مقالات وآراء

الكوز شهوة السلطة وسطوة الإستبداد الشرقي

 

طاهر عمر

الإستبداد الشرقي نجده قد تحدث عنه أرسطو في ثقافات البلدان الأسيوية في مجافاتها للديمقراطية و مجافاة العقلانية و الحرية لذلك نجد أن في الثقافات الأسيوية التقليدية قد تسلسلت عنها النظم الإستبدادية حيث نجد الملوك المستبدين و علاقتهم مع رعية لا تتخطى أن تكون الرعية في مصاف العبيد عكس العقل الأغريقي الذي ينشد الحرية و تحدث عن الديمقراطية في أثينا لذلك ما زال العقل الغربي المعاصر يحتفي و يفتخر بأنه قد ورث عقل الإغريق و الرومان في تطوره عبر الحقب و جيل عبر جيل و كذلك نجد أن العقل الغربي يفتخر بأن المسيحية عندما جاءت من الشرق فأنها قد تروّمت أي قد صارت تتوشح عقل الرومان و ليس العكس حيث لم تتمسح روما أي لم تتمسح روما بمسيحية شرقية بل أن المسيحية قد لبست ثوب العقل الروماني.
و عليه يصبح تاريخ الفكر في أوروبا منفتح على اللا نهاية في تصحيحه لمساره السرمدي مثلا في مراحله من العقل الإغريقي ثم يمر بحقبة القوانيين الرومانية و المسيحية في روما ثم يعقبها الإصلاح الديني و عقل الأنوار ثم يأتي فلاسفة ما بعد الحداثة بالتفكيك ثم يعود العقل الغربي من جديد بعد فشل فلاسفة ما بعد الحداثة الى ألق عقل الأنوار و أفكار الحداثة.
و المضحك يظل العقل الشرقي الإستبدادي جامد و ساكن بفكر متحجر لا يبارح مكانه البتة كما نجده في فكر الكوز السوداني البائس ناظر للعالم و هو قابع داخل أسطورة الكهف لإفلاطون غير عابئ بتطور الفكر و المضحك رغم بؤس فكر الكوز إلا أنه يظن بأنه مؤهل ليقود العالم في محاكاته للغريم الغربي المتسّيد بعقله لعالم قد أصبح تاريخه واحد بعد قيام الثورة الصناعية.
بعد حديث أرسطو عن الإستبداد الشرقي نجد كذلك منتسكيو في علم إجتماعه يتحدث عن روح القوانيين و فيها أيضا يفتخر بعقلانية الحضارة الغربية و الأخلاق التي تجعل تطور الفكر الغربي منفتح على الحرية و الإبتعاد عن الإستبداد. و بالمناسبة منتسكيو محطة مهمة جدا في تاريخ الفكر الذي يخدم الإنسانية في مسيرتها نحو الحرية و الإبتعاد عن الإستبداد و هو يربط القديم من تاريخ الإنسانية بالجديد المتطور في عصرنا الراهن و منتسكيو أيضا مثل أرسطو قد تحدث عن الإستبداد الشرقي و نجده في كتابه رسائل فارسية و فيها يفرّق منتسكيو بين عقلانية الفكر الغربي و إستبداد الفكر الشرقي كما تحدث عنه في رسائل فارسية و فيها يتحدث عن الإستبداد في بلاد فارس مقارنة بتطور العقل الغربي و ولعه بالحرية.
نجد أيضا كل من ماكس فيبر و ماركس قد تحدثا عن نمط الإنتاج الأسيوي إلا أنهما على طرفي نقيض ماركس يتحدث عن نمط الإنتاج الأسيوي و تاريخه الإستبدادي موصي بأن الحل يكمن في ماركسيته في إعتمادها على البنى التحتية و لسؤ حظ ماركس أن ماركسيته لا تفتح إلا على نظام شمولي بغيض متمثل في الماركسية كنظام شمولي لا يقل بشاعة عن الإستبداد الشرقي نفسه و بالتالي إعجاب الشيوعين في البلاد العربية و نظمها التقليدية بالشيوعية كنظام شمولي لأنها تشبه روح الإستبداد الشرقي كأيديولوجية متحجرة لا تفترض عقلانية و أخلاقية الفرد كما نجده في الفكر الليبرالي.
