ماذا يقول القانون الدولي عن الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان؟
ماذا يقول القانون الدولي عن الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان؟
- Author, ماري-جوزيه القزي
- Role, بي بي سي عربي – بيروت
أوائل شهر أكتوبر/تشرين الأول، بدأ الجيش الإسرائيلي عمليات توغل بري في جنوب لبنان؛ ووصفت إسرائيل عملياتها البرية بـ”المحدودة” وتقول إنها تهدف لـ”تدمير قدرات حزب الله”.
وبرز تخوّف محليّ من أن يتحول هذا الغزو الإسرائيلي إلى “احتلال” طويل الأمد – رغم أن إسرائيل نفت بشكل غير مباشر مراراً نيتها القيام بذلك.
وكان الجيش الإسرائيلي قد اجتاح في السابق جنوب لبنان في “عملية الليطاني” عام 1978، وبعدها عام 1982 في عملية عرفت محلياً بـ”حرب لبنان 1982″ أو “اجتياح لبنان 1982″، فيما تسميها إسرائيل بـ”حرب لبنان الأولى” – حينها وصل الجيش الإسرائيلي إلى العاصمة بيروت براً.
وعام 1985، انسحبت معظم قواته، إلا أنه بقي موجوداً في مناطق في جنوب لبنان حتى العام 2000، وكان يبسط سلطته عبر ما كان يسمى بـ”جيش لبنان الجنوبي” أو “ميليشيا لحد”، التابعة له. كما نفّذت إسرائيل اجتياحاً برياً محدوداً عام 2006.
فكيف ينظر القانون الدولي إلى التوغل البري الإسرائيلي الحالي داخل الأراضي اللبنانيّة؟
قد لا يكون الجواب سهلا ولا مباشرا؛ فتفسيرات القانون تختلف، خاصة بسبب وجود فجوات ومصطلحات متروكة بلا توضيح.
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه
شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك
الحلقات
يستحق الانتباه نهاية
يأتي التوغل البري الإسرائيلي بعد أكثر من عام من القصف المتبادل بين إسرائيل وحزب الله عبر الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، ما تسبب بنزوح مئات آلاف المواطنين من الجانبين.
وتطالب إسرائيل سكان قرى في جنوب لبنان بـ”إخلاء منازلهم فوراً والانتقال فوراً إلى شمال نهر الأولي”، الذي يفصل بين جنوب لبنان ومنطقة الشوف في محافظة جبل لبنان.
ويقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، في تعليماته الذي ينشرها على منصة إكس، إن “أي تحرك نحو الجنوب قد يشكل خطراً على حياتكم” وإن الجيش الإسرائيلي سيقوم بإبلاغ الجنوبيين “في التوقيت المناسب للعودة إلى منازلكم عند توفر الظروف الملائمة لذلك”.
ورغم أن إسرائيل تنتهك المجال الجوي للبنان حتى قبل اندلاع الجولة الأخيرة من المواجهات، يبدو أن العمليات البرية تذكي مخاوف مختلفة لدى اللبنانيين.
ووفقاً لخبراء قانونيين، يعتبر استمرار الوجود العسكري لحزب الله جنوب نهر الليطاني انتهاكاً للقرار 1701 الذي تبناه مجلس الأمن الدولي بالإجماع في أغسطس/آب عام 2006، ووضع نهاية للحرب بين إسرائيل وحزب الله التي استمرت 34 يوماً.
كيف يصف القانون ما يحدث؟
الدكتور كريم المفتي، أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي في معهد الدراسات السياسية بباريس، أجاب عن السؤال في اتصال مع بي بي سي عربي بالقول إن أي عملية ينفذها جيش أجنبي في دولة أخرى، براً أو بحراً أو جواً تعتبر في القانون الدولي “عملاً عدائياً” أو “عدواناً”، وتشكل بجميع أشكالها خرقاً لسيادة الدولة المستهدفة، وانتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة.
وفي ما يخص دخول إسرائيل إلى الأراضي اللبنانية، يقول المفتي إن ذلك “يعدّ خرقاً أيضاً لقرارات دولية مثل قرار 425 في العام 1978 والقرار 1701”.
ويقضي القرار 425، الذي أصدره مجلس الأمن عام 1978، بالانسحاب الفوري للقوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية، واحترام سيادة لبنان وحدوده المعترف بها دولياً. وكان القرار استجاب حينها أيضاً لدعوة لبنان لإنشاء قوة مؤقتة للأمم المتحدة (اليونيفيل) تحت إشراف المجلس.
