نظام روما: حين سعى العالم لمحكمة دولية تُحاسب مجرمي الحروب
نظام روما: حين سعى العالم لمحكمة دولية تُحاسب مجرمي الحروب
في نوفمبر/تشرين الثاني، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع السابق، وكذلك القائد العسكري لحركة حماس.
وقد أنشئت المحكمة الجنائية الدولية بموجب نظام روما الذي يقول في وثيقته الأساسية إنه يضع في اعتباره أن ملايين الأطفال والنساء والرجال كانوا ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها هزت ضمير الإنسانية.
وتؤكد الوثيقة أنه على جميع الدول الامتناع عن التهديد باستعمال القوة أو ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة أو على أي نحو لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.
وعليه جرى إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة مستقلة ذات علاقة بمنظومة الأمم المتحدة وذات اختصاص على الجرائم الأشد خطورة التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره.
وتختص المحكمة بما وصفته “أشد الجرائم خطورة”، ولها اختصاص النظر في الجرائم المتعلقة بالإبادة الجماعية وتلك ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان.
تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
قصص مقترحة نهاية
وبناء على اختصاصاتها عرّفت الوثيقة الجرائم التي لها الحق في النظر لها.
كيف عرفت المحكمة الجنائية الدولية اختصاصاتها؟
تتولى المحكمة الجنائية الدولية النظر في أخطر الجرائم التي تهدد السلم والأمن الدوليين، حيث تشمل اختصاصاتها جرائم الإبادة الجماعية، التي تهدف القضاء على مجموعات قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بشكل كلي أو جزئي، والجرائم ضد الإنسانية، التي ترتكب في سياق هجمات واسعة النطاق ضد السكان المدنيين، وجرائم الحرب، التي تتضمن انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف وقوانين النزاعات المسلحة.
ومن بين هذه الجرائم:
الإبادة الجماعية: أي فعل من الأفعال التي ترتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها إهلاكا كليا أو جزئيا بما يعني قتل أفراد الجماعة أو إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد جماعة أو إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كليا أو جزئياً .
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه
شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك
الحلقات
يستحق الانتباه نهاية
كذلك تشمل الإبادة فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة أو نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.
الجرائم ضد الإنسانية: هي تلك الأفعال التي ارتكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، بما يشمل القتل العمد والإبادة والاسترقاق وإبعاد السكان أو النقل القسري لهم، أو السجن والحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية والتعذيب والاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري أو التعقيم القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي.
وتشمل أيضاً الجرائم ضد الإنسانية؛ اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس، والاختفاء القسري للأشخاص، وجريمة الفصل العنصري والأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية.
جرائم الحرب:
تشمل الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف ومنها القتل العمد؛ والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية؛ تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة؛ إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة.
وكذلك الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة، في النطاق الثابت للقانون الدولي، مثل تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية؛ وتعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية، أي المواقع التي لا تشكل أهدافًا عسكرية؛ وغيرها.
ما هي القضايا التي تابعتها المحكمة الجنائية الدولية؟
في مارس/آذار 2012، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أول حكم لها ضد توماس لوبانجا، زعيم ميليشيا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، بعد إدانته بارتكاب جرائم حرب تتعلق بتجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاعات المسلحة، وفي يوليو/تموز من العام نفسه، حكم عليه بالسجن لمدة 14 عاماً.
ومن أبرز الشخصيات التي مثلت أمام المحكمة الجنائية الدولية الرئيس السابق لساحل العاج، لوران غباغبو، الذي وُجّهت إليه في عام 2011 تهم تتعلق بالقتل والاغتصاب والاضطهاد و”أعمال غير إنسانية أخرى”، لكن جرت تبرئته لاحقاً من جميع التهم المنسوبة إليه.
كما يُعتبر جوزيف كوني، زعيم حركة التمرد الأوغندية “جيش الرب للمقاومة”، من بين المطلوبين لدى المحكمة، وقد وُجّهت إليه اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بما في ذلك اختطاف الآلاف من الأطفال.
وفي قضية بارزة أخرى، أصدرت المحكمة مذكرة اعتقال علنية بحق الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، بتهم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ولقد تعرضت المحكمة الجنائية الدولية لانتقادات شديدة، خصوصًا من الاتحاد الأفريقي، الذي اتهمها بالتركيز على القضايا الأفريقية، إلا أن المحكمة تنفي هذا الاتهام، مشيرة إلى أن العديد من القضايا أحيلت إليها من الدول المعنية أو عبر الأمم المتحدة.
وفي عام 2023، أصدرت المحكمة مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، متهمة إياه بارتكاب جرائم حرب، خاصة تلك المتعلقة بالترحيل غير القانوني للأطفال من أوكرانيا إلى روسيا.
الطريق إلى روما لم يكن هيّناً
كان “الطريق إلى روما” طويلاً ومثيراً للجدل في كثير من الأحيان، حيث بدأت القصة في عام 1872 مع غوستاف موينييه وهو أحد مؤسسي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الذي اقترح إنشاء محكمة دائمة رداً على جرائم الحرب الفرنسية البروسية.