و قلنا أن تفسير نمط الإنتاج الأسيوي أو الإستبداد الشرقي على طرفي نقيض بين ماركس و ماكس فيبر لأن ماكس فيبر إعتمد على البنى الفوقية و ما تعكسه من ثقافة و إرتماء ظلالها على فكرة الإقتصاد و المجتمع في كتابه الأخلاق البروتستانتية و روح الرأسمالية في هذا الكتاب لا يخفي فيه ماكس فيبر إفتخاره و إعتزازه بأن الحضارة الغربية قد أنجزت ما عجزت عنه الحضارات التقليدية كالحضارة العربية الإسلامية التقليدية و الحضارة الهندية التقليدية و الحضارة الصينية التقليدية.
و يفتخر ماكس فيبر كما إفتخر أرسطو قبله بآلاف السنيين بالفرق بين عقل الحرية الغربي و عقل الإستبداد الشرقي و كذلك كإفتخار منتسكيو بالحضارة الغربية مقابل إستبداد الحضارة الفارسيىة التقليدية في كتابه رسائل فارسية و إذا إردت أن تتأكد من صحة أفكار منتسكيو اليوم أنظر الى قيم الجمهورية في فرنسا و قارنها بإيران اليوم تحت سلطة الفقيه الولي كمستبد و كأنها لم تمضى قرون على أفكار منتسكيو.
ملاحظة لا ينبغي تفويتها و هي أن طه حسين عميد الأدب العربي في كتابه مستقبل الثقافة في مصر قد أكد بأن مصر لا يمكن أن تخرج من كسادها الفكري ما لم تستعيد عقلها الإغريقي الروماني و ثقافتها الإغريقية الرومانية و أظن أن طه حسين في هذه الجزئية يحاول تقديم حلول لمفارقة عقل الإستبداد الشرقي في مصر بعد أن ساد بسبب فقدان مصر لعقلها الإغريقي الروماني و فقدانها له بعد أن ساد عقل الإستبداد الشرقي الكامن في الحضارة العربية الإسلامية التقليدية و ها هي مصر تحت حكم السيسي الذي يؤسس لنظام حكم تسلطي في مصر ليؤكد على فكرة الإستبداد الشرقي.
ماكس فيبر في دراسته لأخلاق العمل البروتستانتية و خاصة في أفكار كالفن و كان كالفن يرى أن النجاح على الصعيد المادي علامة نعمة إلهية و هذا ما جعل ظهور الرأسمالية ممكن في وسط بروتستانتي طهراني تقشفي ينتج عبر ساعات عمل طويلة و متقشف في إستهلاكه و هذا ما أدى الى ظهور الرأسمالية في وسط البروتستانت في أوروبا.
و الغريب دراسة ماكس فيبر للوسط الإسلامي التقليدي لاحظ ماكس فيبر غياب الطهرانية وسط أفكار رجال الدين الإسلامي التقليدي مقارنة بالبروتستانت و خاصة أتباع كالفن بل وصفهم أي رجال الدين المسلميين التقليديين بأنهم شهوانيين فيما يتعلق بالمال و النساء و ليس لهم أي مقدار من الطهرانية التي يتصف بها البروتستانت و خاصة أتباع كالفن.
و هذا هو الوصف نفسه الذي وصف به الدكتور حسن الترابي كيزان السودان و قد تطابقت أفكاره مع ماكس فيبر في وصفهما لشهوة السلطة و روح الإستبداد عند الكيزان و بسبب شهوة السلطة و شهوتهم للمال قد إستشراء الفساد و الإستبداد الكيزاني كإنعكاس للإستبداد الشرقي.
و قد رأى السودانيين فساد و إستبداد الكيزان و قد وصفهم الدكتور حسن الترابي نفسه بأنهم فاسديين و قد أفسدتهم شراهتم للسلطة ليؤكد أي حسن الترابي على ما قاله ماكس فيبر عن شهوانية رجال الدين التقليديين في ايمانهم التقليدي الكيزاني مقارنة بطهرانية البروتستانت و إتقانهم للعمل و في نفس الوقت الزهد و التقشف الذي أدى لظهور الرأسمالية و إتصافها بالعقلانية.
