مقالات وآراء

استعراض كتاب “رسائل من الخرطوم، دي. آر. إيوان: تدريس الأدب الإنجليزي بالسودان بين 1951 – 1965م”

بدر الدين حامد الهاشمي

Jamie S. Scott جامي اسكوت
تقديم: هذه ترجمة استعراض قصير لكتاب رسيل ماكدوقل المعنون: “رسائل من الخرطوم … 1951 – 1965م”، نشره جامي اسكوت Jamie S. Scott يوم 11 سبتمبر 2024 م في مجلة “كتابات ما بعد الاستعمار/ الكلولونيالية Journal of Postcolonial Writing”.
وكان مؤلف الكتاب يعمل أستاذاً بكلية العلوم الإنسانية والفنون والعلوم الاجتماعية والتربية في جامعة نيو انجلاند بأستراليا، وهو من الباحثين في مجال الأدب المقارن المكتوب باللغة الإنجليزية في أستراليا والكاريبي وغرب أفريقيا، ومن المهتمين بنظرية ما بعد الكلولونيالية والأصالة (indigeneity).
ويعمل كاتب الاستعراض جامي اسكوت أستاذا شرفياً في قسم الدراسات الإنسانية بجامعة يورك الكندية، وهو من المهتمين بالبحث في شؤون الأديان العالمية في كندا، والدين والسينما، والدين والعمارة، والسياحة الأدبية والتراث الصناعي.
المترجم
************* *********** ************
سعى رسيل ماكدوقل في كتابه المعنون “رسائل من الخرطوم، دي. آر. إيوان: تدريس الأدب الإنجليزي بالسودان بين 1951 – 1965م” لاستعادة وإعادة إحياء الأوقات التي قضاها دي. آر. إيوان (1925 – 2018م) في تدريس الأدب الإنجليزي بالسودان في قسم اللغة الإنجليزية بكلية غوردون التذكارية، التي غدت فيما بعد كلية الخرطوم الجامعية، ثم جامعة الخرطوم. وقام ماكدوقل (الذي تقاعد حديثاً عن العمل في جامعة انجلاند بأستراليا) بتهيئة الأجواء بعرضه لسرديات عن أسلوب إيوان التربوي بحسبانه رجلاً اسكتلندياً فخوراً عمل في تشكيل العقول في مستعمرة بريطانية. وكان قد سبق لإيوان أن صرم سنوات صباه وشبابه الباكر في مدينة أبردين بإسكتلندا، ثم التحق بالبحرية الملكية إبان الحرب العالمية الثانية، ودرس بعد انتهاء الحرب في جامعة أكسفورد، ووجد له وظيفة تدريسية بالخرطوم. وعرض ماكدوقل أيضاً للمصادر التي استقى منها كتابه، ولطبيعة النظام التعليمي الثلاثي، وأعداد الطلاب السودانيين، وللعلاقات التاريخية بين السودان وبريطانيا العظمى. وخصص المؤلف فصلاً كاملا لكل عام قضاه إيوان في السودان، إلا أن أطوال تلك الفصول كانت تتناقص تباعاً مع مرور الأعوام، خاصةً بعد أن غدت الصراعات الداخلية هي السمة الغالبة لسنوات السودان الباكرة بعد نيله للاستقلال، حتى قرر إيوان أخيراً – وهو يحس بالأسف والحسرة – الرحيل عن البلاد من أجل سلامته الشخصية. وانتقل للعمل في أونتاريو بكندا، رئيساً لقسم الأدب الإنجليزي في جامعة سادبيري Sudbury.

وعلى الرغم من أن كتاب “رسائل من الخرطوم، دي. آر. إيوان … بين 1951 – 1965م” يركز على فترة زمنية قصيرة نسبياً في حياة شخصية تحمل نفس الاسم في مكان معين، إلا أن السرديات فيه تتنوع على نطاق واسع. فمحلياً، نتابع الصعود والهبوط في أيام إيوان في الخرطوم: فعلى سبيل المثال كان الرجل يشكو من الإحباط الذي أصابه من كَمْ الأوراق التي كان عليه تصحيحها، أو التناقضات الغريبة والمزعجة عند بعض الزملاء، والفرح الذي يحس به وهو يتابع تقدم طلاب معينين، أو شعوره بالفخر لنيل حديقته لجائزة ما، أو نجاح أول حفل كوكتيل أقامه، أو المواهب التي لا حدود لها التي بدت جَليَّة عند مايكل لادو أجيناسكي “الخادم والطباخ في منزل إيوان بين عامي 1956 – 1965م”. وعلاوة على ذلك، نقرأ عن إيوان وهو يَدْرُسُ في مدرسة صيفية في بلدة أركويت الواقعة على تلال خلابة، أو في عطلة لاستكشاف المواقع التاريخية في سامارا Samara وأكسوم وغوندار في إثيوبيا. وكان يُثْرِي رحلاته لموطنه بحضور الحفلات الموسيقية والمسرحيات، وأهم من كل ذلك أنه كان يستمتع بزياراته لأمه الحبيبة آغنيس إيوان في أبردين. ويذكرنا كل ذلك بأن الطائرة النفاثة (كومت) لم تقصر الزمن والمسافة للوصول لبريطانيا العظمى من السودان فحسب، بل كانت قد آذنت بنهاية عصر السفر الأكثر راحةً وتمهلاً على متن السفن البحرية. وفي ذات الوقت ظل روتين الحياة اليومي عند إيوان يضطرب بصورة تدريجية ومتزايدة، وذلك بسبب تفاقم القلق من الصراعات بين شمال السودان وجنوبه، والمسلمين والمسيحيين، والعرب والأفارقة، وفي أوساط عدد من المجموعات القبلية والإثنية؛ ووضعت كل تلك العوامل الوحدة الهشة لذلك البلد – الذي نال استقلاله منذ سنوات قليلة – تحت تهديد الانفصال.