وعن الفارق بين توصيفات “العملية البرية” و”الغزو” و”الاجتياح”، قال لنا المحاضر في القانون الدولي في جامعة ساسكس البريطانية، البروفيسور كريستيان هندرسون، إن القانون الدولي لم يعرّف الغزو ولا الاجتياح ولا العملية البرية بشكل واضح، ولذلك، لا يوجد فارق قانوني بينهم.
ويضيف: “لكن يمكن القول إن التوغل البري قد يتعلق أكثر بنزاع محدود على الحدود، بينما الغزو يكون أعمق من ذلك، في وسط أرض ما وليس فقط على أطرافها”.
ويتابع: “بينما العملية البرية لا تقدم معلومات أكثر من أنه هناك وجود لجنود على الأرض”.
ويقول هندرسون إن الاختلاف في استخدام هذه التسميات بين الدول المتنازعة يعود لأسباب سياسية وليس قانونية.
ويعطي مثالا من أوكرانيا: “تقول روسيا إنها تقوم بعملية عسكرية خاصة هناك، ولا تصف ما تقوم به بأنه حرب. لا يوجد أي معنى قانوني لذلك، بل يحتوي على معنى سياسي”.
ولأن القانون الدولي لا يحتوي تعريفا لكل فعل عسكري، تختار كل جهة لفظاً وتعريفاً معيناً تخدم روايتها وسرديتها، كما يقول أستاذ القانون الدولي المفتي. “تستخدم كل جهة القانون – الوطني أو الدولي – بطريقة تخدم مصلحتها”.
وتتفق مع هذه النقطة أيضا أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية ليلى نقولا، التي تقول لبي بي سي عربي “عادةً ما تصيغ الدول تسميات مختلفة لغزوها أراضي دولة أخرى للتهرب من المسؤولية القانونية المترتبة على هذا الأمر، ولأن انتهاك سيادة دولة أخرى عبر الغزو أو الاحتلال هو أمر محظور في القانون الدولي”.
وتضرب نقولا مثالاً على ذلك بالقول إن إسرائيل استخدمت كلمة “عملية برية” في جنوب لبنان بدلاً من “غزو بري” أو “اجتياح” .
لكن بالنسبة لهندرسون، فالأمور أكثر تعقيداً من ذلك.
“الأمور أكثر تعقيداً من ذلك”
يوضّح رأيه قائلا: “تجادل إسرائيل أنها تتصرف من منطلق الدفاع عن النفس في كل من غزة ولبنان بعد هجمات تعرضت لها”.
ويضيف أن “للدول الحق في القيام بعمليات عسكرية داخل الحدود البرية أو الجوية لدولة أخرى، إذا ما انطلقت منها هجمات مسلحة هددت أمنها، حتى ولو كان المسؤول عن هذه الهجمات هو مجموعة مسلحة غير حكومية”.
ويشرح هذه النقطة، قائلا: “هذه المجموعات تعمل في النهاية من داخل حدود دولة أخرى، حتى ولو كانت هذه الدولة محايدة تماماً في ما يتعلق بهذا الصراع. عادةً ما تكون هذه الدول إما غير قادرة على توقيف هذه المجموعة المسلحة، أو ببساطة غير راغبة بذلك”.
لكنه يضيف أنّ الأساسي في ردّ الدولة المعتدى عليها من قبل المجموعة المسلحة، أن يكون أي شيء يقومون به، “ضرورياً” ويخضع لمبدأ “التناسب”.
ويتابع: “هذان التعبيران أساسيان في القانون الدولي، لكن ليس هناك تحديد لهما بطريقة واضحة ولا لبس فيها”.
ويشير هندرسون إلى أنه “وفي حال ظهر أن ما يفعلونه هو بدوافع انتقامية أو بدافع العقاب، فبالطبع لا يمكن التحدث هنا عن الدفاع عن النفس”.
ويتابع: “يجب أن يكون الهدف هو فقط الردع والدفاع عن النفس”.
ويعتقد هندرسون أن الهدف التي وضعته إسرائيل “بتدمير حزب الله بشكل كامل” هو هدف “غير متكافئ أبداً مع دافع الدفاع عن النفس” وذلك لأن “حزب الله هو ليس فقط مجموعة مسلحة، بل له أيضاً ذراع سياسي وذراع مسؤول عن تقديم مساعدات إنسانية واجتماعية لبعض أطياف المجتمع اللبناني”، كما يرى.
