مراكز البحوث والدكتور النور حمد والإنسانية التاريخية
طاهر عمر
في هذا المقال سوف أتناول ثلاثة محاور لمفكريين إنطلقوا صوب حقول فكرهم قبل قرن من الزمن بالتمام والكمال والغريب الثلاث محاور تنطلق من منصات مختلفة وتتفق في هدف واحد وهذا الهدف لم تصبه جهود النخب السودانية على الإطلاق بل ضلّت منه ضلال بعيد لأسباب تخص إنكفاء النخب السودانية وعجزها عن إدراك مآلات الإنسانية التاريخية.
من الأسباب التي حالت بيننا وبين إدراك كيفية الإنفكاك من فلسفة التاريخ التقليدية إلتواء النخب السودانية وإنكفاءها على تاريخ محلي يخص مناشط النخب السودانية وهي قد نالت قدر قليل من التعليم الذي يأهلها أن تدير رتب دنيا لمساعدة المستعمر الإنجليزي والغريب حتى اللحظة الراهنة لم تنتبه النخب السودانية أن زمن المستعمر الإنجليزي وتعليم النخب السودانية على أيدي الإنجليز كانت علوم ترتكز على فلسفة التاريخ التقليدية.
وكانت الدول الإستعمارية الأوروبية نفسها تمر بتحول هائل على صعد السياسة والإجتماع والإقتصاد وكان فلاسفتها وعلماء الإجتماع والإقتصاديين والشعراء في إنشغال تام بما يتخلق ليولد من جديد في أوروبا و المولود المنتظر في أوروبا هو لحظة إنقلاب الزمان وأصبح خط تقسيم المياة بين نهرين متعاكسين في إتجاه الجريان.
نهر أوربا الفكري جرى بمياه صافية تعكس أفكار فلسفة التاريخ الحديثة ونهر النخب السودانية التي تعلمت أيام المستعمر وبسبب قلة تحصيلها أصبحت محصورة في فلسفة التاريخ التقليدية الى يومنا هذا بل صارت متوارثة في السودان جيل عبر جيل محبوسين في تاريخ السودان المحلي وتاريخ قارته ومحاولة تحليله بفلسفة تاريخ تقليدية محبوسة في إحداثيات الوثوقيات واليقينيات والحتميات بل ما زالت آفاق النخب السودانية السودانية عالقة في أفق المؤالفة بين العلمانية والدين لنخب توارثت الترقيع ولم تنتج أدبياتها غير توفيق كاذب يتبدى في ضلالها عن فكرة النيوكانطية وزوال سحر العالم أي أن الخطاب الديني لم يعد له دور بينيوي على صعد السياسة والإجتماع والإقتصاد.
لهذا السبب ما زالت النخب السودانية تعيش خيبة آمالها رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود لإنهيار حائط برلين وزوال المنظمومة الإشتراكية والآن قد خباء بريق الخطاب الديني المنغلق وها هو ولي العهد السعودي يسدل الستار على إبعاد رجال الدين المزعجين و يقول أن أفكارهم ضد التنمية و ضد الحداثة إلا أن كثر من النخب السودانية تظن أن هناك إمكانية مؤالفة بين الإشتراكية والرأسمالية كما يظن الدكتور النور حمد و هو يظن أن الإسلام و قيمه تصالح بين الرأسمالية والإشتراكية وهذا ناتج من ضعف منهج الدكتور النور حمد فيما يتعلق بتطور الفكر الليبرالي في القرنيين الأخريين بشقيه السياسي والإقتصادي وبالمناسبة غياب مراكز بحوث سودانية تتابع تطور الفكر الليبرالي في العالم هو ما يجعل كثر من النخب السودانية رغم إنتشار فكرهم ضعيفي الوعي فيما يتعلق بتحليل ظاهرة المجتمع البشري كما يتبدى ذلك في جرءة الدكتور النور حمد في طرحه في كتاب حرره الدكتور صديق الزيلعي وكتب الدكتور حمد في جهده فيه بأن هناك إمكانية المؤالفة بين الإشتراكية والرأسمالية وكما كتب النور في لقاء نيروبي عن المؤالفة بين العلمانية والدين .
أما في أوروبا فقد أدركت النخب الأوروبية بأن تاريخ الإنسانية ولأول مرة قد أصبح تاريخ واحد ومشترك للإنسانية كافة بفضل نجاح الثورة الصناعية منذ عام 1776 وأصبحت مسيرة الإنسانية التاريخية واضحة المعالم بل أصبح الإنسان التاريخي في حكم المؤكد على ضؤ فلسفة التاريخ الحديثة المنتصرة للفرد والعقل والحرية والحرية.
