تطلّب دراسة العلاقة بين الجهات المدنية والقوة العسكرية في أفريقيا ضرورة الأخذ في الاعتبار التاريخ المعقد للمؤسّسات العسكرية الأفريقية وعلاقتها بالسلطة السياسية. على هذا المستوى، أدّى الإرث الثقيل من التسييس والانقسامات والانقلابات والممارسة المباشرة للسلطة إلى حد ما إلى نزع الطابع المؤسّسي الحقيقي عن الجيوش الأفريقية، وجعل من إعادة إضفاء الطابع المهني عليها قضية أساسية عند كل سعي نحو توطيد الديمقراطية.
في أفريقيا، كما هو الحال في كل بلدان العالم الثالث، ولكن أكثر من أي مكان آخر، ليست العلاقات بين المدنيين والعسكريين بسيطة ولا واضحة خلال العقود الماضية التي أعقبت الاستقلال، كانت جميع الأنظمة الأفريقية تقريباً مبنيةً على خلط بين المجالين السياسي والعسكري، بدرجات متفاوتة. سواء كان الحكم الاستبدادي مدنيّاً أم ناتجاً عن انقلاب عسكري، قد استند الاستبداد إلى تحالف مدني عسكري، مع مزيج من الأنواع السياسية والعسكرية تجلّت في تسييس القوات المسلحة من جهة (على الأقل الارتباط الوثيق بين الجيش والسلطة السياسية، وصولًا إلى المستوى الأيديولوجي أو الثوري)، وعسكرة السياسة من جهة أخرى (القوة والعنف ركيزتان للحكم لدى الحكام الأفارقة ويُنتجان محسوبية السياسيين في مواجهة الجيش).
تظلّ الطبيعة غير السياسية للمؤسّسة العسكرية الأفريقية نظرية للغاية. كان التدخل العسكري في السياسة فترة طويلة القاعدة وليس الاستثناء. وفي ما عدا 12 دولة لم تعرف حمّى الانقلابات العسكرية، واجهت باقي الدول الأفريقية، بدرجة أو بأخرى، تدخّلاً سياسيّاً من الجيش، حيث يبدو التمييز بين الحكومات المدنية والعسكرية سطحيّاً بشكل متزايد، ففي التحليل النهائي، تخضع السلطة في معظم الدول الأفريقية (في ظل الحكمين المدني والعسكري) للمحاصصة، ووضعها تحت سيطرة الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة. حيث لا ينبغي لنا أن نفهم الجيش مؤسسةً ضمن النظام السياسي، كما هو الحال في الدول الديمقراطية، ولكن وقبل كل شيء أن نفهمه لاعباً سياسياً له مصالحه وحساباته وأفعاله. لا تقلّ البيئة الاجتماعية والسياسية للجيش أهمية عن خصائص الجيش وديناميكياته، حيث تحتفظ الغالبية العظمى من الجيوش الأفريقية بشبكات مصالح تعضدها امتدادات مجتمعية ذات جذور عرقية أو دينية أو إقليمية، كما هو الحال في وضعيات جيوش دول جنوب الصحراء الكبرى، أو بدرجة أقل، ولكن بشكل متزايد، التحالفات الطبقية مع الجهات المدنية النافذة التي جعلت من الممكن إنشاء شبكات زبائنية بين الجهات المدنية والعسكرية، كما هو الحال في النموذجين المصري والجزائري.
أثبت العسكر الحاكمون في أفريقيا، في أحيانٍ كثيرة، أنهم أسوأ من الشر الذي أدانوه
شكلت الانقلابات الأسلوب الأمثل لدى الجيوش الأفريقية في ممارستها السياسة، وينظر مؤيدو الانقلابات إليها أنها عنصر من عناصر عملية شاملة للتنمية السياسية؛ حيث ركّزت على دور الجيش في التحديث الاقتصادي. ويعتمد ذلك على التشكيك في شرعية المؤسسات المدنية وفشلها في ضبط الانفلات المجتمعي، وهو التبرير الأساسي لإنهاء فترة الحكم المدني في دول مثل النيجر وبوركينا فاسو ومصر. في المقابل، ظل المجتمع المدني ينظر إلى الانقلابات أنها وسيلة لاستعباد الجماهير والسيطرة على المجال العمومي، فالطابع القمعي للدولة، الذي يعتمد، بشكل غير متناسب، على الإكراه، يؤدّي إلى عسكرة السلطة. كما يُنظر إلى الجيوش أنها مراكز لمراكمة المصالح الفئوية خدمة للنظام الرأسمالي العالمي. وتستند هذه الرؤية على حالة الترابط العميق بين الجيوش الأفريقية والدول الكولونيالية الكبرى، فالانقلابات هي تدخلات لتحقيق الاستقرار في البلاد وخلق وضع مناسب لرأس المال الأجنبي، فالجيش يُستخدم لأمن القلة، وليس لأمن الدولة وجميع المواطنين.
على أي حال، يكشف تكرار الانقلابات في أفريقيا أن الظروف العامة التي كانت لصالح تدخلات الجيش في المجال السياسي مستمرّة. إذا كان الانقلاب الأول قبل كل شيء وسيلة للتداول على مستوى النخبة، والانقلاب المضاد الذي أعقب الانقسامات الواضحة في الجيش، كان من الواضح أن الانقلابات المتكرّرة كانت جزءاً من نمط أكثر تعقيداً من الحكم. وأن التغيير السياسي الناجم عن انقلاب العسكر يجب أن نفهمه انطلاقاً من المصالح المؤسّسية، والطموحات الشخصية التي تجد نموذجاً في التجارب السابقة للانقلابات، لنرى أن الانقلاب أصبح وسيلة مبتذلة للغاية للتغيير السياسي في أفريقيا، وترسيخ العنف من وسائل الفعل السياسي.
