وهل توجد حلول في السودان
خالد فضل
يوجد هيكل عمارة شاهقة متعددة الطوابق على تقاطع شارعين أحدهما رئيسي في وسط الخرطوم العاصمة السابقة للسودان , رأيتها منذ أكثر من 35 سنة وإلى يوم مغادرتي نازحا وهي ما تزال على هيئتها تلك , لم يتم إكمال غرفة واحدة فيها , ولعل كثير من الناس قد لحظوا ذلك . تدور تعليقات بين من ينتظرون في محطة المواصلات تحتها بأنّ هناك خطأ هندسي في أساسها لا يمكن إصلاحه . لست متيقنا من صحة ذلك الزعم لكن بقرائن الأحوال يبدو أنّ ذلك الإفتراض صحيح .
هل تمثل تلك العمارة الضخمة حال البلد كلها ؟ لابدّ أنّ هناك خلل ما أساسي في بنائه .هذه فرضية تجيب عن السؤال محل النظر . بالطبع ليس من الحصافة الإجابة المتعجلة , ولكن يطرأ السؤال هنا , هل يعقل أن حوالي 70 سنة انقضت لم يتمكن أصحاب الدار من اكتشاف الخلل وتحديد موضع العطب وإصلاحه ؟ تطوّرت معارف ونشأت علوم حديثة ومناهج بحث وتحليل ووسائل وطرق عديدة وكثيرة وميسورة , كل هذا التقدم البشري لم يغش بيتنا , هل نحن خارج سياق التاريخ الإنساني ؟ هل العطب أكبر من كل ما انتجه العقل البشري حتى الآن ,أم أن أغلبيتنا كشعب لم نرتق لمصاف عقول البشر الأسوياء علينا الانتظار لعقود قادمة ريثما يتمكن العلم من اكتشاف أو إختراع ما يناسب حالتنا من داء مستعص حتى يومنا هذا . وهل يقبل معظمنا بالعلاج أم يعتبره مؤامرة و نتحجج مثل كل مرّة تتحجج بها بعض الدول الصديقة والشقيقة (عاوزين حل سوداني/سوداني) .وقد سألت عن هذا الحل السوداني الذي تطلبه دول خارجية فوجدت إجابة أكثر من 90% من السودانيين أنفسهم من الذين سألتهم يقولون لا يوجد حل سوداني , ونشرت تقريرا بهذا الخصوص قبل فترة على موقع التغيير . فقلت لنفسي هل الذين يقولون لنا الحل سوداني /سوداني أدرى بشؤوننا أكثر مننا ؟ .
أنا لا أعرف جنسية لحلول المشاكل التي واجهت وتواجه البشر منذ بدء الخليقة , هل يعرف أحدكم جنسية حل مشكلة العطش بتوفير مصادر المياه ؟ هل يعرف أحد جنسية حل مشكلة إدارة التعددية في الدولة الواحدة ؟ أم هل لقضية تعدد الجيوش والمليشيات بطاقة هوية وجواز سفر صادر عن دولة ؟ .
في الحقيقة مسألة حل سوداني/سوداني هي أكذوبة , كل قضايا السودان المستترة والبارزة توجد لها حلول منشورة ومتاحة على شبكة الإنترنت , بداية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948م وإلى آخر اتفاقية ومعاهدة وبرتكول بطبيعة عالمية . قضية السودان حلها موجود في هذه الأدبيات ولا تحتاج إلى إعادة إكتشاف العجلة , ومنصوص عليها في معظم اتفاقات السلام السودانية _وما أكثرها_منذ أديس أبابا الأولى في 1972م وما تلاها , ومبذول في أطروحات معظم القوى السياسية المدنية الديمقراطية وتحالفاتها , ومضمن في دستور 1956م , وتعديلاته في 64 و 1985م , وفي دستور 1973م , وفي دستور 2005م الإنتقالي , وفي الوثيقة الدستورية 2019م وفي مسودة دستور نقابة المحامين 2022م لا توجد قضية من قضايا السودان لا توجد لها أطروحة حل . هناك عطب في الذهن أو خلل في الأخلاق , هناك خطأ ما (سوداني/سوداني) هو فقط الأصيل . وبالتالي فإن أي حل بدون إصلاح العطب ومعالجة الخلل وتصويب الخطأ لن ينجح , ويبقى الخيار الأخير للطفل الذي يرفض تناول جرعة الدواء _من جهل_ هو سد منخاريه وفتح فمه بالغصب وتجريعه الدواء المر عن يد وهو صاغر , بغير ذلك لن يشفى . وبعض الناس في السودان لهم عقول الأطفال وإن وخط الشيب لحاهم أو طغى البياض على أسود قمقمة رؤوسهم/ن !! .
