الوقود… دمج أم إحلال؟
محمد أحمد الفيلابي
يدرك غالبية البشر أنّ شركات النفط العملاقة على علمٍ بالآثار الكارثية للوقود الأحفوري، وأنّها ظلت تعمل لعقود على تضليل الرأي العام، وتسهم في التعتيم الإعلامي بشأن المخاطر المتأتية من الوقود الأحفوري على تغير المناخ، كما نجحت في خداع السياسيين، وأخذتهم رهينة المعلومات الكاذبة لدفعهم نحو التشكيك في العلم، والتسبّب في تأخير الإجراءات اللازمة، أو إبعاد الأمر عن اهتمام صانعي القرار عبر استقطاب الفاسدين من العلماء والإعلاميين.
للوقود الأحفوري بأنواعه الثلاثة، الفحم والنفط والغاز الطبيعي، مزايا تتمثّل في يسر الحصول عليه ورُخص سعره مقارنة بالطاقة البديلة، إضافة إلى أنّ كثيراً من البنى التحتية مصمَّمة لاستخدام هذه الأنواع، رغم الآثار السلبية لاستخدامها، فمشكلات تغيّر المناخ، والاحتباس الحراري، والانسكابات النفطية، والتلوّث، وتحمُّض المحيطات وغيرها أضحت هاجساً حقيقياً.
ويعاني السودان، مثل دول أخرى مشابهة، واقعَ أنّ حقول التعدين ومواقع المعالجة بمعظمها تقع في مناطق حيوية، إمّا غابات أو مراعي أو سهول زراعية، وإلى جانب المستوطنات البشرية التي تتأثر بعمليات التكرير والمعالجة.
والنيل نفسه، إلى جانب مجارٍ مائية عديدة أخرى، لم ينجُ من مخلفات هذه العمليات ذات السميّة العالية، لتنتشر بين المواطنين أمراض الرئة والسرطانات والفشل الكلوي، وتعاني النساء حالات إجهاض، وتشوّهات للأجنّة والعقم من جرّاء التعرّض لهذه الملوثات في ظلّ إحجام الشركات عن تقديم ما يمكن وصفه بأنّه تعويض.
ظلّت شركات النفط العملاقة تمارس التجهيل والتضليل والاستقطاب رغم الآثار الظاهرة، فيما لم تنجح مساعي الناشطين البيئيين في ظلّ حكومات تتحالف مع الشركات ضدّ مواطنيها، وتعمل على ركل القوانين وإحلال قانون المصالح الخاصة.
وتفيد الدراسات بأنّ ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مصدره السيارات والناقلات والطائرات وماكينات المصانع التي تستخدم الوقود الأحفوري، لذا تتواصل جهود العلماء في البحث عن وسائل لتوفير الوقود الحيوي المشتق من مواد نباتية وحيوانية.
على صعيد آخر، ظهرت تقنيات لإنتاج الوقود من النفايات، أو المحاصيل غير الصالحة للأكل، أو منتجات الغابات فيما يسمّى بالوقود الحيوي المتطوّر، أو “الجيل الثاني”، والمحتمل أن يصبح الشكل الأساس للوقود الحيوي في المستقبل، إذ يمكن تحسين استدامته. ونظراً إلى طبيعته، فقد دُمج مع أنواع الوقود الأحفوري الأخرى للتقليل من انبعاثات الكربون. وقد نجح الأمر في البرازيل حيث تعمل السيارات المتطوّرة بالإيثانول.
ويظل السؤال: هل من الممكن، في ظلّ هذه الجهود، اعتماد استراتيجيات الدمج أم الإحلال، أم العمل بكلا الخيارَين ريثما يرتوي أهل المصالح؟
العربي الجديد