مقالات وآراء

مرة أخرى حول طبيعة حرب السودان

د. الشفيع خضر

وصلني عدد من التعليقات على مقالي السابقين تتساءل إن كنت لا أرى سببا آخر للحرب في السودان غير ما جاء في المقالين حول سعي مركز رأس المال العالمي لفرض هيمنته على سيادة البلاد الوطنية.

وبالطبع إجابتي المباشرة هي كلا، رغم أن الدوائر الخارجية لها دور رئيسي إن لم يكن في إشعال الحرب ففي استمرارها وعدم توقفها. فكما كتبت من قبل، أعتقد أن هناك عدة دول، في النطاقين الإقليمي والعالمي، لا ترغب في توقف حرب السودان وتريدها أن تستمر لبعض الوقت. ودليلي على ذلك عدد من المؤشرات، منها استمرار تدفق الأسلحة بكثافة عبر دول في الإقليم، دون أي نية أو اتجاه وسط الدوائر العالمية ذات القدرة لحظر ذلك، مما يعني تشجيع استمرار القتال، وأن جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الدعم السريع، وكذلك جرائم القصف الجوي بطائرات القوات المسلحة والتي تطال المدنيين، لا تواجه برد الفعل المناسب من مراكز رأس المال العالمي. وأن هذه المراكز ظلت، في عدد من تقاريرها الرسمية، تتحدث عن أراضي السودان الحبلى بالمعادن الثمينة المطلوبة عالميا، ولكن ربما الأهم من ذلك تميزها بالخصوبة ووفرة المياه مما يجعلها من ضمن الحلول التي يعتمدها العالم للتغلب على أزمة الغذاء التي تضربه حاليا والتي ستصل القمة بحلول العام 2050. وذات التقارير توصف السودان بالدولة الفاشلة والتي تحتاج إلى إعادة تشكيل وإبدال، عبر الاستحواذ على أراضيها، ولو بالوكالة، لذلك فإن استمرار الحرب يعني استمرار الفشل مما يدفع بتفتت السودان إلى دويلات يسهل الهيمنة عليها. وأصلا يحتل السودان موقعا رئيسيا في مخطط إعادة تقسيم المنطقة على أساس مشروع «الشرق الأوسط الجديد» الذي يسعى لاستخدام الفوضى الخلاقة كآلية رئيسية لتنفيذ هذا المشروع وإعادة تقسيم المنطقة، والسودان في مقدمتها، إلى دويلات دينية ومذهبية ضعيفة ومتصارعة. ويعزز من ذلك موقع السودان الجيوسياسي، والذي جعله في مرمى صراعات الموانئ والممرات المائية الدولية والإقليمية، كأمن البحر الأحمر وأمن وادي النيل، وفي متناول تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي وسعي إسرائيل للتمدد إفريقيا. ومن الواضح أن استمرار الحرب واتساع رقعتها مستخدمة التهجير والنزوح القسري، وفي ظل غياب أي خطوات فعالة وملموسة من قبل المركز الرأسمالي الموحد لإيقافها، فيما عدا التصريحات والإدانات والرحلات المكوكية والمناشدات لطرفي القتال بوقف إطلاق النار، والعقوبات ذات التأثير الضعيف، كل ذلك يخدم هذا المخطط.

ظلت المشاحنات والاحتكاكات بين الطرفين، الصريح منها والمستتر، تتفاقم وتتبدى صراعا صريحا حول النفوذ والسلطة، وأخذ كل طرف يسعى للاستقواء بحلفائه

لكن كل هذا الحديث عن دور العوامل الخارجية في اندلاع حرب السودان واستمرارها لا ينفي ولا يتناقض مع مجموعة العوامل الداخلية التي كلها تسهم بهذا القدر أو ذاك في استمرار أوار الحرب، ومنها:

لا يمكن اختزال سبب الحرب في الخلاف حول ترتيبات دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية. فقيادة الطرفين رضعتا من ذات الثدي، وصنعتا معا تاريخا مشتركا في دارفور وفي حرب اليمن، وتاريخا آخر أثناء ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 وما صاحبها من أحداث جسام، بدءا بما جرى في 11 و13 أبريل/نيسان 2019 ومرورا بمذبحة فض اعتصام ميدان القيادة العامة في 3 يونيو/حزيران 2019 وانقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، كما تتشاركان ذات العلاقة الخاصة مع حلفاء خارجيين، في الخليج العربي وفي شرق البحر الأبيض المتوسط. هذه السمات المشتركة، وغيرها كثر، كان من الممكن أن تجعل من الخلاف حول الترتيبات العسكرية أمرا يمكن معالجته بكل بسهولة، خاصة أن مسألة دمج القوات أصلا ليست بذلك التعقيد العصي على الحل. وعلى الرغم من ذلك، ظلت المشاحنات والاحتكاكات بين الطرفين، الصريح منها والمستتر، تتفاقم وتتبدى صراعا صريحا حول النفوذ والسلطة، وأخذ كل طرف يسعى للاستقواء بحلفائه. نشير إلى رفضنا لما ظلت تردده إحدى الدوائر الإقليمية في بدايات الفترة الانتقالية حول ضرورة حل الجيش السوداني باعتباره بؤرة للحركة الإسلامية وبناء جيش جديد أساسه قوات الدعم السريع.

وعلى عكس ما يروج له البعض من أحاديث مفخخة، فإن الحرب لم تندلع بسبب الخلافات حول الاتفاق الإطاري، وإنما اشتعلت لتحرقه ومعه مجمل العملية السياسية بصيغتها قبل الحرب، بل ولتصيب حراك الشارع بالشلل، تمهيدا لحرق ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، وعودة تحالف الفساد والاستبداد إلى سدة الحكم، إما عبر عصابات الموت وكتم أنفاس الشعب، أو عبر عملية سياسية جديدة وفق صيغة «لا تستثني أحدا» في إشارة إلى حزب المؤتمر الوطني البائد.

صحيح أن فشل فترات الانتقال السابقة في السودان كان نتيجته انقلابات عسكرية، ولو بعد فترات ديمقراطية قصيرة فاشلة أيضا، ولكن كان واضحا أن الفشل في الفترة الانتقالية الأخيرة سيؤدي إلى نتائج تختلف نوعيا. فمنذ الإطاحة بالبشير والبلاد تعاني من حالة السيولة السياسية بسبب ما أصاب النخب السياسية من تشظ وتوهان وتخوين وعدم الاعتراف المتبادل بينها، وهو وضع ولغت فيه النخب حدا ظل يدفع الفترة الانتقالية بقوة نحو الفشل. وعند اقتران هذا الوضع بالنزاعات القبلية والعرقية الدامية المتفجرة في أنحاء البلاد المختلفة، وبالتوترات الناتجة من وجود عدة جيوش في البلاد، وبالاحتكاكات المتصاعدة بين قيادة الجيش السوداني وقيادة قوات الدعم السريع، فإن فشل الفترة الانتقالية لم يكتف هذه المرة باستدعاء الانقلاب العسكري، وإنما قذف بالبلاد في أتون الحرب المدمرة.

الحديث عن مسببات الحرب ليس ترفا نظريا، أو مجرد تمرين ذهني، وإنما ضرورة لبحث كيفية إيقافها. والصراع على السلطة، أو محاولات النظام البائد للعودة، هي من أسبابها الحقيقية، ولكن لا يمكن اختزال الأمر في هذه العوامل الداخلية وتجاهل أنها أيضا حرب ضد السيادة الوطنية وبهدف تقسيم السودان، كما ناقشنا في مقالينا السابقين. وإذا القوى المدنية تسعى فعلا للتوافق حول رؤية لوقف هذه الحرب، فأعتقد بضرورة انتباهها إلى هذه النقطة.

القدس العربي

‫4 تعليقات

  1. أنت تقرر في بديهيات … السيادة الوطنية والكرامة الوطنية هذه من أوهام شعوب العالم الثالث … العالم يفهم لغة واحدة وهي المصالح المادية الصرفة … مصر أو الأمارات أو الولايات المتحدة أو الصين لا تدعم الحرب في السودان من أجل أوهام عاطفية مثل السيادة أو من أجل الانتقام أو لأنهم يكرهون السودانيين أنهم يفعلون ذلك من أجل المصالح المادية البحتة أي المكاسب إذا كانت في شكل مياه أو أراض أو ثروات معدنية كلها في النهاية مصالح مادية تتحقق لهم من خلال الحرب التي تفتت السودان وتجعله ضعيفا وخاضعا يسهل نهبه وهذا ليس حكرا على السودان فالعلاقات بين كل دول العالم تحكمها المصالح، إذا كنت قويا سيسعى الآخرون لتحقيق مصالح مشتركة معك وإذا كنت ضعيفا سيحققون مصالهم دون اعتبار لمصالحك … وسيسعون إلى إضعافك لأكثر لكي ينهبوك أكثر ويحققوا مصالحهم المادية الصرفة