حل مشكلة السودان
توقعت ان اجد بعض الحلول لمشكلة السودان! ولم اجد شيئا! ادناه محاولة لوضع بعض الحلول،او اشارات لمكامن الخلل:
1- بناء مؤسسات لوضع السياسات العامة في السودان،ختي لو اضطررنا للاستعانة بخبرات اجنبية ،من الامم المتحدة أو من الدول المتطورة.اذ نحتاج الي سياسات جيدة في الامن والدفاع ،تنص علي بناء جيش واحد.وسياسة في التعليم تنص علي اولوية محو الامية خلال عام واحد.وسياسة في الحكم ،تنص علي حكم فيدرالي ذي صلاحيات واسعة ،يتم اختيار الحاكم والوزراء بانتخابات نزيهة ومراقبة.
2- بناء احزاب قوية تساعد في استقرار الحكم وفقا لسياسة تنص علي إلا تقل عضوية كل حزب عن 10000 شخص ،شريطة إلا يكونوا من اسرة واحدة أو قبيلة واحدة. مع تقديم دعم مالي لكل حزب مسجل مماثل للمال الذي يجمعه،علي ان يتم صرفه في بناء الحزب ودوره في العاصمة والاقاليم وفي الارشاد والاستثمار،حتي يعتمد كل حزب علي نفسه وعضويته في تمويله.مع اشتراط اختيار قيادات متعلمة وفقا لانتخابات نزيهة.
3-وضع دستور تؤخذ بنوده من أفضل الدساتير في العالم.ولتكن أهم بنوده الفصل بين السلطات مع وجود مجلس للدولة من 5-7 افراد
يتداولون الرئاسة ويشترط فيهم المعرفة والعلم والثقافة ويتم اختيارهم بالانتخابات المباشرة.مع مجلس وزراء من عدد محدود،لا يزيد علي 15 وزارة. وتحويل بعضها أو جاها ،اعني الوزارات الي مؤسسات عامة،مثلا: المؤسسة العامة للزراعة،المؤسسة العامة للمياه،المؤسسة العامة للتعليم ،مع تحديد صلاحيات الوزير في الاشراف وتقديم النصح للمؤسسة المختصة دونما الزام بالاخذ بها ،حتي لا يتعرض العمل لتغير الوزراء مع كل انتخابات.ايضا من مهام الوزير العلاقات الخارجية والتنسيق مع المؤسسة المختصة..
4- يتم انشاء المؤسسة العامة للاقتصاد لتشرف علي وضع السياسة المالية للبلاد وتحديد اوجه الصرف وفقا لافضل الممارسات العالمية،كان تنص السياسة المالية علي وضع نسبة 4% للعلوم والتكنولوجيا ،20% للتعليم ،20% للصحة، 10% للزراعة، 2% للامن والدفاع.وهكذا.مع منع اي تجنيب للمال العام.
5- إعلان حياد السودان وتحديد هويته باعتباره بلدا متنوع القوميات،مما يحد من النزاعات الجهوية.وتقليل الصرف علي الامن والسلاح.