ويشارك حزب الله في البرلمان اللبناني والحكومة اللبنانية، كما أن له كشاف وهيئة إسعاف وجمعية مالية اجتماعية.
أين يبدأ الحصار والاحتلال؟
قصفت إسرائيل الطرقات الدولية، التي تفضل بين لبنان وسوريا – وأهمها معبر المصنع – كما أصدرت أوامر بإخلاء المناطق البرية والمساحات البحرية المحاذية لساحل البحر المتوسط من نهر الأولي وحتى جنوب لبنان.
كما حذر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، من أن جيش بلاده سيمنع “نقل الأسلحة لحزب الله عبر مطار بيروت الدولي”.
لا يوجد تعريف لـ “الحصار” أو “التطويق” في القانون الدولي الإنساني، إلا أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعرّف الحصار بأنه “تكتيك لتطويق القوات المسلحة للعدو من أجل منع حركتها أو قطع قنوات الدعم والإمداد عنها”.
وتعتبر نقولا أن “الحصار قد يكون معلناً وواضحاً وقد يكون مضمراً”.
وبرأيها فإن “ما تقوم به إسرائيل لناحية قطع التواصل البرّي مع سوريا، والسيطرة على المرافئ البحرية والجوية والتهديد باستخدام القوة ضد أي مخالفة، تعني أن إسرائيل تفرض حصاراً على لبنان ولو لم تعلن ذلك علناً لما فيه من انتهاك للقانون الدولي، ولأنه قد يكون محل إدانة دولية وعالمية في حال تمّ الافصاح عنه بشكل واضح ومباشر”.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قال في أكثر من مقطع فيديو توجه فيه للبنانيين، إن “حرب إسرائيل ليست مع اللبنانيين” بل هي “ضد حزب الله “.
وتركّز إسرائيل إنها تسعى من خلال حربها إلى “تقويض قدرات حزب الله”، وفي المقابل يحاجج مسؤولون لبنانيون بالقول إن الغارات “تستهدف مدنيين عزل”.
وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، بأنّ “وقف إطلاق النار ووقف قصف المدنيين مطلبنا الأساسي”.
ويقول كريم المفتي لبي بي سي عربي إن الحصار قد يحدث في مناطق معينة داخل لبنان حتى لو لم يحدث للبنان كله.
ويشير المفتي إلى حرب تموز/يوليو 2006، “عندما حاصر الجيش الإسرائيلي بلدة رميش الجنوبية ومنع الصليب الأحمر الدولي من إدخال المساعدات وكان كل أبناء البلدات المجاورة قد نزحوا إلى رميش ظناً منهم أنها أكثر أماناً”.
ويضيف: “فُكّ الحصار بعد أيام من الضغط الديبلوماسي والإنساني والسياسي”.
وفي ما يتعلق بالاحتلال، فيعرّف القانون الدولي الإنساني الاحتلال بأنه “التحكم والسيطرة الفعلية لجيش معادٍ على قطعة أرضٍ معينة”.
وتوضّح ليلى نقولا: “عندما تمارس دولة سيطرة فعلية على أراضي دولة أخرى فهي تسمى دولة احتلال، وفي القانون هي لا تكتسب السيادة عليها مهما طال زمن الاحتلال”.
وتضيف: “بعد احتلال دولة ما لهذه القطعة من الأرض، تصبح ملزمة بأن تعامل السكان بشكل إنساني، ويحظر القانون الدولي الإنساني تهجير السكان واقتلاعهم من أرضهم أو القيام بعمليات قتل أو إخفاء قسري، كما يحظر عمليات الاستيطان، ويفرض على الدولة المُحتلة توفير الاحتياجات الأساسية لهم”.
ويعتبر المفتي أن تعريف الاحتلال أيضاً غير واضح تماماً لكنه يصبح “واضحاً” مع وجود أدلة على التحكم الفعلي للأرض الذي يوجد فيها الجيش الأجنبي.
ويستشهد المفتي بواقعة وجود سجن في بلدة الخيام في جنوب لبنان كانت تتحكم فيه الميليشيا التي كانت تنفذ أوامر إسرائيل عام 1982، كدليل قانوني على أن “إسرائيل كانت تمارس فعل الاحتلال” في ذلك الوقت.
وانسحبت القوة المكلّفة بحراسة السجن في 23 أيار/مايو عام 2000، واقتحم الأهالي السجن وحرروا المعتقلين الذين كان يقدر عددهم بأكثر من 140.
ويحتفل لبنان في 25 مايو/أيار من كل عام بخروج الجيش الإسرائيلي من جنوب البلاد.