أنا وطنٌ تؤرّقه الدموع

حمزة محمد حمد
السودان “قبلًا” بلد المليون ميل مربع ، وسلة غذاء العالم .. هل كان ذلك كله مجرد شعارات زائفة برّاقة خدّرت مشاعر السودانيين لعقود من الزمن ، ودفعتهم إلى السكون والتسلّي فقط بأدبيات حقبة الانجليز وما تلاها من رفاهية قصيرة مغشوشة وعابرة كساحبة صيف سرعان ما انكشفت عن شمس ساطعة حارقة؟!.
نعم ؛ قد تصبح بعض الأماني المعسولة العذبة نقمة على أصحابها إذا لم يمحّصوها ويُخْضِعوها إلى خارطة طريق واضحة المعالم ، شاهدة على عمقِ فهمِ ووعي القائمين على برامج التخطيط حتى تضحى تلك الأحلام واقعًا ملموسًا في يوم من الأيام .. وهذا يتطلب جهدًا كبيرًا ومضاعفًا من الإدارات المتعاقبة في تدشين المشاريع القومية والبنى التحية اللازمة لتلك المشاريع حتى ترى النور ويعود نفعها على المواطن في المدن والأرياف .. وليس فقط واجب الإدارات القيام بتلك المشاريع الضخمة ، بل واجبها رعايتها وحمايتها وصيانتها مما يلحق بها من ضرر ناجم عن عوامل أخرى بيئية طبيعية أو سياسية أو اجتماعية.
كان السودان -وما زال- يختزن مواردًا طبيعية هائلة فوق الأرض وباطنها -رُغم اقتطاع جزء عزيز منه- ولكن هذا البلد وإنسانه غير محظوظين أبدًا في الاستمتاع بتلك الموارد على مر الحكومات المتعاقبة.
ولا يخفى سر ذلك البؤس والفقر والتعاسة على أقل الناس فهمًا ووعيًا بأن وراءه إدارات ذاتية نرجسية ، لا يهمها إسعاد المواطن السوداني بقدر ما يهمها إسعاد نفسها ومن حولها من المقربين والأنصار فقط.
ومن سوء طالع شعبنا وبلدنا السودان نشوب هذه الحرب غير المبررة على الإطلاق ؛ ما زاد الطين بِلّة، وفاقم من مشكلة المواطن السوداني والمشاريع القائمة التي كانت في حاجة إلى صيانة وإعمار. بل دُمّرت أكثر البنى التحتية “على حالها المتهالك” مع مسيس حاجة الناس إليها ، وفقدت كثير من العائلات مأواها ومصادر رزقها.
كل هذا يحدث من قيادات مدنية وعسكرية وجدت نفسها في سُدّة الحكم على حين غرّة ؛ فبدلًا من أن تبني اتجهت إلى الهدم والخراب والدمار ، وكأنّ شيئًا ثَمَّة ، مدبّرًا بحبكة ورعاية من جهات مشبوهة لا تريد لهذا الشعب الكريم المضياف حياةً آمنة مستقرة يسودها السعادة والرفاه.
ولكن بعد كل عسرٍ يسرا ، ولن يغلب عسرٌ يسرين.
ومع أنفاس كل صباح ، تحدونا بارقة أمل رغم المآسي والمعاناة ، وأنّات الثكلى ، وزفرات الرجال الحرّى ، وعيون اليتامى والمعذبين الدامية.
نعم ؛ رغم كل هذه الدموع يحدونا ذلك الأمل المشع ؛ وقريبًا بإذن الله نوقد الشموع فرحًا بنصرٍ قريب.