6- البدء في برامج لتشغيل الباحثين عن العمل في مشاريع مختلفة خاصة في مجال الزراعة والتعدين والغابات والاسماك والسياحة.
مع مشروع للعمل المباشر ،لاستيعاب
7- وضع سياسة سكانية تستهدف تعمير المناطق الحدودية والمناطق قليلة السكان.بالتشجيع والتحفيز.وذلك باعفاء وسائل الانتاج من الجمارك والمنتجات من الضرائب.الخ.
اضافة الي استهداف الخبرات.مع الاستفادة من برامج الامم المتحدة و المنظمات الطوعية.
8- التعجيل في ربط البلاد بشبكة الاتصالات الفضائية اسبيس اكس.Space X.وفقا لاتفاقية منصغة وجيدة،بما يساعد في توسيع مشروع الحكومة الالكترونية ،خاصة في مجالات التعليم،الصحة والنظام المالي والمصرفي.
9- ادخال الجنيه الرقمي كبديل لطباعة العملة وبما بجد من التزوير ويسهل التعامل البنكي والتجاري في البلاد.خاصة وقد تعود المواطنون علي التعامل المصرفي عبر الموبايل.
10- الاستفادة من انتاج الذهب في انتاج السبائك باوزان مختلفة وتوزيعها لكل المصارف بقيمة رصيدها لدي بنك السودان.
11- توجيه انتاج النفط الي الزراعة و النقل مع وقف المصادر.
12- التوسع في انتاج الطاقة الشمسية وتشجيع استيراد معداتها دون جمارك أو رسوم.مع تشجيع انتاج المعدات داخليا.
13- اللجؤ الي الاراضي كوسيلة لمحاربة الفقر والاستقرار و توزيع الثروة في البلاد وفقا لسياسة جديدة،تنص علي منح كل شاب و شابة في سن 18 قطعة أرض سكنية و زراعية.في موطنه أو في اي موقع يختاره مع تحفيز من يختارون المناطق التي تحددها الدولة في اولوياتها.(المناطق الحدودية،المناطق قليلة السكان…الخ). مع توخي العدالة وذلك بتحديد اسعار الاراضي في كل الولايات و من ثم منح تعويض مالي أو اعفاء جمركي أو منح دراسية،الخ. لمن يختارون المناطق ذات الاسعار المنخفضة.مثلا إذا حدد سعر المتر في الخرطوم بمبلغ 10000 جنيه وفي الحصاحيصا بمبلغ 50000 جنيه ،يتم منح فرق السعر كاش لمن يختار الحصاحيصا أو اي منطقة اخري.
14-اصلاح المؤسسات العدلية والشرطية وذلك بتحديد وقت محدد لكل قضية،مثل توزيع التركات وقضايا الاراضي ..الخ حتي لا تتضرر مصالح الناس.مع اختيار افضل وانزه العناصر لهذه الاجهزة.
15- ادخال معايير جديدة في اختيار الموظفين العمومين،العمال لكافة المؤسسات ولتوضع الشجاعة من أهم شروط القبول والتعيين وكذلك اختيار الطلاب للمعاهد والجامعات،فلتكن الشجاعة من ضمن معايير القبول.حتي لا يصل الي مواقع القرار ،الا الشجعان الاكفاء ،الامناء.
تشكر كتير أستاذ إسماعيل آدم, تراك وضعت قائمة ممتازة لمقترحات الحلول , ولو عدت إلى المقال نفسه لوجدت أنني أتفق معك في أنّ ما من قضية إلا وكانت لها حلول مطروحة في الأدبيات الكثيرة المنشورة بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان , واتفاقات السلام وادبيات القوى السياسية , وآراء المواطنين التي يطرحونها كما تفضلت أنت . تبقى المعضلة قائمة وهي هل لدينا عقل وقدرة ورغبة في تنفيذ الحلول ؟ هل سوء حالنا ناجم من شح في اطروحات الحلول ؟