساعدات إنسانية. وقد اجتاحت المجاعة مخيمات النازحين داخل السودان، بينما نزح نحو 11 مليون شخص، بينهم ثلاثة ملايين عبروا إلى دول مجاورة.
ارتفاع حصيلة ضحايا مدينة الهلالية
إلى ذلك، أعلن ناشطون سودانيون، اليوم الثلاثاء، أن حصيلة ضحايا مدينة الهلالية بولاية الجزيرة قد ارتفعت إلى 450 قتيلاً جراء الهجمات المستمرة وحصار قوات الدعم السريع للمدينة منذ نحو 20 يوماً. وأكدت تقارير محلية ودولية أن قوات الدعم السريع قد ارتكبت انتهاكات وجرائم قتل جماعي بحق المدنيين في المنطقة، دون أي تعليق من القوات شبه العسكرية حتى الساعة.
وتجددت الاشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في ولاية الجزيرة منذ 20 أكتوبر الماضي، إثر انشقاق القيادي في قوات الدعم السريع، أبو عاقلة كيكل، وهو من أبناء الولاية، وإعلانه الانضمام للجيش السوداني. وتواصل قوات الدعم السريع السيطرة على أجزاء واسعة من الولاية، باستثناء مدينة المناقل والمناطق المحيطة بها.
ووفقاً لبيان صادر عن “نداء الوسط”، وهو كيان مدني يضم مجموعة من الناشطين، فإن الحصيلة الجديدة للقتلى في الهلالية بلغت 450 شخصاً، بينهم أطفال. وتسببت قوات الدعم السريع في حصار المدينة لعدة أسابيع، مما أسفر عن وفاة العديد من السكان نتيجة للظروف المعيشية الصعبة والتسمم.
وأكد مكتب الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة “أوتشا” أن العنف المستمر في ولاية الجزيرة أدى إلى نزوح أكثر من 135 ألف شخص إلى الولايات المجاورة، في ظل تصاعد الهجمات وارتفاع أعداد الضحايا بسبب التسمم ونقص الغذاء.
منذ بداية الحرب في إبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حرباً دامية خلفت أكثر من 20 ألف قتيل وأدت إلى نزوح أكثر من 13 مليون شخص. وتتصاعد الدعوات الدولية لوقف الحرب قبل أن تتحول إلى كارثة إنسانية قد تؤدي إلى المزيد من المجاعات والموت.
العربي الجديد