مقالات وآراء

معا لتصفير عداد العنف وخطاب الكراهية

د.مهدي تاج الدين

إذا ما أريد حل مشكلات السودان ودفع عملية الاصلاح السياسي والاقتصادي للأمام ؛ فإن الدرس الحقيقي الذى يجب أن تستفيد منه أي تجربة قادمة للتحول الديمقراطي في بلدنا هو : أن النظام السياسي لا يقاس بالتوسع فى وضع المبادئ المستخلصة من الديمقراطية أو التطبيق لنماذج مؤسسية مستوردة من الغرب ، وإنما الأمر يتعلق بالدرجة الأساسية بحرص النظام السياسي على تمثيله لمصالح الجماعات المختلفة(حزبية ، قبلية ، ثقافية … الخ) والقدرة على إحداث التوازن بين مطالب الجماهير ومصادر تحقيقها – لا مجرد شعارات ووعود مكذوبة- هذا بالإضافة إلى التطوير المستمر لحياة الجماهير على أُسس المساواة والعدالة الاجتماعية.

وعليه ؛ فإن الشرط الاجتماعي الذي
يتمثل في ضرورة الحد من العنف وخطاب الكراهية بالإضافة إلى إضعاف الولاءات التحتية (قبلية ، إثنيه ، مناطقية … الخ) لصالح الولاء الوطني العريض يعد شرطا أساسيا لاستقرار أي نظام ديمقراطي قادم.

إن المشهد السياسي السوداني الحالي معقد للغاية ، إذ نجد أطراف مؤثرة ومتنافرة فيما بينها (الجيش ومعه بعض الحركات المسلحة والمقاومة الشعبية/ المستنفرين في مواجهة الدعم السريع الذي هو بدوره حظيَ بمساندة بعض زعماء القبائل والعشائر ، كذلك نجد تقدم في مواجهة تركة نظام الانقاذ ورموزه ، وكذلك تجمع القوى الوطنية الديمقراطية في مواجهة تقدم نفسها، ومثلما فعل بعض زعماء القبائل مع الدعم السريع ؛ نجد زعماء آخرون وتنسيقيات قبلية ساندت الجيش واصطفت معه في مواجهة الدعم السريع ، وهنالك آخرون أعلنوا الحياد. هذا بالإضافة إلى العوامل الخارجية على المستويين الإقليمي والدولي.

إن السمة البارزة لعملية التواصل بين كل هؤلاء هو العنف واستحكام خطاب الكراهية والعداء ، وهذا ما أفشل عملية الحوار والتفاوض طيلة الفترة الماضية.

وفي الجانب الآخر هناك أغلبية صامتة لا يكترث الكثيرون لصوتهم ، هم في مراكز الإيواء ودول الجوار نازحين ولاجئين لا يهمهم شي أكثر من أن تضع الحرب أوزارها.

إن الهدف المبدئي في هذا السياق هو اندماج جميع الجماعات المتنافرة هذه (سياسية ، عسكرية ، إثنية ، دينية …) داخل نظام الدولة ومؤسساتها في إطار ما يمكن تسميته بالديمقراطية الاجتماعية .

من الأسباب الرئيسية التي تؤثر بشكل مباشر على أية مساعي أوجهود تبذل بصدد محاولة إحداث تحول ديمقراطي فعال في السودان ؛ يتمثل في التشرزم والتناحر والتنافر الاجتماعي والمجتمعي ، أو مايمكن تسميته بشيوع أزمة الهوية أو أزمة الاندماج الوطني ، ومن ثم فإن هذه الأزمة أسهمت بشكل أو بآخر فى العديد من الأزمات التي واجهتها وما زالت تواجهها التجارب السياسية في بلدنا ابتداءً من أزمة الشرعية ، ومروراً بأزمة المشاركة السياسية ، وانتهاءً بأزمة المواطنة ، بل أن هذه الأزمة هي السبب في فشل تجارب الحزب الواحد، والتعدد الحزبي وكذلك الفترة الانتقالية التي أعقبت ثورة ديسمبر ٢٠١٩م.

إذ كان الحزب الواحد يشكل أداة الجماعة الحاكمة (المؤتمر الوطني نموذجا) في الهيمنة على بقية الجماعات ، كما أن نظم التعدد الحزبي هي الأخرى قد أسفرت عن نقل الاختلافات الإثنية والدينية والإقليمية إلى ساحة الصراع السياسى (الديمقراطية الثالثة نموذجا).

ذلك أن تجارب التعدد الحزبي فى السودان فى الماضي قد أسفرت عن ظهور أحزاب طائفية وأخرى إقليمية لم تستطع تقديم رؤية شاملة لمصالح كافة الجماهير.
يضاف إلى ما سبق أن أزمة الاندماج الوطني هي السبب الرئيسي في ظاهرة الانقلابات العسكرية وفي ظاهرة الحروب الأهلية (التمرد في الجنوب ودارفور والنيل الأزرق ، وجنوب كردفان والاضطرابات في الشرق) وما ترتب عليها من مشكلات أخرى أكثر حدة كالتي تجري الآن بين القوات المسلحة والدعم السريع وما نتج عنها من انتهاكات جسيمة في دارفور والجزيرة ومناطق أخرى كثيرة لا يمكن بأي حال من الأحوال تصورها أن تحدث بين أبناء الوطن الواحد. هذه الحرب اللعينة التي جاءت نتاج لارتفاع وتيرة الخلافات بين المكونات السياسية وطموحاتها في السلطة دون غيرها عمقت جراحات الشعب السوداني وأحدثت شرخا كبيراً لا يمكن ترميمه بين يوم وليلة ، ولكن من المهم التفكير في التدابير المهمة لوقفها وخفض آثارها وتلافي تكرارها في المستقبل.

لمعالجة هذه المشكلة يجب أن نقبل بأنفسنا أولاً كسودانيين ، إذ لا يشترط لبناء الدولة أن يكون جميع السكان متجانسين في اللون أو اللغة أو الثقافة أو الدين ، وإنما يجب أن يكونوا متساوين في الحقوق والواجبات ومقتنعين بمصيرهم المشترك.

إن الإحساس بوحدة المصير هو ما يمكن التعبير عنه بروح الوطنية ، وهو يكمن في الرغبة الحقيقية في العيش المشترك مع الآخرين على قدم المساواة ، وهذه الرغبة تقود إلى التناغم والانسجام في الآمال والتطلعات والقيم التي تضمن مشاركة الجميع في العملية السياسية وإحداث المزيد من التحسينات عليها. هذا ما يجب أن نعمل جميعا لأجله إذا أردنا بناء وطن يسعنا جميعا.

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. لك الف تحية على الكلام الوطني العقلاني نصيحة بماء الذهب للاسف الكل يامغفل ياجاهل يا العنصرية المرزوعه فيه تعمي بصيرته هذه الحرب تخطت مرحلة تقول لي كوز ولا جك الوطن بينزف واغلب الشعب السوداني غير محزب ولا ينتمي لاي حزب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..