موقف الحزب الشيوعي من مظاهرات واضرابات السكر في ديسمبر 1988م (10 – 15)
صديق الزيلعي
كان دعم انتفاضة أبريل والمضي بها الى الامام، تحديا كبيرا امام القوى السياسية. صارت قضية إزالة آثار نظام نميري الاقتصادية والسياسية والدستورية ، بل التدمير الممنهج لكل أوجه الحياة ، هو التحدي الأكبر. معظم الدمار الذي أكمله نظام الاسلامويين بدأ مع نظام نميري. فالتعليم بدأ تدهوره بالسلم التعليمي الذي فرضه محي الدين صابر وزير التربية والتعليم آنذاك. والاقتصاد تدهور لدرجة كبيرة واستولى الفساد على معظم المنح الخارجية. وتدمير الخدمة المدنية والحركة النقابية وغيرها من المؤسسات بدأ آنذاك. والدستور قنن سلطة الفرد المطلقة. وكانت الحرب الاهلية تأكل الأخضر واليابس. وزحفت المجاعة الي قلب العاصمة حيث هاجر عشرات الألوف من قراهم وصاروا يتسولون الغذاء والجنرال يرفض الاعتراف بوجود مجاعة. لمواجهة كل ذلك قامت الانتفاضة ، وصار امامها تحدي تغيير كل ذلك.
واجهت الانتفاضة تحديات جسام منذ لحظة التغيير الأولي. فالمجلس العسكري الذي قام بالاستيلاء على السلطة كان يعمل لتعطيل الانتفاضة. فالمجلس تكون من قادة الجيش والذين كانوا يرفضون الاستيلاء على السلطة حتى أرغمهم صغار الضباط. كما ان الحركة الشعبية رفضت وضع يدها مع قوى الانتفاضة. في ظل هذه التعقيدات تمت الانتخابات العامة وتكونت حكومة ائتلافية من حزبي الامة والاتحادي الديمقراطي.
قررت الحكومة زيادة سعر السكر ، فاندلعت مظاهرات ضخمة ، وحدث اضراب فوري عطل الحياة العامة.، فتراجعت الحكومة. وبرز صوت قوي وسط النقابيين وقطاع من الشارع باستمرار المظاهرات حتى اسقاط الحكومة. تصدى الحزب لتلك الدعوة، فماذا كان طرح الحزب:
جاء في خطاب السكرتارية المركزية بتاريخ 31 ديسمبر 1988م “حول مهام الحزب بعد معركة سحب زيادة الأسعار”:
“بإعلان مجلس الوزراء قراره بسحب الزيادات على الأسعار صباح الخميس 29 ديسمبر 1988م سجلت حركة الجماهير انتصارها وتحقيق هدفها المباشر الذي سيرت من اجله المواكب وأعلنت الإضرابات.
ومنذ تلك اللحظة أصبح واجب القيادات النقابية يتمثل في الآتي :
- دعوة الأجهزة القيادية لإعلان رفع الاضراب.
- الشروع في اعداد المقترحات والبدائل وتعبئة قواعد النقابات حولها.
- دعم وحدة وفعالية التنظيم النقابي.
- تقييم الأداء خلال المعركة وإصلاح مظاهر الخلل والضعف.
- التنسيق بين الاتحادات النقابية (عمال، موظفين ، مهنيين ، فنيين ، معلمين) مركزيا وإقليميا وداخل المرفق او المؤسسة … الخ.
- اصدار بيانات او نشرات لقواعد النقابات لتأكيد وحدتها وانتصارها في المعركة وتعبئتها للخطوات القادمة.
التقديرات الخاطئة:
في عدد من النقابات واتحادي الموظفين والمهنيين والفنيين ، ارتفعت أصوات تطالب باستمرار الإضرابات والمواكب وطرح اهداف وشعارات إضافية لمطلب سحب الزيادات. كما ارتفعت أصوات تطالب بتطوير المعركة الى اضراب سياسي حتى اسقاط الحكومة وقيام حكومة انقاذ وطني … الخ تعاملنا مع هذه الأصوات بمسئولية عن طريق المناقشة وتبادل وجهات النظر، رغم اقناعنا بخطأ تقديراتها الذاتية. وصرف النظر عما إذا كانت منطلقاتها وليدة انفعال وحماس مؤقت ناتج عن زخم المعركة ، أم من رؤية سياسية خاطئة أو تكتيكات قاصرة أو حتى منطلقات مغامرة. الأصوات التي طرحت شعار استمرار المعركة أو اعلان الاضراب السياسي ، لم تضع في اعتبارها الحقائق التالية:
- ان اتحادات النقابات أعلنت الاضراب من اجل سحب الزيادات.
- ان المواكب والمظاهرات اندلعت من اجل سحب الزيادات. وبتحقيق هذا الهدف كان على الاتحادات رفع الاضراب. إضافة لان الاتحادات لم تعلن الاضراب من موقع تنسيق مسبق، بل ظل اتحاد العمال يرفض التنسيق ويعتبره احتواء سياسيا.
- ان اعلان مواصلة الاضراب من هذه النقابة او تلك من نقابات المهنيين او عدد منها مجتمعة سيتحول الى قوة دفع جديدة وجاذبية جديدة تلحق بها بقية النقابات والاتحادات ليس أكثر من رغبة ذاتية ومغامرة بالحركة الجماهيرية واسقاط خاطئ للظروف التي اندلعت فيها انتفاضة ابريل ودور النقابات الست التي بادرت بتكوين التجمع النقابي والدعوة لموكب الأربعاء … الخ.
- التجمع النقابي الذي تولى شرف ومسئولية ومبادرة الاضراب السياسي في الانتفاضة عام 1985م ، ما عاد يملك هذه الصلاحية بعد قيام الاتحادات النقابية.
- الادعاء بان الانتفاضة قد انتصرت وتم تنفيذ الاضراب السياسي في أبريل 1985م رغم موقف اتحاد العمال واتحاد المزارعين ، يتجاهل حقيقة ان القيادات الحالية لاتحاد العمال واتحاد المزارعين جاءت بانتخابات”.
هذا الموقف الثوري الصحيح ومنهج التحليل الموضوعي هو ما نحتاج له الآن لمواجهة كارثة الحرب.