أخبار السودان

من ضحايا إلى جناة: هل تتحقق العدالة لنساء السودان؟

 

مع تزايد الانتهاكات الجنسية في ظل النزاع المستمر في السودان، يظل السؤال الأبرز: هل يمكن محاسبة الجناة وتقديمهم للعدالة في وقت تتزايد فيه أعداد النساء ضحايا العنف الجنسي بشكل مقلق، فيما تظل المحاكمات غائبة ويستمر الجناة في الإفلات من العقاب.

 

أمل محمد الحسن

مثلّت ليلة 30 سبتمبر 2023 جرحًا غائرًا في روح “نجاة”، التي تعرضت لاغتصاب تحت تهديد السلاح من جندي يرتدي زي الدعم السريع في أحد أحياء جنوب الخرطوم، على بعد خطوات قليلة من زوجها، الذي وجه إليه جنديان آخران فوهات البنادق.

على الرغم من فرار نجاة وهي أم لأربعة أطفال وأسرتها لإحدى دول الجوار بعد هذه الحادثة، إلا أنها لم تستطع الهروب من ذلك الألم الذي يرافقها كل يوم، ولن ينتهي إلا بمحاسبة من قاموا بذلك الفعل الشائن وفق ما قالته لـ«التغيير».

“سأتعرف عليهم، ولو بعد مائة عام” قالت “نجاة” (اسم مستعار) وهي تتحدث بمرارة عن حادثة الانتهاك التي تعرضت لها.

أوضحت أن ثلاثة جنود يرتدون زي قوات الدعم السريع، ويغطون وجوههم بـ”الكدمول”، اقتحموا منزلهم متهمين الأسرة بأنها من “الفلول” و”الكيزان”. طالبتهم المجموعة بالكشف عن الذهب والأموال التي يمتلكونها، لكن عندما لم يجدوا شيئًا يُذكر، أُخذت الزوجة إلى فناء المنزل حيث تعرضت للاعتداء.”

“تروي “نجاة”: كنت أصرخ في وجه مغتصبي “حسبي الله ونعم الوكيل عليك” لم يكن يأبه كان يمسك بشعري، ويضرب رأسي على الأرض في أثناء اغتصابه لي”.

“لم يكن ذلك بالنسبة لـ”نجاة” هو الجرح الوحيد الذي خرجت به من حادثة الاغتصاب تلك، بل صدمتها هي وزوجها ما واجهناه من قسم شرطة مدينة عطبرة، التي كانت الجهة الأولى التي قصداها بعد الخرطوم. عندما حاولا فتح بلاغ لتثبيت حالة الاغتصاب، قال لهم التحري: ‘ألا تخجلا من التبليغ عن هذا الأمر؟’، وعاملهم باحتقار حولهم من ضحايا إلى جناة.

في السودان أجساد النساء ساحة للمعارك العسكرية. أدى الإفلات من العقاب في جرائم العنف الجنسي في الحروب الأهلية السابقة التي عاشتها البلاد في كل من جنوب السودان ودارفور، إلى تطور جرائم العنف الجنسي من اغتصاب إلى استرقاق وعبودية جنسية وزواج قسري.

وأسفرت حرب السودان عن وجه قبيح يتمثل في وجود أسواق يُستغل فيها النساء بطريقة وحشية، ما يبرز صعوبة توثيق حالات العنف الجنسي في مجتمع محافظ يتجنب كشف هذه الجرائم. هذا الواقع يزيد تعقيد محاسبة الجناة، ويبقى دائرة الإفلات من العقاب قائمة، في ظل استمرار الحرب وتصاعد جرائمها الوحشية يومًا إثر آخر.

من ضحايا إلى جناة

ما واجهته نجاة بقسم الشرطة بمدينة عطبرة يلخص طريقة تعامل جزء من المجتمع السوداني والأجهزة الشرطية مع النساء الناجيات من العنف الجنسي وهو ما يؤدي في النهاية إلى رفض اللائي تعرضن للاغتصاب التبليغ أو الكشف عما تعرضن إليه.

إلى جانب أن الآتي يتعرضن للاغتصاب، ففي الأغلب سيتم التعامل معهن داخل الأسرة نفسها كجالبات للعار.

نجاة ما هي إلا هي رقم في قائمة طويلة لنساء تعرضن للاغتصاب. وفقا لآخر إحصائية بلغ عدد اللائي تعرضن للعنف الجنسي 306 ناجيات.

 

المنظمات العاملة في الرصد والتوثيق خلال الحرب الحالية تواجه مشكلات في توثيق حوادث العنف

سُليمى إسحق

تقول رئيسة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، سُليمى إسحق لـ«التغيير» يمثل هذا الرقم 1% فقط من الأعداد المتوقعة للاتي تعرضن للعنف الجنسي، خاصة وأن هذه الأرقام لا تتضمن ولاية الجزيرة التي تعاني انتهاكات واسعة منذ ديسمبر 2023 عقب اجتياحها بواسطة قوات الدعم السريع.