نضرب مثل كيف أن أوروبا ودولها كدول مستعمرة داخل أوروبا كانت تلاحظ بأنها تدخل على تجارب ليست مسبوقة بعهد؟ وتحتاج لفلاسفة وعلماء إجتماع وإقتصاديين يواجهون أزماتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية وبالتالي كانت النخب السودانية التي نالت تعليم متدني أيام الإستعمار لا يسمح لهم وعيهم المتدني برؤية جديدة للعالم الذي يتخلق ليولد من جديد بعد نهاية فلسفة التاريخ التقليدية في أوروبا.
وعلى بعد خطوات تنتظر أوروبا ميلاد فلسفة تاريخ حديثة وأصبح التفاوت يزداد و هذه التطورات في أوروبا كانت تتخلق وهي مستعمرة للدول مثلما كانت بريطانيا مستعمرة للسودان ولكن كان فلاسفة أوروبا على وعي بأن السياسة قد أصبحت شرط إنساني لتحقيق مفهوم المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد ولا تتحقق إلا بفكرة التدخل الحكومي وهذا هو البعد الغائب عند النخب السودانية منذ أجيال النخب التي نالت تعليم متدني أيام الإستعمار ونتج عنه وعي متدني لا يسمح لهم بتحليل ظاهرة المجتمع البشري وللأسف إستمر تدني الوعي جيل عبر جيل في السودان وحتى راهننا الآن لم تدرك النخب السودانية مفهوم الدولة الحديثة التي ترسخ للمسؤولية الإجتماعية نحو الفرد وبالتالي تصبح السياسة هي شرط إنساني يجسد فكرة العيش المشترك.
هذا التفاوت في مستوى الوعي جعل النخب السودانية متدنية الوعي مقارنة بالمستعمر الذي كانت بلدانه تتحسس لحظات ميلاد فلسفة تاريخ حديثة ظهرت مع ظهور مؤتمر الخريجيين في السودان ولكن شتان ما بين وعي أتباع مؤتمر الخريجيين وأتباع فلسفة التاريخ الحديثة في أوروبا وبالمناسبة هناك قادة من أتباع الحضارات التقليدية إنتبهوا لهذا التحول من فلسفة التاريخ التقليدية الى فلسفة التاريخ الحديثة نذكر منهم المهاتما غاندي ونهرو لذلك ها هي الهند الآن تصبح من أكبر الديمقراطيات في العالم وبمعدل نمو إقتصادي عالي جدا مقارنة بكساد النخب السودانية في ثمانية عقود الأخيرة.
نعود للدكتور النور حمد في مقاله الأخير في سودانايل بعنوان معضله الشر المحتمي بجهل العامة وفيه يقول الدكتور النور حمد “ولو كان الوعي البشري مستحصدا بحق لما عاش النظام الرأسمالي الى يومنا هذا رغم أن جهود فضح إنسانيته قد تكاملت منذ القرن التاسع عشر” ما هذا يا دكتور النور حمد؟ ما كتبه الدكتور النور حمد في هذا المقال يصلح كدليل على أن أغلب النخب السودانية تجهل فلسفة التاريخ الحديثة التي تتوشح النيوكانطية في فكر ماكس فيبر وهو يتحدث عن عقلانية الرأسمالية في الفكر البروتستانتي وقد فتحت على قيم الجمهورية ومواثيق حقوق الإنسان.
عكس ما يتحدث عنه الدكتور النور حمد بتشنيعه للرأسمالية وهو تشنيع صادر من جهل دكتور النور حمد بأدبيات الرأسمالية في النظريات الإقتصادية وإبداعات تاريخ الفكر الإقتصادي على أقل تقدير في القرنيين الأخرين ويتضح من مقال النور حمد جهله بعقلانية الرأسمالية التي تحدث عنها ماكس فيبر وقال أن الرأسمالية عقلانية والدليل على عقلانية الرأسمالية لأنها لم تظهر بعد في المجتمعات التقليدية كمجتمعنا السوداني ومن هنا ننبه القارئ للبون الشاسع بين وعي دكتور النور حمد وأفكار ماكس فيبر عن عقلانية الرأسمالية وعلى هذا قس مآسينا مع التنويه أن ماكس فيبر كان عالم إجتماع وإقتصادي وقانوني ومؤرخ ولنترك للدكتور النور حمد أن يختار ألقابه.
