مقالات وآراء

“طُزْ” في السودان .. ومرحباً بماليزيا واسطنبول ضمن مكان “متلازمة الخبل الجمعي” وزمان “انسكاب المجاعة في العقول” !!

 

رشاد عثمان

في أبريل من العام ٢٠٠٦ أجرى الكاتب الصحفي الحاذق لمهنته سعيد شعيب حواراً مع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين المصرية محمد مهدي عاكف نُشر في مجلة روز اليوسف وأثار ضجةً حينها ..
ضمن مجريات الحوار .. سأل شعيب المرشد : لو أن من يحتل فلسطين مسلمون من آسيا مثلاً وليسوا يهوداً صهاينة، فما هو موقفكم؟
أجابه المرشد: “لا يوجد شئ اسمه مسلمون يحتلون مسلمين”
سأله الصحفي : ألم يحتل الأتراك مصر وبلاد العرب؟
فقال له المرشد: “لم يكن اسمه احتلالاً بل فتحاً” !!
هنا اعترض الصحافي النابه : إسمح لي .. أنا لا أقبل أن يحكم مصر إلا مصري ..
فرد عليه مهدي عاكف بالحرف الواحد قائلاً: “طُز في مصر وأبو مصر واللي في مصر” !!

هذه الإجابة تلخص رؤية الإخوان المسلمين وجميع تيارات الإسلام السياسي المزدرية لفكرة الوطن واستخفافهم- بل واحتقارهم – لمفهوم الدولة المدنية الحديثة القائمة على أساس المواطنة والحقوق المتساوية لا الإنتماء العقدي أو العنصري أو الطائفي الضيّق ..

وكانت هذه هي معضلتنا التي تحولت عبر أكثر من ثلاثة عقود كوالح إلى مأساة مع إخوان السودان وشيخهم حسن الترابي …
هم يكذبون حينما يدعّون أنهم يملكون ذرة من الوطنية …فموطنهم هو الكيان الوهمي القروسطي الذي يسمونه ب(الخلافة الإسلامية) .. لا الرقعة الجغرافية (العبقرية) التي أوجدها الباشا محمد علي ثم تواطأ عليها الإنجلوسكسون في قارة أفريقيا … والتي – كانت- تبلغ مساحتها مليون ميل مربع … أغلبها يصلح للزراعة ويتثنى فيها أطول نهر في العالم كما يحلو له .. تلك الأرض السمراء التي امتزجت فيها الدماء النوبية والعربية والبِجاوية والزنجية لترسم خارطة بلادٍ عبقرية التكوين اسمها السودان، ويالها من بلاد !!

ازدرى الترابي وجماعته سودان تهارقا وبعنخي وحضارة كوش وصولاً إلى السلطنة الزرقاء .. سوداننا الذي نعرف – وقد لا نعرف – .. السودان الذي انصهر فيه العرب والنوبة مع الزنج، وتلقَّح فيه الإسلام بالوثنية، وتداخلت فيه الشرائع السماوية بالأعراف التقليدية، واتخذ من العربية لغة رسمية، وعاش أهله من بعد على مدى خمسة قرون بهذه المتناقضات المتآلفات: وجماع كل ذلك هو الهويّة السودانية التي شكل فيها الماضي الحاضر بعناصر تتداخل وتتفاعل لتستدعي أحلام المستقبل..

آثر الترابي وجماعته أن يغتالوا أحلام المستقبل بانقلابهم المشؤوم بحد السيف وأسنة الرماح على الشرعية الدستورية ووأدهم للتجربة الديمقراطية – على عثراتها – قبل أن يشرعوا في التجريف المنهجي لكل مظاهر الدولة المدنية الحديثة تمهيداً للعودة بها إلى القرون الوسطى .. إلى نموذج متخيل لا ينتمي لعالمنا المعاصر، ومثال لم يعد موجوداً إلا في ضواحي التاريخ ليضعوا حجارة الأساس لكهوف ومغارات العهد الغيهب !!