وتشير إلى أن الحملات الانتقامية التي نفذتها هذه القوات في شرق الجزيرة مؤخراً ستزيد أعداد النساء الناجيات.

سلاح ممنهج

إن العنف الجنسي المصاحب لكافة الحروب التي حدثت في السودان بما في ذلك حرب منتصف أبريل 2023، يتم استخدامه بطريقة ممنهجة لأسباب سياسية وعسكرية أهمها إضعاف الروح المعنوية للجنود وللمجتمعات، بحسب الباحثة في مجال العنف الجنسي، هناء البشير.

تشير الباحثة إلى عدم وجود دراسات توضح حجم الانتهاكات التي ارتكبت خلال الحرب الأهلية في جنوب السودان قبل الانفصال، كما لا توجد في إقليم دارفور أيضاً.

وتؤكد البشير، إن المنظمات العاملة في الرصد والتوثيق خلال الحرب الحالية تواجه مشكلات في توثيق حوادث العنف الجنسي؛ بسبب الأنظمة الاجتماعية التي تعتبر جرائم الاغتصاب وصمة ستمتد في تاريخ الأسرة.

ولفتت التكتم في حالات العنف الجنسي بولاية الجزيرة هو الأكبر، بسبب رفض الأسر التبليغ عنه أو حتى حصول بناتهن الناجيات على الرعاية الطبية اللازمة.

وأضافت: تضع الأسر حلولا وفقا لرؤيتها بعيدا عن التبليغ أو السعي للحصول على الخدمات الطبية فيما ترضخ الضحية لموقف الأسرة.

الإفلات من العقاب

الحروب السابقة سواء في جنوب السودان وإقليم دارفور انتهت عبر التوقيع على اتفاقيات سلام؛ سمحت الأولى بانفصال الجنوب، بينما قامت الثانية بقسمة الثروة والسلطة.

محاسبة القادة وحدهم فقط لا تكفي.. يجب محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم أيضا

ليندا بور

وعلى الرغم من أن اتفاقية جوبا لسلام السودان، تتضمن بروتوكولا للمساءلة، إلا أن القيادات وفق مصدر رفيع في الجبهة الثورية سعت فقط للحصول على الامتيازات الذاتية، بينما لم يتم السعي لتقديم أي جندي للمحاكمة، على الرغم من الانتهاكات الجسيمة التي وقع في الإقليم.

من جهتها، فإن المحامية الجنائية الدولية ومنسقة المشاريع في منظمة ويامو، ليندا بور، تؤكد بأن الافتقار للمساءلة يشكل ثقافة للإفلات من العقاب.

وأشارت إلى أن أهمية المساءلة لا تقتصر على التصدي لهذه الجرائم فقط، بل تمتد أيضًا للتضامن مع الضحايا وتأكيد أن معاناتهم مرئية وأنهم ليسوا وحدهم.

وأكدت بور في حديثها لـ«التغيير» إن محاسبة القادة وحدهم فقط لا تكفي. وأضافت: يجب محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم أيضاً.

وأشارت إلى صعوبة إجراء هذه المحاكمات عمليًا، مع وجود آلاف الجناة الذين تجب محاكمتهم، في ظل عجز أنظمة المحاكم المحلية خلال الحروب عن القيام بدورها، سواء بسبب عدم القدرة أو عدم الرغبة، بينما تكون آليات العدالة الدولية غير قادرة على أداء مهامها.”

توثيق الجرائم

كما أنها أوضحت أهمية التوثيق للجرائم والانتهاكات. حيث إنها دعت المجتمع السوداني والخبراء القانونيين السودانيين على الرصد والتوثيق لتمهيد الطريق لعمليات المساءلة المستقبلية، سواء كانت من خلال عملية المحكمة، أو لجنة الحقيقة، أو تخليد الذكرى، وما إلى ذلك.

بين التقاليد المتحفظة في معظم الأقاليم السودانية وبين صعوبة الرصد والتوثيق لجرائم العنف الجنسي بما في ذلك تلك التي ارتكبت في حرب 15 أبريل 2023، يبقى مصير جبر الضرر ومسائلة مغتصبي “نجاة” وضحايا أخريات ومحاسبة الجنود والقادة المسؤولين عن تلك الجرائم معلقا.

ويبقى الخوف من مصالحة سياسية منقوصة تسمح للجناة في الحرب الحالية بالإفلات من العقاب، كما حدث في الحروب السابقة، مما يهدد باستمرار دائرة العنف الجنسي في المستقبل.

التغيير

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..