  2. هذا المقال ما هو إلا تكرار لما كتبته من قبل يا دكتور مع احترامنا لوجهة نظرك ، ولكن نراك قابع فى مصيدة المجاملة و الارضاء ولا اقول صراحة النفاق احتراما لك. اسلوب المجاملة والارضاء يجعلك دومآ تدور حول المشكلة ولا تسميها من جانب وتقترح الحلول التى ترضى من تحب أن ترضيه وتعلم فى نفس الوقت انها لم ولن تحل المشكلة وذلك من جانب اخر.لقد تحدثت وتحدث غيرك عن الانقلابات وحكم العسكر ،ولكن لم تتحدث عن اسباب الانقلابات فى السودان!!!! وهنا يكمن جوهر المشكلة وهو الاقصاء الايدولوجى الممنهج المتبادل بين اليمين العريض واليسار العريض فى السودان. هذا هو جوهر المشكلة السياسية السودانية المزمنة والحادة التى تدور وتلف حولها مقالاتك ،بل وتمضى ليس فقط فى تجاهلها بل فى تعزيزها وتعقيدها أكثر وأكثر. الانقلابات السابقة والحرب الحالية سببها الجوهرى هو الاقصاء الايدولوجى ومحاولة الانفراد الايدولوجى بالسلطة وتحويل اتجاه الدولة والحكومة °180درجة من اليمين إلى اليسار العريض هكذا بضربة لاذب.لكن التغيير دع عنك التحول الكامل لا يمكن أن ينجز بضربة لازب بل يحتاج لإدارة كاملة بمعنى الادارة كما يقول علم إدارة التغيير أو بالانقلابات، اوفرضه فرضا ابى من ابى ورضى من رضى. عليه نحتاج أن لك يا دكتور أن تساعد شعب السودان فى كيفية تعايش الايدولوجيات المتصارعة فى السودان لتصبح متناصرة من أجل المواطن السوداني الذى لم يستقر حاله منذ الاستقلال بسبب الصراعات الايدولوجية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والامنية والسياسية والثقافية. نرى أن هذه المشكلة يمكن جلها اذا تمت مخاطبتها. وثمة ملاحظة اخيرة ، كثيرا ما تستخدم اسلوب الأحكام والجزم بالنفى أو التأكيد، بأسلوب الجمل المرسلة ، هكذا بلا تسبيب عميق على قضايا شائكة مثل أن تنفى كهذا بلا تعليل و تحليل منطقى أن الإطاري ليس سبب الحرب فى الوقت الذى شهد فيه حميدتى أنه سبب الحرب . اذا ،كما قلت ، معرفة أسباب الحرب ليس ترفا ونتفق معك ، فنرجوا شاكرين أن تدلنا ، وانت من انت ، على الأسباب الجوهرية لهذه الحرب. كما نرجوا أن تمضى قدما لاجتراح الحلول، وانت الطبيب، حتى ولو كانت مؤلمة بلا مجاملة أو ارضاء لأى طرف من الأطراف. نحن فى انتظارك، مع الشكر والتقدير