والحال كذلك، لم يكن مستغرباً أن أولويات الدكتور الباريسي لم تكن أبداً هي أولويات الشعب السوداني المغلوب على أمره … والذي ينشد برنامجاً يخاطب حاجاته الملحة واستراتيجية واقعية تقارب أزماته عبر خطط وسياسات تعالج آفات الفقر والجهل والمرض وتستبطن أجندة التنمية المستدامة … فالتنمية عند الأخوان المسلمين هي تنمية قدرات التنظيم وتمكين أعضائه وجميع “إخوتهم في الله” على اتساع رقعة الكرة الأرضية .. أما تنمية الوطن (السودان) ومواطنه .. فتركوها للبركة وصناديق الأمم المتحدة ومنح ومعونات دول (الإستكبار) و “طُز” في السودان وشعب السودان!!

كانت أولوية الدكتور وتلاميذه هي إرهاق ميزانية السودان المنهكة أصلاً .. ميزانية ” حليب ميري ومُلاح فطومة وعلاج سر الختم وتعليم تيّة ” .. بإنشاء كيان هلامي أسموه؛ “المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي” !! جمعوا فيه كل المتطرفين وشذاذ الآفاق ورموز الأرهاب .. فكان أمثال الخليفي وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري وصبري البنا وعماد مغنية و(أبو سيّاف) ‘ بل وكارلوس الثعلب هم عناوين المشهد السوداني في بداية تسعينات القرن المنصرم .. وياله من بؤس لا يليق إلا ببؤس فكرهم وتجربتهم … فكانت بدايات الحريق الذي انفصل على إثره الوطن من خاصرته جنوباً ففقدنا عمقنا الإفريقي وعلى طريقه تمضي بقية الأعماق .. ذلك الحريق الذي مازال يتسلق جدران التاريخ ويلتهم أحلام المستقبل حتى في قلب الخرطوم التي تشرد أهلها بين المنافي ومعسكرات اللجوء كنتيجة حتمية لعبقرية (المشروع الحضاري) !!

وهاهو شيخ تحالف السلفية / الإخوان … يؤكد – على حساب (مُقاول الأنفار ) البرهان – أن (طُز في السودان) !! ..

‫3 تعليقات

  1. وطن مغتصب من أسوأ السودانيين (كيزان، عسكر، جنجويد، حركات نهب مسلح)
    وما عندنا حتى مقاومه حقيقيه لأنقاذ أهلنا من السرطان الاسلامي
    الكل متفرج والكل قاعد (مؤقتا او دائما الله اعلم) عند الجيران وبيت الاسره(السودان) يعبث به ويغتصب ويسرق ويحرق.. الي ما يقرر المغتصب القاتل من تلقاء نفسه انه كفى وقررت التوبه.
    ما عندنا خطه او تنسيق حقيفي لأنقاذك يا وطن.
    ولو الكيزان غدا يقررون ان لا عوده للديار لل ٢٠ مليون لاجئ وان يقدموا وطننا كذبيحه حيه لأهلهم دواعش الأرض ما ظنيت سنفعل شيئا.
    نحن أمه غير متكاتفه ضعيفه لم تتشكل بعد تهافت علينا ضعفاء مجتمعاتهم وحولوا حياتنا الي جحيم.
    لم تهجم علينا قوي منظمه حتى او جيش عدو
    هربنا وتركنا أهلنا ووطننا للمجهول.

    1. اللا دولة ، ماذا نفعل ونحن نحطم مجاديف منقذينا ،، قبل ايام اجتمع تقدم واقترحو نزع الشرعية عن حكومة بورتسودان ، فقط انظر واقرا الردود والاهانات من كل حدب وصوب لقحت وتقدم وحمدوك ويوغند وتشاد ، ماذا نحن صانعون مع هؤلاء الرجرجة والدهماء؟؟ طالت الحرب ، ودمر المجرمون وطننا حتى احلام العودة تحولت الى كابوس وما زال بعضنا يعاند ويضع العراقيل امام كل حركة من الافياء القليلين لوطننا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..