الشعر والسيف
حسن إبراهيم حسن الأفندي
(هـل غـادر الشعراء) شيئاً ينظم؟ … فـعلام تـنفخ فـي الـهواء وتـزخم؟
وتــرى بـأن الـشعر صـرت مـليكه … هــوّن عـلـيك فــإن مـثـلك يـفـهم
مـا عـاد مـن شرف لنا في شعرنا … إن قــــام فـيـنـا الـبـحـتري يُعَلِّم
مــا عــاد لـلـشعر الــرواج ومـثلما … كــان الـنـصالَ و كـان عـزاً يُـسهم
والـحـق أيــن الـشعر بـين قـنابل … تـرمي عـلى بـعد الـمسافة ترجم
كـــن واقـعـيـا يـــا شـويـعر نـاظـرا … فــي واقــع الـحـال الــذي يـتـكوم
مــــا قـــلّ دلّ و ذا زمـــان تــطـور … فـاصـرف جـهـودك بـانـيا لا يـظـلم
بـحماسة الـشعراء , بل وغرورهم … والـعـنـتـريـات الـــتــي لا تــخــدم
مــا صـادفـت عـيني مـمات ذبـابة … أبــــدا ولا قــتـلـت لــفـأر يـقـضـم
وكــذا يـقـول (نــزار) فـي أشـعاره … والـصـدق فــي قــول لــه يـتعظم
الـنـاس تـبني مـجدها مـن حـولنا … ولـنـا الـقـوافي تـسـتثير و تـشتم
هــل نـال مـن قـوم مـكان صـدارة … إلا بـــــدأب واجــتـهـاد يَــعْـظُـم ؟
مـــاذا يـفـيـد الـشـعر إن أغـدقـته … تــبـكـي لــتـاريـخ لــنـا يـتـصـرّم ؟
مــاذا يـفـيد الـشعر يـنعي دارسـا … مـــــن عــــزة وكــرامــة تــتـهـدم
إن كـنت تحسب أن شعرا ساخناً … يُـغني عـن الـسيف الذي لا يرحم
أو أن يــعــبـئ لانــتــصـار قــــادم … عـشت الـحياة بـكل صـدق تـحلم
جــهـز لـسـيفك أولا واسـلـل لــه … مــــن غــمـده مـتـبـخترا تـتـقـدم
فـلـربـمـا عــــادت لــنــا بـغـدادنـا … أو عــاد مـسـجدنا يـضـرّجه الــدم
ثـم انـشد الأشـعار مـا طابت لكم … حـتى يـخاف لـما نـظمت الـضيغم
أمـا الـضعيف فكيف يُخشى بأسه … بــل أيـن بـأس لـلضعيف تـترجم ؟
لــو كـانـت الأشـعـار تــردع غـازيـا … مــا كـانت الـعرب الـفصيحة تـكْلَم
كـم مـن مـعان دبـجوها شـعرهم … والــريــح تــذروهـا فـــلا تـتـلـملم
إن شـئـت تـرسـم صــورة مـرئـية … لــوجــدت آلاف الـمـنـاظـر تَــقْـدُم
إيــوانَ كـسرى مـاثلا فـي نـاظري … والــروضـة الأُنُـــف الـتـي أتـوسـم
أمــا الـيـتيمة فـهي مـلأى بـالذي … تـــدري ولا تــدري مـثـالا يـحـسم
إفـكـا بــأن الـشـعر ظــل بـحـاجة … لـلـمـحدثين ومـــن غــدا يـتـهجم
أسفي على فكر ضوى من ضعفه … ويــظــن بـالأشـعـار مـــا يـتـوهـم
فـبـشـعـرنـا صــــور تـمـيّـز عـرضها … وبــشـعـرنـا درر بــهــا لا تــســأم
ويــكــاد يـخـنـقني الـغـبـار بشعره … أعـمى تـهاوى الـليلَ فـيه الأنـجم
الـنـفس تـصغر عـند شِـعب بـوانه … مــن روعــة وصـفت عـجيبا يـرْهم
