مقالات سياسية

الكيزان نقطة سوداء في تاريخ السودان

هلال وظلال
عبد المنعم هلال

في ظل ما يمر به السودان من أزمات متفاقمة تبرز إلى السطح إشكالية لطالما أرهقت البلاد واستنزفت مواردها وطاقاتها وهي السياسات التي اتبعها الكيزان. تلك السياسات لم تؤدي فقط إلى تراجع الاقتصاد وتدهور المعيشة بل دفعت البلاد إلى حافة الهاوية وجعلت حلم الاستقرار في وطننا مجرد سراب.

عندما تولى الكيزان السلطة في عام 1989م كان شعارهم البناء والإصلاح لكن الواقع أظهر العكس. بدأت البلاد تشهد سياسات ممنهجة تستهدف إضعاف مؤسسات الدولة واستبدالها بمؤسسات موازية تدين بالولاء للجماعة فقط مما أدى إلى تفشي الفساد والمحسوبية في كل القطاعات وم يكن الغرض من الحكم حينها خدمة الشعب بل السيطرة على البلاد وترسيخ نفوذ الجماعة على حساب مصالح الوطن ومستقبله ومن أكبر الآثار السلبية التي خلفها الكيزان هو تقسيم المجتمع السوداني ليس فقط من خلال التمييز السياسي والاجتماعي بل أيضاً من خلال التحريض على الفرقة والاقتتال الداخلي. سياسة (فرق تسد) التي انتهجوها كانت سبباً رئيسياً في تمزيق النسيج الاجتماعي للسودان وهذا التقسيم قاد إلى نزاعات في مناطق متعددة بدءاً من دارفور مروراً بجنوب السودان وصولاً إلى شرق البلاد ما أسفر عن مئات الآلاف من القتلى وملايين النازحين.

اقتصادياً لم يتأثر السودان في تاريخه الحديث بدمار اقتصادي كما حدث خلال سنوات حكم الكيزان ففي ظل الموارد التي تمتلكها البلاد كان من الممكن أن يكون السودان نموذجاً للتنمية الاقتصادية في إفريقيا إلا أن تلك الموارد ضاعت في مستنقع الفساد وإساءة الإدارة وتم نهب ثروات البلاد بشكل ممنهج عبر مشاريع وهمية وعقود مشبوهة وكل ذلك تحت مظلة (التمكين) الذي أعطى الأولوية لأعضاء الجماعة دون أي اعتبار للكفاءة أو الخبرة ولم تتوقف الكارثة عند هذا الحد بل إن الكيزان أفسدوا مناهج التعليم وجعلوا المؤسسات التعليمية أدوات لنشر أيديولوجيتهم مما أثر سلباً على وعي الأجيال الجديدة ونظرتها للعالم وللوطن. تدهور التعليم كان خطوة خطيرة على المدى البعيد حيث أصبح من الصعب إيجاد كفاءات حقيقية قادرة على قيادة السودان نحو مستقبل أفضل والشباب الذين هم عماد الوطن فقدوا الأمل وهاجر الكثيرون منهم بحثاً عن فرصة لحياة أفضل.

ومع اندلاع الثورة في ديسمبر 2018م أثبت السودانيون أنهم لم يستسلموا وخرج الملايين من مختلف الفئات والأعمار لإسقاط نظام الكيزان المتسلط مؤكدين على رغبتهم في التغيير واستعادة الوطن ولكن إرث ثلاثين عاماً من التخريب السياسي والاجتماعي والاقتصادي لا يمكن التخلص منه بين ليلة وضحاها فقد ترك الكيزان وراءهم تركة ثقيلة من التحديات وأصبح السودان أمام مهمة صعبة للعودة إلى المسار الصحيح. ثم أشعلوا الحرب في ١٥ أبريل ٢٠٢٣م والتي أحرقت ودمرت ما تبقى من السودان وسعوا لاستمرارها رافعين شعار (فلترق كل الدماء) و(بل بس). تلك الحرب لم تقف عند حدود الخسائر المادية بل طالت النسيج الاجتماعي وزرعت الفوضى وزادت من الانقسامات.

إن استعادة السودان تتطلب جهوداً جماعية تستند إلى رؤية وطنية صادقة بعيدة عن الأيديولوجيات المدمرة ويجب أن تتوحد جهود السودانيين لإعادة بناء المؤسسات بشكل عادل وديمقراطي واستعادة الثقة في الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية وعلى الأجيال القادمة أن تتعلم من أخطاء الماضي وأن تدرك أن السودان لن ينهض إلا بوحدة أبنائه وإيمانهم بحقهم في حياة كريمة وآمنة.

(الكيزان نقطة سوداء في تاريخ السودان) ليست مجرد عبارة أو لوم على حقبة مظلمة بل هي دعوة لكل سوداني للعمل بجدية لإطفاء الحرائق التي أشعلوها واستعادة ما أُخذ منا.

[email protected]

‫3 تعليقات

  1. كتباتك دايما قوية ورصينه يااستاذ عبد المنعم لذا رجاءا
    لا تتوقف فبلادنا في امس الحوجه للاقلام الوطنيه المخلصه
    التي تسعي لاخراج البلاد والعباد من ظلمات سنوات التيه الكيزانيه
    البغيضه الي انوار العدل والحق والخير والامن والامان.
    جزاك الله كل خير عن كل حرف كتبته تبتغي به وجه الله ووطنك وشعبك.

  2. كل النكب السياسية و أحزابهم المنكوبة يمثلون نقطة سوداء في تاريخ السودان و اي حزب سوداني منكوب مثل الجبهة الإسلامية القومية تتاح له فرصة الحكم عبر انقلاب عسكري لفترة طويلة كان سيفعل ما فعله الكيزان … الكيزان لم يأتوا من كوكب و بقية الأحزاب السياسية جاءوا من كوكب آخر فجميع النكب السياسية خريجي نفس البيئة و نفس الثقافة و نفس البيوت و الشوارع و المدارس و الجامعات… انظر حولك في الحي كم من متملق تحول من الحزب (x) الي حزب الكيزان من أجل الجاه و الوظيفة… العلة في العقلية السودانية بصفة عامة و عقلية النكب السياسية بصفة خاصة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..