مقالات وآراء

اليهودى الأخير من يهود السودان.. ماضى الذكريات

 

شريف مطر

فى عام ١٩٨٠ استأجرنا منزلا بشارع صالح باشا المك بالخرطوم لاستخدامه كمطبعة بعد ان اجرينا عليه التعديلات اللازمة.

كان الحى مازال هادئا تسكنه عائلات خرطومية عتيقة:
ال البارون مصطفى
واولاده.
والعمة سعدية ارملة المرحوم سليمان حسين وزير المواصلات الاسبق.
وال كشة.
وال سليم الدحاس.
وارملة و ابناء القائمقام زين العابدين عبد التام.
وكابتن يوسف مرحوم واخوته ووالدته،خفيفة الظل الحاجة منصورة. وعائلة الهندى.
و(ادوارد بنو) اليهودى الاصل السودانى الجنسية البالغ من العمر ثمانين عاما.

كنت اخشى أن تقابل إقامة مطبعة فى هذا الحى بعدم الرضا والقبول ولكن مرت الايام لتثبت عكس ذلك فقد امتدت اواصر الصلات الطيبة لتثمر صداقات متينة مع اهله وقد عينت سكرتيرة من سكان الحى هى السيدة منى بابكر التى خدمت المطبعة باخلاص واقتدار
اقام (ادوارد بنو) وحيدا فى منزله الذى بناه وخصص جزءا كبيرا من حوشه كحوض للورد البلدى والورد الانجليزى الذى يفوح عبيره ليعطر الجوار وكان يهدى باقات منه لاصدقاءه وكان يخصنى بباقات من الورد فى مزهرية من علب الاناناس او اللبن النيدو فننقلها الى مزهرية زجاجية.
لم ينعم (ادوارد) بحياة زوجية قط وهو يقوم بخدمة نفسه بنفسه من حيث نظافة منزله والعناية بحديقته واعداد وجباته التى يتناولها وحيدا.

امتلك (ادوارد)مصنعا للزيوت صادرته حكومة مايو لما انتهجت نهج التاميم والمصادرة ثم عوضته ماليا بعدما اعادت النظر فى قراراتها الاشتراكية فاودع ماله فى بنوك انجلترا و سويسرا وكان يقضى اشهر الشتاء بالسودان ويسافر لقضاء فصل الصيف باوربا كان جارا ودودا ولطيفا وقد اسر لى عبد المنعم صاحب دكان الحى ان ادوارد اودع عنده بعض المال لمقابلة احتياجات المعسرين كذلك خصص جراج منزله لايواء احد المشردين الذى ملاء الجراج بكل ما لا يلزم من لساتك عربات مهترئة وبطاريات قديمة لا قيمة لها وكتب و مجلات ممزقة وبعض العصى وقطع الخشب وملابس قديمة متسخة واحذية متغضنة مقاسات مختلفة كان يعيش وسط هذه الفوضى سعيدا وقد اسماه شباب الحى فلة تندرا وقد تظنه مجنونا لكنه فطن وفصيح يعرف كيف يمتدح من يمد له يد العون خاصة (ادوارد).

ثم جاءت الانقاذ عام ١٩٨٩ فبعد عودته من رياضة المشى فى الفجر حتى المقرن وجد منزله مكتظا بعناصر الامن ابلغوه باعتقاله واقتادوه الى مكان مجهول (لاحقا اصبح منزله مكتبا للامن)
عند حضورى للعمل صباح نفس اليوم علمت بنبأ اعتقاله وكان لى عنده شيكين مؤجلين نظير شراء جنيهات استرلينة من حسابه فى لندن لزوم شراء اسبيرات الماكينات ومصروفات قضاء اجازتى السنوية مع اسرتى فكتبت خطابا للبنك بوقف صرف هذين الشيكين وبالرغم من ذلك تم صرف الشيك الاول عند حلول موعد صرفه ببطاقة عسكرية واتحفظ على ذكر اسم الذ. صرف الشيك،لكن العجيب فى الامر ان مدير البنك رفض تحمل المسئولية ورفض تغذية حسابى بالمبلغ فاوكلت محاميا لاسترداد حقى المسلوب الذى حدث ان كان للمحامى معارف داخل جهاز الامن استطاع من خلالهم تحصيل كامل المبلغ لى لكن هذا لم يشف غليلى لاننى كنت انوى مقاضاة مدير هذا الفرع الذى فضل ستر اداء المتدربة الركيك و التضحية بمصالح المودعين فمثل ذلك التدريب اضر بالمتدربة وبحق العميل معا.

بما ان السيد (ادوارد) كان عضوا فى نادى التنس فقد افتقده زملاؤه فاوفدوا السيد عباسى لزيارة ادوارد بمنزله ومعرفة اسباب تغيبه عن تمارين التنس فلما وصل لمنزله احتشد حوله شباب الامن وامطروه باسئلة لا علاقة لها بموضوع زيارته رفض الاجابة عليها فاحتدوا معه واحتد معهم و أوشكوا ان يعتقلوه ولكنهم اخيرا اخلوا سبيله.

اجتمعت لجنة نادى التنس وقررت مقابلة وزير الشباب والرياضة ابراهيم نايل ايدام الذى اوضحوا له ان (ادوارد) عضو مؤسس لنادى التنس و هو يمد النادى بالكور والشبكات والمضارب بعد اى سفرية من سفرياته العديدة خارج البلاد وانهم لا يتدخلون فى اختصاصات الامن ولكن لمعرفتهم ان (ادورد) لا يأكل طعاما الا من صنع يده رجوه ان يوجه باعتقال ادوارد فى منزله استجاب لهم الوزير وتم لهم ما أرادوا، اعيد ادورد لمنزله واجريت بعض التعديلات فى غرفة الخادم لتصبح كحراسة وسمح له باعداد وجباته فى المطبخ فى ساعات معلومة.