مـن ظـن أن يـأتي جـديدا بـعدهم … ضــل الـطريق وخـاب وهْـمٌ مـفعم
أفـنـيتُ عـمـرا مــن زمــان ضـائـع … صـلـفـا وزهـــوا إذ يــجـور ويـهـدم
كــانـت مـشـاعرنا وكــان لـسـاننا … بـالـسـم يـقـطـر غـيـرنا لا يـرحـم
ولـسـان حـالـي لا يـطيق مـغامرا … يــأتــي بـمـنـكر قــولـه أو يــذمـم
وعجبت أن يلقى قريضي قدح من … فـي شـعره الهذيان أحمقَ يُرسم
أنـا شـاعر الـفصحى وأرفـع ركـنها … ولـغـيرنا الأشـعـار لا تُـتَـيَمم
وأغــض عــن طــرف لـنا مـتجاهلا … كـيـدَ الــذي لا يـسـتفيق ويُـجـرم
(وإذا أتـتـك مـذمتي مـن جـاهل … فـهي الـشهادة لي بأني) الأقوم
لـكـنـنـي وبــرغــم ذلــــك كــلــه … أغـلـى مـن الـشعراء أرفـع عـنهم
سرقوا الجميل من القديم فأنجبوا … ثــكـلـى مــعـوقـة وريــحـا تــزكـم
إنــي لـمـن قـوم يـطول مـديحهم … ووفـاؤهـم بـيـن الـخـلائق أعـظـم
مــا لان مــن عـود لـهم أو داهـنوا … أو عــاش فــي خـتـل أبـي مـنهم
لــي فــي مـديـح (مـحمد) دالـية … تـشفي غـليل الـعاشقين وتُـلهم
أُعْـلِي بـها شـأني وتـرفع هامتي … ولـعـلـها يـــوم الـشـفاعة بـلـسم
هـــذا زمــان الأدعـيـاء أمــا تــرى … أنــي انـزويـت إلــى قـصي يُـبهم
فـالـشعر أنـفـاس وعـبـق أريـجـها … يـحـلـو لـسـامعها فـيـحمدها فــم
والـشعر لـيس بـما نـظمت مُـقفيّا … كــجـدار بــيـت بـالـحـجارة يــركـم
والـشعر إحـساس وصـدق مـقالة … وجـمـيـل مـعـنـى بـالـذي تـتـكلم
والـشـعـر يــلـزم أن يـهـز لـعـطفه … مـــن كــان ذا حــس لــه يـتـفهّم
والـشـعر فــن كــم يـحرِّك سـاكنا … رقـصت بـه الأعـطاف تـطرب تـنعم
مــا زلـت أومـن بـالحطيئة شـاعرا … وضـع الـنقاط عـلى الـحروف تحجم
فـالشعر إن ما مسَّ وجدان الفتى … مـا كـان شـعرا يـستساغ ويـهضم
والـشـعـر كـــلا لــم يـكـن إلـيـاذة … جـمـعـت دوارس نــافـرات تُـقـحم
والـشـعـر تـجـديـد وفــيـه نــبـوءة … نَــفَـسٌ وإلــهـام وجـــرْس يـزحـم
فــلـعـل بــيـتـا أن يــكـون بــلاغـة … أغـنـت عــن الآلاف مـمـا يَـسْـقُم
وتـواضـعـي لا يُـنْـقـصنَّ مـكـانـتي … إن كــان فـيـهم مــن يُـلم ويـفهم
وقــرأت مــن كـتـب كـثـيرات بـهـا … تــاهـت مـراكـبـنا أضـــل وأُلــجـم
حـتـى وصـلت إلـى طـريق واضـح … حــــواء تــرضــع غـيـرنـا أوتُـفـطـم
فـكر الـفتى شـيءٌ وفيض شعوره … لــلـنـاس تــلـفـظ قــولـه أوتــكـرم
لا أدعــــي عـلـمـا ولــكـن ربــمـا … قـبـضا مــن الـريـح الـتي لا تـخدم
مــاذا أكــون ومــا تـكـون بـلاغتي … إن كــنـت تــسـأل أي شـعـر أنظم