ضياع البوصلة الدبلوماسية السودانية: قراءة في استقبال أديس أبابا الفاتر
زهير عثمان حمد
هل هو ضياع البوصلة أم أزمة تصريحات؟
يبدو أن الدبلوماسية السودانية تعيش حالة من التراجع والانفصال عن التقاليد التي صنعت مكانتها تاريخيًا. الحديث عن “ضياع البوصلة” ليس مبالغة؛ إذ باتت التصريحات العشوائية والخطاب المتناقض علامة فارقة للسياسة الخارجية السودانية. بعض التصريحات الأخيرة خرجت عن سياق العقلانية السياسية، ما أدى إلى عزل السودان عن محيطه الإقليمي والدولي. في عالم يعتمد على البراغماتية والتفاهمات، أصبحت هذه المواقف عبئًا على السودان، بدلًا من أن تكون أدوات للدفاع عن مصالحه.
مواقف السودان الدولية ورفضه الانصياع للضغوط الدولية
المجتمع الدولي وجه رسائل واضحة لجميع أطراف الصراع في السودان، مفادها أن استمرار الحرب ليس خيارًا مقبولًا. لكن بدلاً من التجاوب مع هذه الرسائل، يبدو أن السودان اختار مواجهة المجتمع الدولي بمواقف متصلبة وغير متزنة. عدم الانصياع لمطالب وقف الحرب ليس فقط خيارًا خطيرًا، بل هو موقف يضع السودان في عزلة دولية متزايدة، ويفقده حلفاء محتملين كان بإمكانهم تقديم الدعم في هذه المرحلة الحرجة.
الدبلوماسية السودانية: من الإرث إلى الأزمة
لطالما كانت الدبلوماسية السودانية محل تقدير، حيث امتازت بالقدرة على بناء التفاهمات الإقليمية والدولية. لكنها الآن تبدو وكأنها تفقد هذا الإرث. استقبال إثيوبيا الفاتر ليس مجرد حادثة بروتوكولية؛ بل هو مؤشر على تراجع الثقة الإقليمية بالسودان، الذي كان يُنظر إليه كجسر للتواصل بين أفريقيا والعالم العربي.
الطريق إلى إصلاح الدبلوماسية السودانية
لكي تستعيد الدبلوماسية السودانية مكانتها، يجب أن تُبنى سياساتها على أسس واضحة:
وقف الحرب كأولوية وطنية ودبلوماسية: السودان بحاجة إلى إرسال رسائل إيجابية إلى المجتمع الدولي والإقليمي، تؤكد التزامه بالسلام.
إعادة ضبط الخطاب الدبلوماسي: يجب أن يكون خطاب المسؤولين السودانيين عقلانيًا ومتوازنًا، بعيدًا عن التصريحات التي تفتقر إلى الدقة أو الواقعية.
إحياء الشراكات الإقليمية: تعزيز العلاقات مع دول الجوار والاتحاد الأفريقي من خلال مبادرات حقيقية تعكس اهتمام السودان بمحيطه الإقليمي.
العمل على توافق داخلي: لا يمكن أن تنجح الدبلوماسية السودانية دون أرضية سياسية داخلية مستقرة تدعم مساعيها الخارجية.
إن استقبال وزير الخارجية السوداني في إثيوبيا بهذه الطريقة يعكس أزمة أعمق من مجرد لقاء بروتوكولي مختصر. إنها أزمة هوية دبلوماسية بحاجة إلى إعادة بناء، وأزمة مواقف تحتاج إلى رؤية واضحة تعيد السودان إلى موقعه الطبيعي في الساحة الإقليمية والدولية.