على عكس تشنيع الدكتور النور حمد بالرأسمالية نجد إشراقات الدكتور منصور خالد ويظهر أن الدكتور منصور خالد في مراجعاته لمناهجه لم يكن يوما عدمي عدو الإشراق والوضوح بل كان متجدد الفكر وله الشجاعة النادرة أن يقول أنه كان على خطاء شنيع ليس هو لوحده بل كل نخب العالم الثالث ومجايلي الدكتور منصور خالد عندما إستبد بهم الخطاء في أن طريق الإشتراكية والحزب الواحد هو الأقرب لتحقيق التنمية وقد تراجع عن ذلك رجل بعظمة منصور خالد بل زاد على ذلك وأعلن عن أسفه وندمه في مهاجمته لأحمد لطفي السيد ووصفه له بأنه خائن لأنه رفض طلب أن يكون قائد للحكومة في زمن عبد الناصر واحمد لطفي السيد معروف بأنه أب للفكر الليبرالي في مصر ومن تلاميذه عميد الأدب العربي طه حسين والكاتب الكبير نجيب محفوظ وعليه نقول لدكتور النور حمد أنه على بعد ما لا يقاس بما يفصله عن مراجعات منصور خالد لمنهجه وتجدد تدفقاته الفكرية.
على أي حال لم تفاجئني أفكار الدكتور النور حمد في مقاله الأخير وحديثه غير الناضج عن تطور الفكر الرأسمالي وبه يعتدي على ميراث العقد الإجتماعي عند كل من جون لوك أب الفكر الليبرالي بشقيه السياسي والإقتصادي ويهجم بشراسة على العقد الإجتماعي في علم إجتماع منتسكيو ويتجاهل فكرة الديمقراطية عند توكفيل ويخرج لسانه ساخر من نظرية العدالة عند جون راولز وفوق كل ذلك يتخطى الدكتور النور حمد مشروع كانط النقدي في أنثروبولوجيا الليبرالية بعد أن إستفاد من فلسفة كل من ادم اسمث في نظرية المشاعر الأخلاقية وفلسفة ديفيد هيوم التي أيقظت كانط من ثباته الدوغمائي العميق لأن كانط قبل إطلاعه على فلسفة ديفيد هيوم وادم اسمث في نظرية المشاعر الأخلاقية كان أقرب للأصولي المتزمت وهذا هو حال الدكتور النور حمد الآن في ايمانه بالمؤالفة بين العلمانية والدين.
ويشجع الدكتور النور حمد على هجومه غير المبرر على أدبيات الرأسمالية وهو لم يستوعبها من الأساس حتى يزعم أنه يدعو لتجاوزها زعمه كأنه قد هضم الكينزية في مزجها لفكرة اليد الخفية مع نظرية المشاعر الاخلاقية لتخرج لنا بتجاوزها لنظرية ساي العرض يخلق الطلب وتتجاوزها بكيفيه خلق الطلب عبر الإنفاق الحكومي وقد خرجت به الرأسمالية ظافرة من الكساد الإقتصادي العظيم عام 1929م.
مقال الدكتور النور حمد للقارئ الذي يعرف القليل عن تاريخ الفكر الإقتصادي ونظريات النمو الإقتصادي مقال محيّر لأنه يقول لك بأن الدكتور النور حمد يقتحم مجال بحث هو خالي الوفاض من علومه ليخرج لنا بأن الرأسمالية قد ماتت منذ القرن التاسع عشر و هذا خبر محزن ومضحك لأن بعد تاريخه الذي حدده لموت الرأسمالية نجد جهود جون ماينرد كينز في النظرية العامة وعلم إجتماع ماكس فيبر وهو يتحدث عن زوال سحر العالم أي أن الخطاب الديني الذي يريد النور مؤالفته مع العلمانية قد أبعده ماكس فيبر منتصرا للفكر الرأسمالي في عقلانيته بعيدا عن دولة الإرادة الإلهية.
ويقدم ماكس فيبر بدلا عنها الفعل الإجتماعي وفقا لقدرات عقلنا البشري في معادلة الحرية والعدالة وبعيدا عن مؤالفة النور حمد بين العلمانية والدين أو مؤالفته بين الإشتراكية والرأسمالية كما يزعم ونجد كذلك بعد خبر النور حمد بموت الرأسمالية ديالكتيك ريموند أرون وهو ينتصر فيه على من ذهبوا للحزب قبل الذهاب للكتب ليعلن لنا ريموند أرون أن ماركسية ماركس لا تخدع غير المثقف المنخدع الذي يعتقد كما يعتقد النور بأن هناك إمكانية مؤالفة بين الراسمالية والإشتراكية وهيهات.