  3. السودان دولة ليست دولة كما عامة الدول ارضا وشعبا ومواردها وموقعها يعني نحن جزء من هذا العالم لكن بي حقنا وما من الله علينا من خيرات داخل وخارج الارض وساحل هي جزء اساسي من عوامل الصراع الذي ندفع ثمنه نحن كمواطنيين وما فعله نظام البشير في التركيبة السكانية وما فعله بالجيش واضعافه وتحويل الغلبة للملايش اما ضباط الكلية الحربية بغض النظر وضع نقطة وانا مسؤول ضباط الكلية الحربية مهما كان منظم لاي حزب انتمائه للجيش اولى من حزبه هذه حقيقه وراجع السبب الحقيقي في استقالة الفريق وكان رئيس هيئة الاركان (عصمت عبدالرحمن ) عندما كان وزير داخلية الخلافات تعود إلى انحياز رئاسة الجمهورية إلي جانب قوات الدعم السريع عقب الخلاف الذي شب بينها ووزارة الداخلية علي منطقة جبل عامر الغنية بالذهب……….
    وكان وزير الداخلية المستقيل قد طالب الجيش السوداني الشهر الماضي بضرورة التدخل في منطقة جبل عامر غربي السودان والتي وصفها الوزير بأنها محتلة من قوات أجنبية. ……. الكلام دا في عام 2017 قبل الثورة …..استحمل كلامي وربطه مع بعض لان تعليقي ردود من داخل المقال …. نرجع لراس المال العالمي هل في جهه ناقشت بايفاضه سبب خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي ما هي الدوافع وهل في زول كان يتخيل بان بريطانيا تخرج واذا سالت اي انسان عدد لي دول اوربية يبدا ببريطانيا ؟؟؟؟؟؟؟ هل هي تكتيكات وامور مظبطة مع امركا والصهيونية العالمية ولماذا حرب روسيا واوكرانيا مع العلم اوكرانيا هي المغزي الاول لاوربا من الزراعه وافريقيا والعرب والغاز الروسي هو صمام امان اغلب دول اوربا هل اوربا كانت توافق دخول هذه الحرب لو لا الهيمنة الاقتصادية لراس المال العالمي من قبل امركا امركا تهيمن على راس المال الاوربي يمين شمال الخلف دور امركا مع اوربا اليوم الاتحاد الاوربي اليوم قد يكون اقرب لمستوى جامعة الدول العربية او الاتحاد الافريقي من الهزال والضعف … وراجع وزير ايطالي ماذا قال عن فرنسا لدرجة تم استدعاء سفير ايطاليا بخصوص اتهامه لفرنسا انت سارقة للثروات الافريقية فرنسا دولة حرامية فقط لا تملك اقتصاد حقيقي الكلام دا حصل في خلاف في كيكة ليبيا بترول وغاز ليبيا .. العالم كله يمر بمشاكل طاقة ومياه والطاقة خاصة اليورانيوم والاثنين متوفرين بالسودان خلاف معدن الذهب ومعادن اخرى البترول ما عاد هو الاهمية كما اهمية المياه الاراضي الزراعية واليورانيوم ونحن دولة زي الفتاة البكر بعد كل هذه السرقات خلاف ساحل البحر … قضية السودان تتمثل فيكم وانت من ضمن النخب السودانية المطلوب منكم جمع شمل ولقاء لكل نخب السودان وليس النخب المؤدلجة المنظمة عبر الوراثه او القبيلة وان كان فيهم الاخيار برضوا لا تتركوهم قدموا الدعوة من اجل شمل نخب الوطن انسوا المواطن المواطن السوداني ما عنده اي مشكلة مع بعضنا فقط مشكلة السودان في ظهور نخب الغفلة عبر المال الخليجي والاقليمي والدولي ممولين من منظمات مشبوهه مهتمين حقوق المراة واغتصبوها الخ اخره من كلام فارغ وهم يعلمون علم اليقين نفسية وطبيعة نشاة الانسان السوداني من البيت يعيب هذه الامور لكن ادوات للخراب وشاهدنا هذا ايام الثورة كيف استطاع الكيزان تحويل الجماهير الغفيرة المناهضة لهم الى ضد الثورة يطلع امثال البوشي وغيرهم لامور لم يحن وقتها ولم يكن هم بالاساس اهل للمكان والامر الذي يطرحونه للتذكير راجع خطاب للبوشي وامامه جمع من المراهقين والشباب تاني ما في زول يسال اخته ترجع نص الليل كنتي وين وهذا على الملا وهؤلاء لهم اباء وامهات تخيل وقع الكلام واثرة وضرره على التغيير … انا بكتب بدون تحضير فقط زول بعلق وعلى الماشي وانا في دوامي اكرر كلامي يادكتور الشفيع اسعى لجمع اكبر عدد من النخب السودانية وخليك شجاع ما تهتم بالمضايقات او الاتهامات انت لمن كنت وزير وقلت رايك اتهموك بالكوزنه وقدمت استقالتك لا نريد منك الضيق العمل العام يحتاج صبر ومثابرة لازم تكون جلد قوي الارادة لا تنهزم او تغضب تترك مكانك فارغ وهو المطلوب اجمع اكبر عدد من شتى مناطق السودان ومن شتى الاحزاب ومن خارج الاحزاب الهم العمل للوطن بعيد من اي حزبية سوف تجد مفتاح الحل لهذا الوطن سياسة الاقصاء سلاح هدام حتى لمن يستعمله سوف تدور عليه الدوائر تقبل تحياتي وراي المتواضع بدون ترتيب مسبق

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..