وفي أوسع نطاق لها، تضع سردية ماكدوقل سنوات إيوان بالسودان في سياق اتجاهات تاريخية متباينة ومتشابكة، لا سيّما العلاقات المتغيرة بين السودان والدول المجاورة، وخاصة مصر؛ والمستشارين في حكومة ويستمنستر؛ وتهديد اندلاع حرب نووية وسط مخاوف عالمية من الحرب الباردة. وربما كان من الملائم، أن ينتهي هذا الكتاب على نغمة حزينة، بل ومأساوية. تخبرنا كلمة ماكدوقل الختامية عن وفاة والدة المؤلف آغنيس، وانحدار السودان إلى حالة الفوضى العنيفة التي استمرت حتى اليوم، سواءً داخل البلاد أو عبر حدودها، غير أن فشل علاقة إيوان بشاكي كشكيكيان Keshkekian (1) شريكته السابقة، طغى بطريقة ما حتى على هذه الأحداث، لأنه “عندما ماتت، في المقدمة وفي وسط خزانة غرفة نومها (…) وجدت من كانت ترعاها صورة فتوغرافية واحدة: إيوان وهو مَطويّ الذراعين، ومبتسماً للكاميرا (ص 337). وفي الواقع يتركنا كتاب “رسائل من الخرطوم …” مع شخص مُتوحِّد ومنعزل بصورة حزينة، بقي منفرداً حتى عندما قَضَى نَحْبَه. كتب ماكدوقل: “لم يُقَمْ للرجل مأتم، فقد كان قد أوصى بعدم إقامة أي نوع من أنواع المراسم الجنائزية له” (ص 379).

وكان ماكدوقل قد أفصح في بداية كتابه عن إيوان عن اطروحته المركزية فكتب ما يفيد بأن “قصة إيوان مهمة لأنها تقدم لنا دراسةً عن تطور الذات الخاضعة والمتحررة من الكلولونيالية بشكل تدريجي” (ص 2). وتقدم لنا السردية بلا ريب صورةً ممتعة ومشوّقة لشخصيتها الرئيسية: مُدَرِّس ومثقف كولونيالي صار شاهداً متعاطفا (رغم إيثاره للتباعد والانعزال بعض الشيء) على حصول السودان على استقلاله الوطني بصورة سلمية، ثم انحداره للفوضى في خضم صراعات إقليمية ودولية صاحبت عملية “إنهاء/ تصفية الكلولونيالية decolonization” في أفريقيا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وبهذا الفهم فإن كتاب “رسائل من الخرطوم…” يقدم لنا مثالاً على نوع من أنواع الكتابة عن حياة شخص ما. وعلى الرغم من ذلك، فهذا الكتاب يستعصي على التصنيفات الأدبية السهلة؛ فهو يقوم على مصادر أولية وثانوية شملت الصور الفتوغرافية والبطاقات البريدية؛ والوثائق الحكومية والدبلوماسية؛ والصحف والمجلات، ومحفوظات وسجلات الجامعة، والكتابات الأدبية المحكَمة؛ والأهم من ذلك كله هي كتابات إيوان نفسه، التي شملت بعض الأشعار، ومذكرات محاضراته، ومذكرات شخصية، ومراسلاته الكثيرة لأمه آغنيس. وبالإضافة إلى ذلك ما سطره في “من هو بسودان إوين Who’s who of Ewen’s Sudan “، وهي سِيَر مفيدة ومتفاوتة الطول لعشرات الشخصيات التي سكنت عالم إوين. وفي حالات قليلة أفسدت بعض الأخطاء في نصوص الكتاب متعة القراءة: فقد يجد القارئ هنا وهناك كلمة مفقودة، وبعض الحواشي في غير محلها؛ وإفراط في علامات التعجب؛ وتكرار غير محرّر unedited لعبارة أو حتى لجملة كاملة. ولكن بغض النظر عن هذه الانتقادات الطفيفة، فإن هذا الكتاب يتيح لنا قراءة رائعة وعظيمة الفائدة. ويقدم الكتاب أيضاً مساهمة أصلية ومهمة لدراسات ما بعد الكلولونيالية. ومن المأمول أن تساهم المجلدات اللاحقة في سلسلة “حيوات ما بعد الكلولونيالية Postcolonial Lives” (التي كان كتاب “رسائل من الخرطوم …” أول إصدارتها، في تطوير هذا المنظور المختلف والمثير للحماسة في هذا المجال من الدراسات.
********
إحالات مرجعية
1/ للمزيد عن السيدة Shaké Keshkekian يمكن النظر في الرابط: https://shorturl.at/FXXXe

[email protected]

سودانايل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..