وبحديثي عن كينز وريموند أرون وماكس فيبر أكون قد عدت للمحاور الثلاث للمفكريين وقد تحدثت عن منطلقاتهم في بداية المقال وهم كينز وماكس فيبر وريموند أرون وأعيد الكرة لكي أقول أن مثل فكر الدكتور النور حمد في مقاله الأخير الذي تناولناه هنا في مقالنا يدخل في إطار فلسفة التاريخ التقليدية ودعوتنا له بأن ينفتح على فلسفة التاريخ الحديثة وهي ما يحتاجه أفق مفكرينا في السودان وقد غابت أي فلسفة التاريخ الحديثة عن أفق الفكر السوداني طيلة القرن الأخير وبغير إدخال فلسفة التاريخ الحديثة على حقول الفكر السوداني سيظل مشهد الفكر السوداني محشود بفكر المثقف التقليدي والمفكر التقليدي والمؤرخ التقليدي وسيظل مشهد الفكر في السودان يدور في حلقة مفرغة ومحكمة الإغلاق وكسرها والشب عن طوقها لا يكون بغير إدراك فلسفة التاريخ الحديثة.
بالمناسبة أفكار ماكس فيبر بعد نشرها إحتجت لما يقارب الثلاث عقود حتى تتحقق بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وأفكار كينز ونظريته العامة قد أحتاجت لعقد لكي تسود بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وإستمرت لثلاثة عقود أخرجت أوروبا من ظلال الليبرالية التقليدية وفلسفة التاريخ التقليدية وكذلك أفكار ريموند أرون إحتاجت لثلاث عقود لكي ينتصر فيها توكفيل على ماركس وريموند أرون على سارتر ومن بعده قد خرجت فرنسا بفكرها من ظلال الماركسية وأصبحت توكفيلية.
اتفق معك تماما في عدم امكانية المواءمة بين الدين و العلمانية لسبب بسيط متضمن داخل تعريف العلمانية وهو ان العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة. هذا يعني في شؤون الحكم و السياسة ان مفهومي الدين والعلمانية متضادين و المواءمة بين الضدين مستحيلة. لكن إلا تعتقد ان العافية درجات و دعنا نصل بمجتمعنا درجة تحرر النور حمد من الدين ثم نخطو إلى الامام. المجتمع السوداني مجتمع تقليدي و تسود فيه الأمية و من الصعب ان لم يكن مستحيل نقله مرة واحدة إلى علمانية مكتملة الأركان. حتى في الغرب و في امريكا نفسها ما زال هناك بقية من التدين او ما يسمى باليمين والذي يمثل الدين احد معايير الانتخاب و التصويت. فوز دونالد ترمب لعب اليمين المتطرف دورا فيه. في اعتقادي ان الوعي البشري ما زال غير كاف لاستبعاد الدين تماما من السياسة و الدولة رغم وجود بعض الاستثناءات لهذه القاعدة. اعتقد احد اهم اسباب عدم كفاءة الوعي و العقل البشري يرجع لخلط العامة بين الدين و الاخلاق و اعتقادهم إلا اخلاق بدون دين. كما تعلم كانط في كتابه نقد العقل العملي اجتهد في دحض هذه العلاقة بوضع قاعدة الواجب الاخلاقي و التي تجعل العقل هو المشرِّع للقيم الاخلاقية
نيوكانطية،عدمية،ليبرالية،كومبرادورية ….ورجغ ورجغية…يا كتاب الراكوبة ارحمونا الله يرحمكم من المقالات الطويلة البتشبه جري الكلب في حواشة اللوبا …الكاتب اعلاه ومعاه الجنجويدي وليد ول مادبو لو وفروا مخهم وتفكيرهم لكيفية الطهارة من الخبث زي علماء الازهر يكون ريحوا الناس …
هذا الكاتب غرضه هو استعراض النيوكانطية والماكس ماركسية بالسكسكانية.. كتر خيرك يا كاتب المصطلحات ذات الحجم العائلي شبعتنا شبع حتى أصبنا بالغثيان وربما الدوران من شدة الدوران في الحلقة الرأسمالية المفرغة. زي ما قالت رشا قديل لو حدثتنا في العزية والعشماوية لكان فهمنا حاجة بدل التحليق بنا في المدى الغيبي.