حصاد الهشيم.. بم قايضت الحركة الإسلامية في السودان الفيتو الروسي؟
إبراهيم مطر
ترى، بماذا قايض “إخوان الشياطين” الفيتو الروسي الذي منع قرارًا بوقف الأعمال العدائية، حماية السودانيين، وإرسال المساعدات الإنسانية؟ كيف جعلوهم يستوعبون أن حكومة ما تطلب استخدام الفيتو – وبإلحاح – كيلا يحصل مواطنوها على الأمان والطعام؟ وما المقابل الذي حصلت عليه روسيا لتحمل هذا العبء الأخلاقي الثقيل أمام العالم، ضمانًا لاستمرار المدنيين رهائن بيد “علي كرتي” ورفاقه؟
الجميع يعلم أن روسيا تقايض دائمًا الرخيص بالغالي، ولذا فقد بات واضحًا أن صفقة قد أُبرمت، وأن ثمنًا باهظًا قد دُفع. السودان فقد وسيفقد الكثير من مقدراته، أرواح أبنائه، وانتقاص تاريخه وجغرافيته، بسبب جبن “فقهاء آخر الزمان” القتلة هؤلاء، وتهربهم من تحمل نتائج ما اقترفته أيديهم من جرائم.
حرب “كرامة أحمد هارون” أوصلت السودانيين إلى انتظار الغذاء من المنظمات الدولية، في مشهد ساخر من عنوان تلك المعركة، إذ يكفي هذا العنوان للتأكد من أنها “خاسرة”، كما تُظهر نتائجها بعد ما يقارب العامين. معركة تنافي أبسط معاني الإنسانية، العيش الكريم، وكبرياء السودانيين. لكن حلم عصابة “علي كرتي” بالعودة إلى السلطة جعلهم يضحون بالسودانيين، مستغلينهم كدروع بشرية إن ارتدعت العدالة، أو كضحايا إن أرادت العدالة أن تُنفذ أمرها.
حجة روسيا في ضمان استمرار الحرب تتمثل في أن أحد أطراف النزاع يجب أن يكون المسيطر الوحيد على المدنيين، وهو أمر مستمر منذ قرابة العامين. مندوب روسيا صرّح بأن إرسال الطعام والدواء إلى مناطق اشتباكات هو نوع من الاستعمار، بينما ترك المدنيين تحت رحمة جماعات مسلحة تمارس القتل والتعذيب بمنأى عن تدخل العالم، هو عين التحرر والانعتاق.
حرية روسيا التي تريد منحها للسودان تشبه كرامة أحمد هارون الضائعة، التي يبحث عنها في إذلال السودانيين. فمنذ اندلاع ثورة ديسمبر، لم يعد بإمكان هارون إخفاء حقيقته كمجرم مطلوب للعدالة، وهو الآن مهووس باستعادة كرامته عبر إذلال السودانيين. ومن هنا، تأتي أهمية الاحتفاظ بالمدنيين كرهائن، والسماح للعالم بذلك.
ردًا على الفيتو الروسي الذي منع الغذاء والدواء عن المدنيين، عمت فرحة واسعة بين إعلاميي الفلول وداعمي الحرب من البلابسة، وحتى بعض الشيوعيين المتخفين وراء عبارات التهرب مثل “لا خير في هذا ولا ذاك”. نشر بعضهم خبر الفيتو إلى جانب خبر تأهل المنتخب السوداني لنهائيات الأمم الأفريقية، في مشهد يعكس عمق الغفلة.
“علامات استفهام كبيرة حول الموقف الروسي من القرار”، علّقت باحثة مصرية في مركز الأهرام للدراسات، متسائلة عن دواعي استخدام الفيتو رغم إمكانية التعديل. في المقابل، واصل البلابسة احتفالهم بزعم أن الدعم السريع خسر بهذا القرار، دون التفكير في أنه قد تم تعديل القرار بما يخدم المدنيين أكثر من الأطراف العسكرية.
الواقع أن القرار المعدّل كان لصالح المدنيين وليس قوات الدعم السريع. لكنه غرض الحركة الإسلامية في استخدام السودانيين كوسيلة للحماية من العدالة الدولية، وهي غفلة تجار الحروب وأصحاب المصالح الذين باعوا الخنوع مقابل الحماية.
ألا لعن الله إخوان الشياطين.