المنوعات

“آردين” آلة موسيقية لا يقربها الرجال في موريتانيا

“آردين” آلة موسيقية تقليدية فريدة في موريتانيا، وتتميز بارتباطها الحصري بالنساء، إذ يُعد العزف عليها، خصوصا في المناسبات الاجتماعية كحفلات الزفاف والتجمعات العائلية، من اختصاصهن وحدهن، وتُعد الآلة رمزا للهوية الثقافية للمرأة الموريتانية، ولا يُسمح للرجال باستخدامها.

يبعث الاستماع لمعزوفات على آلة “آردين” بقلب العاصمة الموريتانية، في الروح دفء الصحراء، ومعه البعض من القواعد الاجتماعية التي تحكم هذا الفضاء، فالموسقى عندما تنبعث من آردين تصبح بالفعل اسما مؤنثا خالصا، لأن الآلة التقليدية الأصيلة تبقى، حتى إشعار آخر، محرمة على الرجال في بلاد شنقيط.

كانت النسخة السابعة لمهرجان آردين التي نظمت مؤخرا بنواكشوط فرصة لأشهر العازفات الموريتانيات ليؤكدن أن العزف على هذه الآلة ما زال حكرا عليهن، يبدعن وينثرن الجمال، وهن يداعبن أوتار الآردين بقواعد ورثنها عن أمهاتهن وجداتهن، ويحرصن على أن تظل “سر النساء” جيلا بعد جيل.

وتظل الآردين مرآة لروح المرأة الشنقيطية، تحمل أحلامها وحكاياها العاطفية والتاريخية وحتى الأسطورية، فهي جسر مناجاة بأسلوب شفاف يحسه المتلقي، وهي في المناسبات الدينية جسر للتعبير عن حب النبي وآله وصحبه وفي غيرها واجهة لتعبير مشفر عن قضايا المجتمع.

تقول الفنانة الموريتانية عيشة منت شغالي إن آلة الآردين في عرف المجتمع الحساني، شأن نسوي بامتياز، كما أن آلة “تيدينيت” بالمقابل كانت ولا تزال حكرا على الرجال. وترى منت شغالي في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه الآلة تعزف عليها فنانات من أسر فنية تسمى “إيكاون” وهي أسر تتوارث العزف والغناء التقليدي.

وبالنسبة للفنانة الموريتانية فإن الآلة، التي تتكون من سبعة أوتار (وقد يصل عددها إلى 17 وترا وفق باحثين في الموسيقى التقليدية)، بمثابة “أوركسترا متنقلة جامعة”، وهو الوصف الذي تتفق عليه كل الفنانات المعروفات بالبلاد.

وتضيف منت شغالي أن وصف الآلة بـ”الأركسترا” ليس من باب المبالغة أو الإعجاب، فالآردين تمكن “تيكيويت” أو العازفة (مفرد مؤنث إيكاون) من الغوص في كل بحور الموسيقى الموريتانية، فبالإضافة إلى الأوتار، تستخدم الآلة الأصيلة كطبل أيضا، ليجتمع في المقطوعة الواحدة عزف وإيقاع وغناء.

ويتمثل التحدي الكبير الذي يواجه هذه الآلة في العصر الحديث، وفق السيدة منت شغالي، وهي رئيسة مهرجان آردين ومؤسسته أيضا، في كون العازفات على آلة آردين يؤدين، في الغالب، نصوصا متوارثة، انتقلت شفاهيا فقط من جيل إلى جيل، وفي كون تعلم النساء للعزف يتم بالوراثة أيضا. ومع أن منت شغالي أقرت بصعوبة تدريس العزف على الآردين إلا أنها تؤكد أنه لا بديل عنه لضمان استمرار نغمات هذه الآلة في المشهد الموسيقي الموريتاني.

وفي سياق البحث عن سبل أخرى للحفاظ على هذه الآلة وضمان استمرار حضورها جاءت فكرة تأسيس مهرجان تتمحور فقراته حول هذه الآلة، وكذلك إحداث مؤسسة خاصة بها، ومتحف دائم لها بقلب نواكشوط في فضاء ذي رمزية.

ويشهد المتحف المقام بفضاء حديقة “منظمة استثمار نهر السنغال” على سحر هذه الآلة، وعلى مكانتها في الموسيقى الموريتانية بفضل ما تختزله من روافد أفريقية وعربية وأمازيغية.

وإذا كانت الفنانة عيشة منت شغالي لم تجد حرجا في الحديث عن محاولات “محتشمة” من بعض “العازفين الرجال” لمداعبة الآردين، فإن الفنان الشيخ ولد أبا، وهو من أسرة “إيكاون”، كان قاطعا وهو يؤكد أنه يستحيل على “إيكيو” (مفرد مذكر إيكاون) أن يعزف على الآردين  كما لا يمكن لـ”تيكيويت” أن تعزف على “تيدينيت”.

وقال “يمكن لـ’إيكيو’ أن يلقن الفتيات طريقة توليف الأوتار وتدريبهن على أبجديات العزف الأولية، لكن يستحيل أن يعزف عليها (آردين) في الفضاءات العامة أو التظاهرات”، مضيفا “هذه هي الحقيقة والحالة العامة، وبالتالي لا يمكن الحديث عن استثناءات.”حح

وتحدث الشيخ ولد أبا، وهو أستاذ الموسيقى بالمركز الثقافي المغربي بنواكشوط، عن الطموح في أن تتاح له الفرصة لتدريس أصول الموسيقى التقليدية بالارتكاز على الأسس السليمة والقواعد العلمية حفاظا عليها من الاندثار، لاسيما أنها تبقى شفهية وغير موثقة ويبقى التعلم بالسماع، وإلى اليوم، هو الوسيلة الوحيدة التي ضمنت وتضمن بقاءها.

وبالنسبة للفنان فإن الجيل الجديد من “الهواة”، وإن عمد إلى أداء مقطوعات عريقة، فإنه لا يصل إلى أسرار وخبايا تظل حكرا على “إيكاون”، وهي تسمية ذات أصل أمازيغي وفق ولد أبا.

وسواء تعلق الأمر بـ”آردين” أو “تيدينيت” أو آلات موسيقية أخرى، فإن الموسيقى التقليدية، أو الشعبية، بموريتانيا ظلت وسيلة من وسائل الحفاظ على تراث ثقافي ارتبط بالمحيط وعبّر عن أفراحه وأحزانه وأحداثه، غير أن وفاة الرواد وغزو الآلات العصرية يفرضان التفكير في توثيق هذه الموسيقى الغنية.

إن التراث الموسيقي بموريتانيا كما في غيرها يبقى، كما يؤكد المهتمون والباحثون، من أكثر المجالات عرضة لتأثيرات عولمة تأخذ شكل عصرنة قد تغري أعدادا متزايدة من الأجيال الجديدة.

العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..