الأمم المتحدة : دق ناقوس الخطر والقيام بالمسؤولية
محمد حمد مفرح
من الحقائق المعلومة لكل متابع لمجريات الأحداث في السودان في ظل الحرب الجارية أن الأوضاع بالبلاد قد بلغت مدى بعيدا من التدهور الذي يرقى الى مستوى الكارثة الحقيقية. فالواقع الناتج عن افرازات الحرب واستمرارها واتساع نطاقها والذي ظل يأخذ في التدهور بوتيرة متسارعة ومتصاعدة طبع الحياة الاجتماعية وغيرها بالبؤس والتردي كما قلب حياة المواطن في اغلب أنحاء البلاد رأسا على عقب ، جراء تمدد الحرب وبروز فظاعاتها المتعددة بصورة غير مسبوقة. وبعيدا عن الاسهاب التفصيلي في وصف هذا الوضع المعلوم يمكن القول عموما ، أن ذروة هذه التداعيات تتمثل في ما حدث مؤخرا بشرق ولاية الجزيرة بوسط السودان وبالذات بمدينة الهلالية التي شهدت قتلا جماعيا Mass killing مروعا وسط المواطنين قامت به قوات الدعم السريع ، وفقا للاخبار المتواترة. وقد سبقت ذلك أحداث عنف بمدينة الفاشر ادت الى قتل اعداد كبيرة من المواطنين جراء ضراوة القتال. كما شهدت عدد من قرى ومدن كردفان وسنار بالإضافة الى الخرطوم وغيرها قتال راحت ضحيته انفس عزيزة. ومن المعلوم ان مسلسل العنف لا يزال قائما مخلفا اعداد لا تحصى من الضحايا.
اما على صعيد افرازات الحرب الاخرى بهذه المناطق فقد تمثلت في الأعداد الكبيرة من الجرحى وانتشار المجاعة والخوف والهلع بالإضافة إلى تأثر البنية التحتية وخلافه. وبالطبع لا تحتاج هذه الافرازات الى أدلة او براهين لتأكيد حقيقتها كونها غدت واقعا يحدث عن نفسه. وليس ثمة من شك في أن نظرة واحدة إلى واقع البلاد في ظل هذه الحرب كافية بأن تؤكد هذا الواقع التراجيدي Tragic reality.
ثمة أمر آخر ظل يعمل على مضاعفة مأساة البلاد وتعقيد الوضع اكثر يتمثل في تنامي خطاب الكراهية في المجتمع السوداني بالإضافة الى الاصطفاف الجهوي والقبلي السافر ثم ما سمى بقانون الوجوه الغريبة الذي تم سنه في بعض الولايات بشمال السودان على نحو بغيض زاد الأمر ضغثا على ابالة. وقد أدى هذا القانون الشائن الى أخذ الناس بالشبهات واتهامهم زورا وبهتانا بتهمة الانتماء الى الدعم السريع بل والحكم عليهم بأحكام مغلظة غاية في الاجحاف. وليس أدل على ذلك من التهم التي طالت البعض بموجب هذا (القانون) وآخرها الحكم على الطالب احمد عبدالهادي سليمان الذي قدم من مدينة الخوي بغرب كردفان الى مدينة دنقلا للجلوس لامتحان الشهادة السودانية هناك ، الحكم عليه بالسجن خمس سنوات بتهمة الانتماء للدعم السريع دون دليل او بينات او حيثيات يعول عليها وذلك رغم توافر الأدلة التي أكدت انه قادم للجلوس للامتحان ليس الا!!!.
ومما يجدر تأكيده ان افرازات الحرب سالفة الاستعراض تفاقم معاناة المواطن كما تضع وحدة السودان على المحك.
من جانب اخر فانه ، ونظرا لعدم وجود ضوء في اخر النفق يبشر بايقاف الحرب في ظل مواصلة طرفيها للقتال غير مباليين بكل تداعياتها الاخذة في التفاقم ، وبالذات الجيش الذي رفض كل مبادرات إيقاف الحرب ، نظرا لذلك يتعين على الأمم المتحدة أن تقوم بدورها في التدخل في السودان بموجب الفصل السابع والذي يعد الوسيلة الوحيدة المتاحة حاليا لاجبار طرفي الحرب على وقفها. هذه الخطوة مطلوبة بشدة من اجل افساح المجال لوقف القتل المروع ووضع حد لنزيف الدم علاوة على تقديم العون الانساني Humanitarian aid للمواطنين مع تهبئة الظروف لاعادة اعمار البلاد وبدء العملية السياسية التي تفضي الى حكومة مدنية. وتعد هذه المطلوبات جد ضرورية لتفكيك ازمة البلاد غير المسبوقة.
ومن الضروري بمكان اجراء العدالة الانتقالية Transitional Justice والتي تتم عادة في ظروف ما بعد الحرب والانتقال الديموقراطي حيث تشمل سلسلة من الإجراءات منها الاعتراف بالجرائم والعفو فضلا عن المحاكمات القانونية والتعويضات المختلفة وخلافها. ويمكن الاستفادة ، في هذا الصدد، من تجارب مماثلة لدول أخرى.
