ما آثار عزلة السودان أفريقيا؟
منى عبدالفتاح
كان من الممكن أن تعد مسألة إعادة عضوية السودان إلى الاتحاد الأفريقي دعماً لدولة عضو في المنظمة الإقليمية، وفقاً لميثاق الاتحاد، ولكن هناك اتهامات بأن قادة الاتحاد و”إيغاد” تحركهم دوافع شخصية ومصالح اقتصادية وجيوسياسية متعلقة ببلدانهم الأصلية.
لم يبدأ السودان في تحقيق أي تقدم لتلافي الآثار الناجمة عن الحرب التي اندلعت في الـ15 من أبريل (نيسان) 2023، وبعد ما يقارب عامين من العنف جلب موقف الاتحاد الأفريقي الذي رفض إعادة عضوية السودان مزيداً من تعقيد الوضع، لا سيما في ظل مجتمع مدني منقسم ومشهد سياسي مأزوم وتوترات إثنية متفاوتة في تصاعدها. وكان الاتحاد الأفريقي قد علق عضوية السودان بعد أن فرض رئيس مجلس السيادة والمجلس العسكري الفريق أول عبدالفتاح البرهان إجراءات عطل، وفقها، العمل بالوثيقة الدستورية في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، مما مثل انقلاباً على الحكومة الانتقالية. وموقف الاتحاد الأفريقي تجاه السودان الذي يراه بعض المراقبين مفتعلاً وجديداً بدأ في التغير في أعقاب إسقاط الرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019 بعد انتفاضة شعبية بدأت في ديسمبر (كانون الأول) 2018.
أمهل الاتحاد الأفريقي المجلس العسكري شهرين لتسليم السلطة إلى حكومة انتقالية بقيادة مدنية إثر الأحداث المصاحبة للانتفاضة، ومنها أحداث ميدان الاعتصام التابع للقيادة العامة للقوات المسلحة، التي وقعت في يونيو (حزيران) 2019، واتهم فيها الأمن الشعبي وقوات الاحتياط المركزي التابعة للنظام السابق، ودورهم في قمع المتظاهرين وحوادث القتل والاختفاء القسري والاغتصاب. وعلق مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي مشاركة السودان في جميع أنشطة الاتحاد الأفريقي حتى تم التأسيس للسلطة الانتقالية بقيادة مدنية، وعدت السبيل الوحيد للسماح للسودان بالخروج من أزمته.
الآن جاء رفض إعادة عضوية السودان خلال الاجتماع التشاوري السنوي الـ15 بين مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي ونظيره الأوروبي في أديس أبابا، إذ أكد مفوض الاتحاد الأفريقي بانكولي أديوي موقف الاتحاد الثابت ضد الانقلابات غير الدستورية في القارة، وأن الاتحاد الأفريقي يعمل بالتنسيق مع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “إيغاد” والأمم المتحدة، لإيجاد حل عملي للأزمة السودانية يركز على تحقيق وقف إطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
علاقة معقدة
وبينما كانت للدول العربية جهود ومحاولات لحل الأزمة السودانية استمرت طوال العام الماضي، نتجت منها الاتفاقات التي توصل إليها في “إعلان جدة” برعاية السعودية والولايات المتحدة، لم يكن هناك اهتمام أفريقي موازٍ في المقابل، فتدهورت على أثره علاقات السودان بمحيطه الأفريقي، كما بدأ تعاطف المحيط العربي في التلاشي لا سيما وسط الصراع والأزمة في غزة.
عديد من الأفارقة يرون أن تعاطي الاتحاد الأفريقي مع بعض أزمات القارة خصوصاً الأزمة السودانية مخيب للآمال، بسبب أن كثيراً من القرارات يعهد بها إلى هيئات إقليمية أقل، وأنه كانت لولاية لجنة التحقيق التابعة للاتحاد الأفريقي تجاوزات خلال أحداث عدة منها في السودان وجنوب السودان، ولا يزال الاتحاد الأفريقي يعاملهما كبلد واحد، ليتخلص من العبء الذي يمكن أن يقع على عاتقه بمواجهة أزمات دولتين فاشلتين في الشمال والجنوب ومؤثرتين في الأمن الإقليمي بدلاً من دولة واحدة فاشلة.
بعد استقلال جنوب السودان كان للاتحاد الأفريقي علاقات وثيقة معه، وتدخل في أوقات عدة في محاولات تسوية القضايا العالقة مثل النفط الذي تم نقله عبر خطوط الأنابيب التي تمر عبر الشمال وصولاً إلى ميناء التصدير في بشائر بشرق السودان، وتدخل في قضية ترسيم الحدود التي كانت محل نزاع وتحولت إلى قضية عالقة. ومع ذلك لم تكن علاقات الاتحاد الأفريقي متناغمة طوال الوقت مع السودان، إلا بالقدر الذي يرعى فيه مصالح جيرانه وأبرزهم تشاد وجنوب السودان. ومع ذلك، ربما يكون لعلاقة السودان المعقدة والمرتبطة بالاتحاد الأفريقي تأثير كامل في مساره كدولة، سلباً مع الصعوبات التي يواجهها، أو إيجاباً مع الآفاق التي ظهرت خلال الفترة الانتقالية إلى أن اندلعت الحرب.