أدّت ممارسة العسكريين السلطة السياسية، في أغلب الأحيان، إلى تركيز السلطات لصالح القادة، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، والتخلف في نهاية المطاف. ورغم أنهم يفسّرون تدخلهم في الحياة السياسية، في أحيانٍ كثيرة، بالحاجة إلى الحفاظ على النظام الدستوري أو الدفاع عن الديمقراطية أو حماية الوحدة الوطنية، أثبت العسكر، في أحيانٍ كثيرة، أنهم أسوأ من الشر الذي أدانوه.
نقلاً عن العربي الجديد
دور العسكر وانظمة الحكم فى افريقيا ظل محل اهتمام فى اوساط الباحثين والمهتمين بالشان السياسى لانه من المعروف ان كل المؤسسات العسكرية فى افريقيا وضع لبناتها القوى الاستعمارية التى كانت سائدة فى افريقيا بدليل ان بعض القادة العسكريين الذين دبروا انقلابات عسكرية فى بلدانهم كانوا جنودا فى صفوف المؤسسات العسكرية قبل الاستقلال امثال موبوتو وبوكاسا وعيدى امين وعبود وغيرهم. هناك البعد الاثنى والجهوى لتركيبة هذه المنظومات العسكرية فعلى سبيل المثال كان الجنود النيجريون اغلبهم من اثنيات الايبو واليوروبا وليس ببعيد عن الاذهان فى السودان حيث تشكل غالبية الجنود RanK & file من غلاب السودان دارفور وكردفان بينما اتت غالبية العناصر القيادية من الشريط النيلى الممتد من الجزيرة حتى الحدود الشمالية مع مصر . المؤسسات العسكرية بطبيعة تركيبتها التنظيمية دائما تكون الاسرع والاسهل للامساك بزمام السلطة سواء استغلتها التنظيمات الحزبية او امتثالا لطموحات فردية لقاياداتها ولكن لفقدانها الخبرة والدراية بتسيير امور الدول ولم تقدم المؤسسات العسكرية نموذجا يعتد به فى ادارة البلاد التى استولوا عليها فى القارة الافريقية بعد الاستقلال..ثبت ايضا ان الاوضاع لم تتحسن فى الدول التى اجتاحتها حمى الانقلابات العسكرية والسودان المثال الاوضح لذلك فمنذ انقلاب الجنرال عبود وانتهاء بالجنرال البرهان تعرضت البلاد ولا زالت لهزات سياسية واجتماعية وثقلفية عنيفة لم تتعافى بعد من اثارها فمثلا بيع اراضى وادى حلفا فى عهد عبود وفصل الجنوب فى عهد البشير والتى تتولى كبره الحركة الاسلامية السودية توضح فداحة القرارات التى تتخذها الانظمة العسكرية فى اى بلد . وأذا السودان مجال اهتمامنا بان الانظمة العسكرية التى مرت عليه كلها كانت خاضعة لتاثيرات حزبية وسياسية وبالتالى شكلت واجهات فقط وافقدت البلاد فرصا للتطور الديموقراطى حيث ان الديموقراطية تحمل ادوات اصلاحها وتطويرها بداخلها عبر الممارسة لا عبر فوهة البندقية. الحكم العسكرى فى السودان اتجه نحو ممارسة العنف ضد المدنيين فجكومة الجنرال عبود اججت الحرب فى جنوب السودان وقمعت الحريات العامة وبالمثل غان حكومة الجنرال نميرى اتخذت من القرارات اقعدت السودان فى عدة اصعدة فالتاميم كان وبالا على القتصاد السودانى والسلم التعليمى الذى أضر ايما ضرر بالعملية التعليمية فى السودان فضلا عن الاحتقان السياسى الذى جعل الخرطوم عدة مرات تحت نيران المتصارعين ككان ابرزها فى يوليو 1976م فيما عرف لاحقا بغزو المرتزقة للخرطوم. وبالوصول الى ثالثة الاثافى انقلاب الانقاذ وكانها قصدت الى تدمير السودان لا انقاذه كما زعمت تحت تاثيرات الجبهة الاسلامية القومية ولعل ما يمجع بين انقلاب عبود والبشير هو ان حزبين سياسيين كانا يمثلان كيانين حزبين سياسيين على راس السلطة او باغلبية برلمانية ولكنهما لم يطيقا العملية الدسموقراطية وضاقا بها ذرعا فلجأ كل منهما الى الاة العسكرية للوصول لمبتغاه فى الحكم. يثبت التاريح انهما اسوا نظامين شهدهما السودان بعد استثلاله ولعل الانقاذ هنا تاخذ موقع الصدارة فقد احالت البلاد خرابا وما نشهده اليوم الا نتاج لسياسات الانقاذ فى سعيها للبقاء فى سدة الحكم تسلمه لعيسى كما قال ناعقم. نعم لا ننكر ان الانقاذ قد اقامت بعض المشاريع التنموية فى البلاد ولكننا فى ذات الوقت لاننكر ان التكلفة كانت عالية لفساد القائمين عليها ولظروف الحظر الذى حفرص عليها جراء سياساتها؟؟؟ اما تجزئة السودان وتقسيمة فذلك عار سياسى سيلاحق الاسلامويين عبر تاريخهم الذى ادعو الله الا يطول. العسكر وانظمة الحكم فى افريقيا لا يزال ثير الاهتمام فى مختلف الاوساط ولكن ماهو معلوم ان العسكر لم بقدموا نماذج حكم راشد بل كانوا وبالا على بلدانهم