وجاءت الدعوة الجادة التالية لإنشاء نظام عدالة دولي من جانب واضعي معاهدة فرساي لعام 1919، الذين تصوروا إنشاء محكمة دولية مؤقتة لمحاكمة مجرمي الحرب القيصرية والألمانية في الحرب العالمية الأولى.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، أنشأت قوات الحلفاء محكمتي نورمبرج وطوكيو لمحاكمة مجرمي الحرب من ألمانيا النازية واليابان، واستمرت الجهود الرامية إلى إنشاء محكمة دائمة في الأمم المتحدة، ولكن دون جدوى.
في عام 1948، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، حيث دعت إلى محاكمة المجرمين “من قبل المحاكم الجنائية الدولية ذات الاختصاص القضائي”، ودعت لجنة القانون الدولي “لدراسة مدى استصواب وإمكانية إنشاء جهاز قضائي دولي لمحاكمة الأشخاص المتهمين بالإبادة الجماعية”.
وفي حين صاغت لجنة القانون الدولي مثل هذا النظام الأساسي في أوائل الخمسينيات، فإن الحرب الباردة أعاقت هذه الجهود، وأرجأت الجمعية العامة للأمم المتحدة المضي قدماً في انتظار الاتفاق على تعريف لجريمة العدوان وقانون دولي للجرائم.
وفي يونيو/حزيران 1989، وبدافع جزئي من الجهود المبذولة لمكافحة الاتجار بالمخدرات، أحيت ترينيداد وتوباغو اقتراحاً قائماً مسبقاً لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وطلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من لجنة القانون الدولي استئناف عملها في صياغة النظام الأساسي للمحكمة.
وقد أدت الصراعات في البوسنة والهرسك وكرواتيا ورواندا في أوائل تسعينيات القرن العشرين وما ترتب عليها من ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وإبادة جماعية إلى دفع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى إنشاء محكمتين مؤقتتين لمحاسبة الأفراد المسؤولين عن هذه الفظائع.
وسلطت هاتان المحكمتان المؤقتتان الضوء مرة أخرى على الحاجة إلى إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة، كما ساعدتا في تدوين وإثبات مدى قابلية تطبيق الكثير من القوانين والممارسات الدولية ذات الصلة التي سيتم دمجها في نهاية المطاف في نظام روما الأساسي.
في عام 1994، قدمت لجنة القانون الدولي نسختها النهائية من مشروع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأوصت بعقد مؤتمر للمفوضين للتفاوض على معاهدة.
ورغم عدم وجود دعم كاف في البداية لبدء المفاوضات بين الحكومات، فقد أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة اللجنة المخصصة لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، والتي اجتمعت مرتين في عام 1995.
وبعد مرور عام، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة اللجنة التحضيرية لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية لإعداد مسودة نص موحد.
وفي الفترة من عام 1996 إلى عام 1998، عُقدت ست دورات للجنة التحضيرية للأمم المتحدة في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، قدمت خلالها المنظمات غير الحكومية مدخلات في المناقشات وحضرت اجتماعات تحت مظلة ائتلاف المنظمات غير الحكومية من أجل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية.
وفي يناير/كانون الثاني 1998، عقد مكتب ومنسقو اللجنة التحضيرية اجتماعاً بين الدورات في زوتفن بهولندا لتوحيد وإعادة هيكلة مشاريع المواد تقنياً وتحويلها إلى مسودة.
وبناء على مسودة اللجنة التحضيرية، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة عقد مؤتمر مفوضي الأمم المتحدة بشأن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية “لإتمام واعتماد اتفاقية بشأن إنشاء” المحكمة الجنائية الدولية.
وانعقد ” مؤتمر روما ” في الفترة من 15 يونيو/حزيران إلى 17 يوليو/تموز 1998 في روما بإيطاليا، بمشاركة 160 دولة في المفاوضات، وقام ائتلاف المنظمات غير الحكومية بمراقبة هذه المناقشات عن كثب، وتوزيع المعلومات في جميع أنحاء العالم بشأن التطورات، وتسهيل مشاركة أكثر من 200 منظمة غير حكومية في أنشطتها الموازية.
وبعد خمسة أسابيع من المفاوضات المكثفة، صوتت 120 دولة لصالح اعتماد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، مع تصويت سبع دول ضد المعاهدة (بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل والصين والعراق وقطر) وامتناع 21 دولة عن التصويت.
وفي أعقاب مفاوضات روما، تم تكليف لجنة تحضيرية باستكمال التفاوض بشأن الوثائق الفرعية والتكميلية، بما في ذلك قواعد الإجراءات والإثبات، وعناصر الجرائم، واتفاقية العلاقة بين المحكمة والأمم المتحدة، واللوائح المالية، واتفاقية امتيازات وحصانات المحكمة الجنائية الدولية.
في الحادي عشر من إبريل/نيسان 2002، أودعت عدة دول بالإجماع التصديق الستين اللازم لبدء نفاذ نظام روما الأساسي، ودخلت المعاهدة حيز النفاذ في الأول من يوليو/تموز 2002.
وبعد استكمال ولاية اللجنة التحضيرية ودخول المعاهدة حيز النفاذ، اجتمعت جمعية الدول الأطراف للمرة الأولى في سبتمبر/أيلول 2002.