من جهة ثانية يمكن ان يتطلب الامر الحاجة لقيام مجلس الامن بانشاء محكمة دولية خاصة بالسودان من اجل القيام بالمحاكمات اللازمة لكل الجرائم التي ارتكبت في هذه الحرب وقبلها بما فيها الجرائم التي ارتكبت في عهد الانقاذ والتي لا تسقط بالتقادم. ويمكن أن تكون هذه المحكمة على غرار المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة والتي قام بانشائها مجلس الأمن في العام ١٩٩٣م بعد بداية حرب البوسنة او المحكمة الجنائية الدولية لرواتدا التي أنشأت قي العام ١٩٩٤م لمحاكمة مجرمي الحرب برواندا.
وأود ، هنا ، ان أشير الى حقيقة مفادها ان الأمين العام للامم المتحدة ، انطونيو غوتيريش ، صرح مؤخرا بأن ظروف المنظمة لا تسمح لها حاليا بنشر قوات بالسودان ، واكتفى بتكرار مناشدة طرفي الحرب بايقافها مراعاة لظروف المدنيين الذي تضرروا كثيرا من الحرب.
ومع ذلك فقد رشحت مؤخرا اخبار تفيد بأن الأمم المتحدة بصدد نشر قوات في بعض المدن السودانية للفصل بين طرفي القتال وحماية المدنيين. كما أن المقترح الذي تقدم به مؤخرا الدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السابق ورئيس (تقدم) والقاضي بانشاء مناطق امنة Safe Areas للمدنيين بالسودان يمنع فيها الطيران ، وتتم حمايتهم من تعديات طرفي الحرب ، يمكن ، أي المقترح ، ان يتم تطبيقه للتخفيف من المعاناة الانسانية.
ومن المعلوم ان الامم المتحدة غالبا ما تواجه ظروفا مالية لا تمكنها من القيام بدورها في ظروف الحرب ، غير ان هذا لا يعفيها من القيام بمسؤوليتها تجاه السودان من خلال انشاء صندوق مالي Financial Fund من اجل الاسهام المالي في التدخل في السودان بموجب الفصل السابع وذلك من اجل انقاذ البلاد ، بناء على تهديد هذه الحرب للسلم والامن الدوليين ، باعتبار ان الحفاظ عليهما يعد المهمة الأساسية للامم المتحدة.
ومما يجدر تأكيده أنه بقدر ما تفتقت عبقرية فقهاء القانون الدولي وخاصة مع بداية القرن التاسع عشر عن وضع قواعد قانون دولي كافية لحماية المدنيين وغيرهم أثناء الحرب وصيانة حقوق الانسان فضلا عن محاكمة مجرمي الحرب والحفاظ على السلم والامن الدوليين ، بقدر ما تفتقت عن ذلك فان (السياسة) ظلت تعمل على تعويق انفاذ قواعد القانون الدولي وتطبيقها على الأرض. وتندرج هذه القواعد القانونية في القانون الدولي الانساني المسمى أيضا قانون الحرب وقانون جنيف وقانون النزاعات المسلحة ، كما تندرج في القانون الدولي لحقوق الانسان والذي شهد بحق تطور نوعي وشامل وغير مسبوق ، وايضا القانون الجنائي الدولي المناط به محاكمة مجرمي الحرب على جرائمهم المتمثلة في جرائم الابادة الجماعية وجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان.
وقد تمت سابقا محاكمة النازيين لارتكابهم جرائم حرب واسعة النطاق في الحرب العالمية الثانية.
وبالرغم من كفاية وفاعلية هذه القوانين الا أن التقاطعات السياسية في الساحة الدولية وعدم توافر الارادة من قبل الدول الكبرى وبالذات الدول دائمة العضوية بمجلس الامن ، في المساهمة في تمويل الامم المتحدة ، لاسباب سياسية تتماهى مع مصالحها ، تعمل ، أي التقاطعات السياسية ، على الحيلولة دون قيام هذه المنظمة بمسؤولياتها على الدوام. ومن المعلوم أن هذه الدول تسهم بالنصيب الاكبر في التمويل وقتما تتوافر لها الارادة.
وفي ظل هذا الوضع تواجه قيام الامم المتحدة بدورها تجاه السودان في هذا الظرف العصيب تحديات ربما تجعل من المتعذر عليها النهوض بمسؤوليتها ، مما يفاقم من ازمة البلاد الحالية.
و تبعا لذلك فان هنالك حاجة ماسة لقيام (تقدم) بكل ما يمكنها القيام به من اجل دفع الامم المتحدة للنهوض بمسؤولياتها تجاه السودان في هذا الظرف التاريخي العصيب.
ومن الضروري بمكان استمرار زخم حراك (تقدم) الحالي بهدف وضع حد لمعاناة المواطنين ومن ثم تهيئة الظروف لتطبيق الخطوات انفة الذكر والتي يتوقف عليها انقاذ البلاد من التفكك.
ما ضرورة وضع جمل باللغة الإنجليزية داخل النص؟ هل هنالك ناطقون باللغة الإنجليزية يقرأون موضوعك هذا؟ هذه الجمل لا داعي لها؛ فهي كشوك السمك الذي يعيق الأكل!!