و إلتقاء وصف ماكس فيبر مع وصف الدكتور حسن الترابي لشهوانية الكيزان للسلطة و المال لا يدل على أن الترابي كان محب للحرية و العقلانية و لكنه كان أي حسن الترابي نفسه مستبد بعقل شرقي و هو نفسه من قضى عمره كله يظن أن الفكر الإسلامي التقليدي يمكن أن يؤسس للحكم إلا أن أفكاره قد فتحت على نظام حكم إستبدادي و كان هو أول ضحايا تلاميذه الكيزان و بعدها قد تحدث عن شهوة السلطة التي أفسدت الكيزان و لم يدر الترابي بأن الإستبداد الشرقي كامن في فكره الإسلامي التقليدي المعادي للحرية و العقلانية.
الكل يتذكر أذهب للقصر رئيس و سأذهب للسجن حبيس و كانت كل حيل الترابي تدل على شئ واحد بأنه لم يكن عقلاني و لا أخلاقي لأن العقلاني و الأخلاقي يؤمن بحرية الآخريين و يتأكد من العدالة قد تحققت للكل و معروف أن خطاب حسن الترابي الكيزاني كان خطاب ديني منغلق لا يحمل في طياته حتى القليل من التسامح لأنك لا يمكن أن تتحدث عن التسامح و أنت منطلق من خطاب ديني أي دين كما يقول جون لوك.
و قد قال جون لوك مؤكد بأنه إذا كان هناك مطلق واحد يجب الايمان به ينبغي أن يكون فكرة فصل الدين عن الدولة و الترابي كان مهوس بفكرة الدولة الدينية و قد فتح بفكره البغيض أبواب الجحيم على الشعب السوداني و ما الحرب العبثية إلا ثمرة مرة من حديقة أفكار الكيزان مع صنيعتهم الدعم السريع و قد أوصلهم الترابي الى حيث تمكنوا من ممارسة الإستبداد الشرقي.
في ختام هذا المقال نقول للكيزان قبل قرنيين من الزمان كان الكاثوليك في فرنسا يظنون بفكرهم الديني الطائفي يمكنهم تحقيق ديمقراطية و قد تصدى لهم توكفيل مؤكد بأن زمن الخطاب الديني قد ولى بلا رجعة و قد صدقت نبؤة توكفيل فيما يتعلق بإندثار أوهام الكاثوليك بتحقيق ديمقراطية.
و هذا ما ينتظر الكيزان يمكنكم أن تحرقوا السودان كله و تقتلوا كل ما فيه من بشر و لكن لا يمكنكم التعايش مع عصر أصبحت فيه العقلانية و الأخلاق هي صفة الإنسانية التاريخية كل حروبكم العبثية و جنونكم الناتج من شهوة السلطة لا يفتح إلا على سلم اليأس الذي يقودكم الى طريق الخروج من التاريخ كأي مستبد شرقي.
نضرب لكم مثل أيران تحت ولاية الفقية كمستبد شرقي ها هي الآن بعد دمار حزب الله كزراع لها في لبنان و دمار حماس كزراع لها في فلسطيين قد أصبحت في مواجهة لا تستطيع أن تصمد فيها في مواجهة أسرائيل المدعومة من أمريكا لأن عقلها أي ايران عقل تقليدي و قد رأينا نتاج هجومها على إسرائيل بصواوريخ لا تشبه غير الألعاب النارية مقارنة بعقل إسرائيل و سلاحها و خلفها أمريكا و هي تمثل قمة ما وصل إليه عقل البشرية اليوم فيا كيزان يمكنكم أن تستبدوا على الضعفاء من أطياف الشعب السوداني و لكن مصيركم الإندثار و كل حروبكم العبثية في السودان تدل على أنكم في طريقكم للخروج من التاريخ عاجلا ام آجل كما رأينا كيف تلاشت حماس و تلاشى قبلها حزب الله أسرع من لمح البصر.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..