لم يطل بقاؤه بمنزله فقد اختفى مرة ثانية وعلمت ان محاكمة ستعقد له فى مبانى محكمة الملكية الفكرية (حاليا بالخرطوم اتنين) فسارعت بتوكيل محامى للدفاع عنه ونفحت المحامى اتعابه من مال ادوارد لدى لكن المحامى عاد ليقول لى ان المحكمة لا تقبل اى محامى وقال لى ان رجال الامن هددوه وطلبوا انصرافه فورا
مانقله لى المحامى ادهشنى لان البلاغ الذى قدمته احدى الجارات (ش م ف)
ولم اشر اليها ضمن سكان الحى ان ادوارد يحتفظ باشرطة فديو اباحية،
وهى ليست تهمة خطيرة الى حد اجراء محكمة بهذا الشكل.
لا علم لى بقرار المحكمة الذى لا استئناف له بالطبع فيما يختص بمصير ادوارد. اما منزله فقد تمت مصادرته لصالح حكومة السودان وبهذا فقد اسدل الستار على سيرة هذا الانسان التعيس ولم يعد له وجود فى الحى وربما لم يعد له وجود فى الدنيا.
كانت الخرطوم لا بل السودان كله فيما مضى لوحة جميلة من الفسيفساء البشرية يهود وهنود ارمن واغريق وقبارصة وطليان ولاجئؤن من اليمن ومن اريتريا والحبشة والدول الافريقية الاخرى يعيشون فى امن وسلام ثم هاجر كل اولئك ثم هاجرنا نحن ايضا.

————–

حكت لي الشابة الجميلة هايدي ميرزا حفيدة
(اسرة ميرزا) اقدم الاسر التي عملت بتجارة واصلاح الساعات بالسودان وكنت اظنها من النقادة او الاقباط الا انها قالت ان جذورها من باكستان إذا لم تخني الذاكرة وحكت بمرارة كيف ان عهد الانقاذ طارد اسرهم واقتلع تجارتهم العريقة بالسودان لصالح مصالحهم الشخصية ولم يفلحوا فيها طبعا…
فى عهد الانقاذ غاب القانون فهدم كل عامر جميل ونبيل وما زال.

‫6 تعليقات

  1. هل انتم نخب مثقفين ولا اقلام ماجورة ضد الدولة ما تركتم شاردة ولا واردة الا ضد الوطن ياخي الدولة والمواطن ذنبهم شنو ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ كم سوداني شرد ونكل باوربا بالبحر بامركا اوربا اسرائيل ليه حقهم ثابت ومثبت وحق وحقوق الاخرين غير معتمدة عاوز مبرر تدافع عن يهودي وهل اليهودية جنس ولا شرعه ؟؟؟؟ ياخي ما ترحمونا تنفكوا منا يانخب الغفلة والعمالة وعدم المروءة طز فيك وفي نتياهوا انحل منا

    1. وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ (6)

      – يعقوب ثم يوسف عليهما السلام
      – أيوب ثم ذو الكِفل ثم يونس عليهم السلام
      – موسى وهارون عليهما السلام
      – إلياس ثمّ اليسع عليهما السلام
      – داؤود ثمّ سليمان عليهما السلام
      – زكريا عليه السلام

      ديل أنبياء اليهود، لو ما عندك فكرة!

      العهد والأمانة تلزم حفظ حقوق الآخرين بغض النظر عن الدين.

  2. هههههه منو القال ليك دا اليهودى الأخير من يهود السودان.. لالالا في سودانيين يهود كتير بره لانو جزوهم يهودية شوف السوداني او السودانية يقوم يعرس خواجية بدون مايعرف اصلوا شنو دا بينتج لينا اجيال قادمة يهودية ومفروض اي سوداني قبل الزواج من الاجنبي او الاجنبية يبحث عن جزور الشخص دا شنو هل حبوبتو يهودية وفيه رائحة يهودية ولي لا وماتقول لي دا هندي او صيني او مصري لا لازم تبحث عن الاصل شنو الجزور الديانة حقتهم شنو

  3. طز فيك انت يا عابد الصنم.
    زول بيكتب عن الخرطوم وأهلها قبل مصيبة ١٩٨٩ إنت دخل أمك شنو؟
    طبعاً الزيك ده يوجعه جداً الكلام عن التعدد الديني والعرقي في مدينة كالخرطوم وبلد كالسودان وهذا أصل العقدة عندك أنت وأشباهك.
    أمشي طير الحق غنمك هشهن وأقرع حمارك لا يكمل البرسيم.

  4. صدقت استاذ شريف. السودان كان بوتقة انصهرت فيها جنسيات كثيرة. وكان من الطبيعي ان تجد في كل مدينة سودانية – ومن بينها مدينتي العريقة الجميلة كوستي – اغاريق ويهود وارمن واثيوبيين واناس كثر من جنسيات اخرى حبوا السودان واختاروا الاقامة فيه بكل اريحية حتى جاء هؤلاء السفلة فدمروا السودان ومزقوه وشردوا اهله. عليهم اللعنة الكيزان الانجاس. نسأل الله ان لا يرفع لهم راية ولا يحقق لهم غاية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..