مقالات وآراء

لعنة الإنقاذ ومستقبل السودان

عصام الدين قطبي الحسن

 

في دورة تدريبية لتأهيل القادة فى جامعة هارفرد الأمريكية ذكر الإستاذ المحاضر بأنه بعد إستغلال جنوب أفريقيا من سياسة التفرقة العنصرية بقيادة المناضل نلسون مانديلا أُرسل الي جامعة هارفرد عدد من القادة الذين قادوا معركة التحرير مع مانديلا لإعادة تأهيلهم برؤي وأهداف وخطط مستقبلية جديدة وذلك لأنهم وُلدوا فى ظل الإستعمار وكان هدفهم الواحد فى حياتهم هو تحرير بلادهم من الإستعمار وبعد أن تم ذلك أصبحوا فجأة بدون هدف في هذه الحياة لا يدروا ماذا يفعلوا غير إجترار وسرد قصص نضالهم وكفاحهم الذي قاد لذلك التحرير وليس لديهم أية رؤية مستقبلية لبلدهم. وهنالك القصة الشعبية السودانية عن الشخص الذي وُلد وكان طول عمره أعمي الي أن أُجريت له عملية عيون وعندما فتح عينيه رأي أمامه “ديكاً” وعاد أعمي مرة أخري فصار طول حياته إذا أردت أن تصف له شيئاً يسألك مباشرة “وين من الديك” بحيث أصبح “الديك” هو المرجع والمعيار الذي يتعرف به علي كل الأشياء.
إذا كان عمر حكومة الإنقاذ (30) عام أعقبها (5) أعوام من 2019م الي 2024م , في هذه الخمس وثلاثون عاما فأن الشعب السوداني حتي عمر خمسون عاماً تقريباً (بإعتبار من كان عمرهم 15 عام عند بداية الإنقاذ) لم يروا “وهم مدركين” أي حكومة فى السودان غير حكومة الإنقاذ وهذه هي لعنة الإنقاذ فى 70% من الشعب السودانى تقريباً , الشعب السوداني الذي أصبحت حكومة الإنقاذ بتاريخها الأسود وفسادها وممارساتها السيئة المعروفة للصغير غير الكبير أصبحت هي المرجع والمعيار الذى يقيس به ما هو الأفضل للسودان ولهم ومن هو الصالح ومن هو الطالح لحكم السودان, كل هذه الأجيال الآن أصبح طموحها وآمالها هو(فقط) حكومة أفضل من حكومة الإنقاذ , بكل أسف أصبحت رؤاهم وطموحاتهم مقترنة بالسقف الأدني من التوقعات لأنهم لم يتعرفوا علي السقف الأعلي ولا حتي بقية الخيارات المتاحة لهم التي يمكن توفر لهم رفاهة العيش والتقدم الذي يصبوا إليه.
كخطة علاجية اقترح عمل ورش تدريبية بإستخدام كل وسائل التواصل الإجتماعي الممكنة لضمان نشرها علي أكبر نطاق ممكن داخليا وخارجياً للشعب السوداني بالتركيز علي الشباب لتوسيع مداركهم وتمليكهم رؤي جديدة أو لتصحيح رؤاهم وطموحهم بتنويرهم بشكل الدولة المستقبلية الجديدة للسودان وأنظمة الحكم ومقاييس الحكام ومستوي المعيشة الذي يمكن ان يحصلوا عليه , تُبين لهم كل السبل والأساليب والخيارات المستقبلية المتاحة التي يُمكن أن يحصلوا عليها , أيضا نطلب من السودانيين (مغتربين ومهاجرين) المشاركة بعكس تجاربهم بالدول التي يعيشون فيها من أنظمة حكم وحريات وإقتصاد وسبل معيشة وغيره بالتركيز علي نقل المعرفة والعلم والتقدم والتكنولوجيا (دون الثقافة التي لا تنسجم مع ثقافتنا) والعمل عل تطبيق ذلك على الواقع السوداني مستصحباً ثقافاتنا المتنوعة , وهذا الأمرأيضا ينطبق على من يناط بهم إعادة تأهيل وتطوير السودان بعد إنتهاء الحرب بإذن الله لأننا لا نتوقع ممن لم يري في حياته غير السودان يمكن أن يفكر خارج هذا الصندوق ويخطط للسودان بما يواكب (إن لم يتقدم علي) العالم من حولنا (لكيلا نعود لقصة الأعمي والديك مرة أخري). سودان المستقبل الذى رُؤي بدماء الشباب الطاهرة يجب أن يُبني برؤاهم وأحلامهم وأفكارهم وأن يُستبعد الشيب الذين نالوا حظهم بالكامل ولن يكونوا إلإ حجر عثرة فى طريقهم برؤاهم العقيمة التي توقفت منذ خمسون عاماً على الأقل وتحمل فى طياتها تاريخاً أسوداً من الفشل الملازم للطائفية والقبلية البغيضة هذا الماضي الذي أصبحوا علي إرتباط وثيق به ويصعب أن لم يكن يستحيل تغييرهم , أيضا نتمني أن كل من يتولي أي مجال من مجالات العمل التنفيذي فى سودان المستقبل ألا يتجاوز عمره الخمسون عاما (شاملا رئيس الوزراء) لأن وجود من هم أكبر سناً سوف يكون عائقا امام الشباب فى بناء سودان المستقبل الذي يحمل رؤاهم ويحقق إحتياجاتهم وطموحاتهم.

 

[email protected]

‫4 تعليقات

  1. أكثر مقال مفيد و يجب أن يتبنى الفكرة أي شاب /بة طموح وطني و كل من لديه شي للسودان .
    شكراً للمشاركة
    كنت قد فقدت الأمل بمداد وطني متجرّد مفيد في كمية الأقلام التي تكتب بالأجر أو بالأحقاد.
    ربنا يهدينا الي ما فيه خير للسودان و الأمة السودانية

  2. مقال قمة في الروعة و هذا ما نحتاجه فعلا. شبابنا و بعض شيبنا يحتاج ان يعرف ماذا تعني الحرية و العدالة و المساواة. كل ما يعرفونه عن هذه المفاهيم هي النسخ التي طبقتها الانقاذ على مدى ثلاثين عاما.

  3. تسلم كلام عين العقل فعلا نحتاج لتوعية الشباب وتدريبهم فهم يملكون مواهب وعندهم الطموح والوطنية ينقصهم التنظيم في ظل أحزاب متكلسة ويابسه ولا تملك أي رؤي وكنت قد أشارت أننا في ظل عقلنا الرعوي نحتاج الي ذلك حملة توعية عامة بآليات قوية تكوف كل السودان بعد انتهاء الحرب إذا لم تتناسل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..