مسؤولية قاصرة
وكان من المقرر أن يناقش الزعماء الإقليميون في الاتحاد الأفريقي الأزمة السياسية والاقتصادية الناجمة عن الحرب التي استمرت قرابة عامين، ولكن عهد بهذه المهمة إلى مجلس السلم والأمن الأفريقي. وكان المجلس قد طلب في أكتوبر الماضي من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد إعادة فتح مكتب الاتصال التابع للاتحاد الأفريقي في مدينة بورتسودان، المقر الحالي للحكومة السودانية، ورحب باستعداد رئيس مجلس السيادة الانتقالي لتشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية.
وكان من الممكن أن تعد مسألة إعادة عضوية السودان إلى الاتحاد الأفريقي دعماً لدولة عضو في المنظمة الإقليمية، وفقاً لميثاق الاتحاد، ولكن هناك اتهامات بأن قادة الاتحاد و”إيغاد” تحركهم دوافع شخصية ومصالح اقتصادية وجيوسياسية متعلقة ببلدانهم الأصلية وموقفها من الحرب في السودان، مما أثر في تلقي القرار.
ويأتي التعقيد المزمن لعلاقات السودان مع الغرب ضمن تحليل سياق قرار الاتحاد الأفريقي، إذ أثرت العلاقات بين الاتحاد والسودان مع روابطها الوثيقة والتاريخية بالغرب خصوصاً الولايات المتحدة بصورة أكبر في قرار رفض إعادة العضوية، وذلك بمحاولة الاتحاد إبداء حرصه على ضرورة أن تتولى الحكم في السودان حكومة مدنية، على رغم أنه يغض الطرف عن حكومات أفريقية أخرى إما عسكرية أو تتجنب خوض الانتخابات.
ويخشى الاتحاد الأفريقي أن يستخدم الفريق البرهان، مرة أخرى، السودان كقاعدة خلفية للإسلاميين، كما فعل نظام الرئيس السابق عمر البشير. وإضافة إلى أن معظم دول الاتحاد لديها مصلحة مشتركة في استقرار السودان، كذلك ترى أن استعادة النظام السابق ستقلص فرص الاتحاد في أن يبرز كقوة إقليمية في أفريقيا.
هذه الديناميات الإقليمية، التي تعد أكثر أهمية من اعتبارات المكاسب الاقتصادية في التأثير في القرار الأولي باستمرار تعليق عضوية السودان، تفوقت على الآراء المضادة التي تتبناها دول أخرى تبدو على تحالف غير معلن مع قيادة الجيش. ولم يظهر أي اعتبار لدى هذه الأطراف للتأثير السلبي للقرار في اقتصاد السودان الهش بالفعل، وعلاقاته المتوترة مع المانحين الأجانب.
انقسامات الاتحاد
وحث مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على حظر الأسلحة في دارفور حيث استمر الصراع المسلح، ولكن الأمم المتحدة واجهت صعوبة في تنفيذ هذا الحظر. وواجه الاتحاد الأفريقي انتقادات قاسية في شأن فعاليته في مساعدة الأمم المتحدة في تبني هذا القرار، وما يتعلق بالمصالحة وبناء السلام ومشروع التماسك الاجتماعي، الذي سلطت مطالبة مجلس السلم والأمن الضوء عليه بصورة عابرة، سواء من داخل السودان كالتزامات سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية، أم عبر تدخل حفظ السلام.
والسؤال هنا هو كيف للاتحاد الأفريقي أو “إيغاد” أن يحققا السلام من خلال التوسل لإقناع الجنرالين اللذين يتمتعان بالسلطة، وفي الوقت نفسه، إخبارهما بضرورة التخلي عنها ومواجهة القانون، لا سيما أن الصراع برمته يدور حول الاحتفاظ بالسلطة أو الاستيلاء عليها وكل الموارد التي تأتي معها؟
وأظهر هذا الخلاف، مثل غيره من أزمات يكون الاتحاد الأفريقي طرفاً فيها بدلاً من كونه مدخلاً للحل، الرابط بين الانقسامات داخل المنظمة. وثار جدل واسع حول المدى الذي يجب أن يمتد البحث فيه عن العدالة والمساءلة في مثل هذا المناخ السياسي والأمني المتصاعد التوتر.
ويعبر عن ذلك حديث مفوض الاتحاد الأفريقي بانكولي أديوي عن مقترح نشر بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان، وذكر أنه مشروط بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بصورة مستديمة، ومؤكداً أنه لا يمكن التوصل إلى حل عسكري للأزمة من دون مشاركة فاعلة من المدنيين والقوى السياسية. واستناداً إلى هذه الرؤية، فإن طرفي النزاع قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان وقائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو “حميدتي” يجب أن يتحملا المسؤولية النهائية عن إغراق البلاد في هذه الحرب. وعليه فإن أي ترتيب مستقبلي يجب أن يكون مبنياً على هذه الحقيقة، وما قد ينتج من العمليات التفاوضية الجارية، وآخرها اجتماع “الآلية الرباعية” في شأن السودان التي تضم السعودية والإمارات والولايات المتحدة ومصر، والتي عقدت اجتماعها الأخير على هامش الاجتماع الوزاري الثاني لوزراء خارجية دول “مجموعة السبع” بمدينة فيوجي بإيطاليا.
اندبندنت عربية
اي مشكلة في بلد أفريقية تم حلها بواسطة الاتحاد الافريقي. بلاد في نفسها غرقانة في الفقر والجهل والحروب، فكيف لزعماءها يحلون مشاكل دولة اخري..