وما حرب السودان إلا بيان للناس للسامعين وللطرشان
د. احمد التيجاني سيد احمد
@على مدار أكثر من 18 شهرًا ، استمرت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ، مما دفع البلاد إلى حالة من الفوضى والانهيار. وسط هذا الدمار ، برزت أنشطة تهريب الذهب على الحدود السودانية المصرية كواحدة من الظواهر التي تسلط الضوء على تداخل المصالح الاقتصادية والسياسية والجريمة المنظمة.
**تهريب الذهب : تجارة الحرب والصراع**
@مع استمرار الحرب ، أصبح الذهب السوداني مصدرًا ثمينًا لدعم الاقتصاد المتهاوي وتمويل الأطراف المتصارعة. بحسب تقارير صحيفة “ميدل إيست آي”، فإن عشرات الآلاف من المهربين وعمال المناجم السودانيين ينشطون على الحدود المصرية السودانية ، حيث يتم تهريب الذهب عبر شبكات معقدة ومتعددة الجنسيات.
@المهربون يشترون الذهب مباشرة من عمال المناجم الصغار أو الأسواق في ولايات مثل نهر النيل والبحر الأحمر ، ثم ينقلونه بطرق غير شرعية إلى مصر. تختلف الأساليب المستخدمة ؛ من إخفاء الذهب في الملابس إلى تحميله على السيارات عبر الحدود. هذه التجارة تدفع بوقود رخيص وأسلحة في الاتجاه المعاكس ، مما يزيد من تعقيد المشهد السوداني.
**الذهب المهرب للإمارات وروسيا**
@تهريب الذهب السوداني لا يقتصر على مصر فقط ؛ بل يمتد أيضًا إلى الإمارات العربية المتحدة ، التي تعد واحدة من أكبر مراكز تجارة الذهب في العالم. بحسب تقارير دولية ، يُهرَّب الذهب السوداني إلى دبي عبر شبكات منظمة تضم تجارًا محليين وإقليميين. الإمارات تستورد الذهب السوداني دون توثيق كافٍ ، ما يسهم في تعميق الأزمة الاقتصادية في السودان ، حيث تُستنزف الموارد الوطنية بشكل غير شرعي.
@في الوقت ذاته ، يذهب جزء من الذهب السوداني إلى روسيا عبر شبكات تهريب تعمل بتنسيق مع شركات أمنية روسية مثل “فاغنر”، التي يُقال إنها تدعم قوات الدعم السريع مقابل الحصول على الذهب. الذهب السوداني يمثل مصدر تمويل مهم لروسيا في ظل العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب الحرب في أوكرانيا ، مما يجعل الصراع السوداني جزءًا من لعبة جيوسياسية أكبر.
**دور الكيزان وقوات الدعم السريع في التهريب الموسع**
@الصراع في السودان ليس فقط بين الجيش وقوات الدعم السريع ، بل يتداخل مع شبكة أعمق تشمل عناصر النظام السابق (الكيزان) الذين يستخدمون نفوذهم لتوسيع عمليات التهريب. النظام الإسلامي السابق لا يزال يحتفظ بعلاقات مع شبكات التهريب ، ويُعتقد أنه يستفيد بشكل مباشر من تهريب الذهب لتمويل نشاطاته واستعادة نفوذه.
@من الجهة الأخرى، تُسيطر قوات الدعم السريع على معظم مناطق تعدين الذهب في دارفور وأجزاء من كردفان ، وتستخدم هذه الموارد لتأمين أسلحتها وتمويل حربها ضد الجيش السوداني. يُقدَّر أن قوات الدعم السريع تشرف على عمليات تهريب منظمة تشمل الذهب والبشر عبر الحدود مع تشاد وليبيا ، بالتعاون مع جهات دولية وإقليمية.
**تهريب البشر وشبكات الجريمة المنظمة++
@الجبال والصحاري الممتدة بين شمال السودان وجنوب مصر توفر بيئة خصبة لتهريب البشر. لا يقتصر الأمر على السودانيين ؛ بل يشمل أيضًا إثيوبيين وإريتريين وآخرين من دول أفريقية أخرى. هذه الشبكات لا تؤدي فقط إلى نزوح البشر ، بل تسهم في زعزعة الأمن الإقليمي وتوسيع نطاق الجريمة المنظمة.
**البعد السياسي والإقليمي**
@تهريب الذهب والبشر يعكس تعقيد المصالح الإقليمية. مصر التي تسعى إلى تعزيز احتياطياتها الذهبية تُتهم بالاستفادة من الحرب السودانية عبر تغاضيها عن شبكات التهريب. وفي نفس الوقت ، تتباين مواقفها بين دعم الجيش السوداني علنًا ومواجهة اتهامات بالتورط في دعم أحد أطراف الصراع.
@في سياق أوسع ، يمثل تهريب الذهب تحديًا سياسيًا يتجاوز الحدود السودانية المصرية. فوجود لاعبين دوليين مثل روسيا وشركات تعدين متعددة الجنسيات يعزز من الأبعاد الجيوسياسية لهذه القضية.
**دروس من التاريخ واستشراف المستقبل**
@السودان ، كغيره من بلدان المنطقة ، يعاني من هيمنة الإسلاميين على السلطة ، مما أدى إلى انفجار صراعات داخلية ونهب للموارد. ما يحدث في السودان اليوم ليس مجرد أزمة محلية، بل هو بيان واضح لحقيقة الصراع على الموارد في ظل غياب الاستقرار السياسي.
@تهريب الذهب إلى مصر ، الإمارات ، وروسيا مثال حي على كيفية استغلال النزاعات الداخلية لخدمة أجندات اقتصادية وسياسية. مصر ، التي تحاول تأمين مصالحها الاقتصادية ، قد تجد نفسها يومًا ما في مواجهة تداعيات هذه السياسات على علاقاتها الإقليمية ، خصوصًا مع دول الخليج والاتحاد الأفريقي.
**الخلاصة : حرب لا رابح فيها**
@وما حرب السودان إلا بيان للناس ؛ درس عميق لمن يستمع. الدمار الاقتصادي ، النزوح البشري ، واستنزاف الموارد الطبيعية في السودان هي شواهد على ثمن الحروب التي لا رابح فيها. في النهاية ، تبقى الحاجة ملحة لوقف الصراع وضمان مستقبل يعيد للسودان استقراره وللمنطقة أمنها.
نواصل