مقالات وآراء

عندما ينطق الخطاب بلسان شيوخه: أو هكذا أفصَحَ الشيخ “عبد الحي”

 

صلاح الزين

ما بين جنيف وتركيا تتلاقح ريح الخطاب، خطاب حرب أبريل 2023، وتشرع أشرعتها لتملأ وتسد ما بدا منظوراً في بنية الخطاب من فتوقات توهن خطوه نحو تسوية هي لازمةٌ بنيويةٌ في سيرورته. مثلما كان انتقال “كيكل” من كتف الخطاب، “الجانوسي” ذو الرأسين، “الفلول” و”الجنجويد” الأيمن إلى الأيسر، أو العكس، كان ما قاله “عبد الحي”، من مكمنِهِ التركي، صيحةً وصفيراً في بريةِ ذاتِ الخطاب لتداري ما قد يبدو أنه بعضُ خللٍ، كائنٍ أو محتمل، في بنية الخطاب to look over its shoulders. أصبحت “جنيف” مدينةً لا فكاك منها كمربطٍ لحصانِ خطابِ حرب أبريل منذ أن أبحرَ إليها قارب “تقدُّم” من مياهه الأفريقية منتصف هذا العام. فأصبحت تلك المدينة الباردة بقعةً يَؤمها الحجاج من كل فج عميق. حجاجٌ موسومون بذات ميسم خطاب حرب أبريل وإنْ تغايرت ربطات العنق والعطر والزي. اِلتأمت أطراف الخطاب، خطاب ما قبل الحرب والتي هي ذات أطراف خطاب الحرب، خطاب الحرب في تَوزُّعِهِ بين رأسيه “الفلولي” و”الجنجويدي” كأطرافٍ تُزَوِّق بنية الخطاب ومتْنِهِ من غير أن تنازعه في حمل البندقية وإطلاق صافرة حرب أبريل. فأطراف الخطاب، أيُّ خطاب، هي ينبوعٌ سري يَستمِد منه الخطاب ما يجدِّد عروقه إنْ غاضَ منها الماء والنسغ فتسنِد بنية الخطاب من التفكك والانخلاع، إنها، وإنْ كانت حِلفاً طرفياً للحلف الطبقي للخطاب، كتفُ الخطاب الذي لا يُرى في تمام قمره!! ما قبل خطاب الحرب وما بعده هي هي ما قبليات وما بعديات pre and post لذات البنية الطبقية السياسية للقوى الاجتماعية التي نازعت الديسمبريين بحلم ثورتهم في الحرية والسلام والعدالة. فكان لها أنْ ارتدَت عباءة الضرورة التاريخيّة بانفجار حرب أبريل حتى لا تفسح مجالاً للضيوف الجدد، الديسمبريين، ليتطفلوا على مائدة الخطاب السياسي للدولة الكولونيالية المطمئنة لبنيتها وقِواها الاجتماعية. فكانت “جنيف” الثانية هي ذات “جنيف” الأولى التي كان الرأس “الجنجويدي” حضوراً فيها وممثِلاً للرأس الآخر “الفلولي” وإنْ غابَ لاستحالة حضور الأول بدون الثاني والعكس بالعكس ليكون “جانيوس” ما جبلته وفَطَرَته عليه الآلهة. هكذا وإنْ تغايرت وسيلة النقل والطقس وجغرافية القدوم، التقى في “جنيف” الثانية الما قبل بالما بعد حرب أبريل وإنْ غابت بعض الوجوه وتبدَّلَ لونُ ربطات العنق وزي الشتاء. هكذا تخاصَرَ “مبارك أردول” و”نبيل أديب” و”جعفر الميرغني” و”مبارك الفاضل” ودلفوا لذات القاعة التي تضم، في من تضم، قادة “تقدُّم”، رجالاً ونساءً، ليلتئم نصفا البرتقالة بعد أن باعدت بينهما الأمكنة من غير أن يُفرِّقهما ويُباعِد بينهما ثوب الخطاب وتعدد مراكز بنيته. ذات حَمَلة وسقالات الخطاب وشخوصه وهو يتحوَّر ويُبدِّل سحنته في أوديسيته المرهَقة وتَبدُّل قاربه والشراع في إبحاره وانتقاله من ماء إلى ماء: الحرية والتغيير (قحت) التي أنجبَتْ “المركزي” والذي بدوره كان كريماً فجاد بـ”الإطاري” الذي تلقَّفَتهُ الحربُ وقذفَتْ به خارج سُوحِها وأودَعَتهُ أمكنة لا ترضى بطول الإقامة فوهَبَتهُ قارباً قلقاً، وكأن الريحَ تحته، بأشرعة وريحٍ مواتية ترتاد به مدناً وسواحلَ وأقطارا : مصر، كينيا، يوغندا، السعودية، إثيوبيا، ليرسو المركب، بعد تعب وارتحال على الشواطئ السويسرية، من غير أن يدري المسافرون على المركب أنّ الماء، دوماً وأبداً، هو ذات الماء من غير لون وطعم ورائحة، وإنْ تغايرت أطوال ساعات الليل والنهار. للتاريخ والخطاب أياً كان مُكرٌ وصُدَفٌ سرية ليس بسهلٍ أن يدركها البشر ولا حتى الراسخون في العلم. فقد تَصادَفَ، إبّان إلتآم “جنيف” الثانية، أنْ صدَحَ “عبد الحي” من قبوه التركي بما أخرَجَ “البرهان” من ملة الخطاب ذو الرأس “الفلولي” وإردافه في سرج الدابة ذات الرأس “الجنجويدي” ليتماثلا كتوأمين سياميَيْن يتنفسان بذات المشيمة ويرضعان من ذات الثدي. فكان أن كُتِب “عبد الحي”، عند العلي القدير، صادقاً صدوقاً يُثاب وتُبارَك ذريته!! فقد أفصح الشيخ بما أنكره ركاب القارب الأوديسي، المتجول حول العالم حتى رُسُوِّهِ الثاني في “جنيف”، أنّ خطاب حرب أبريل 2023، جسد واحد برأس “فلولي” وآخر “جنجويدي” إنْ غابَ أحدهما حضر الآخر. كما لذات الخطاب روافع وسقالات scaffolds بمسميات مختلفة وشخوص وقوى اجتماعية وسياسية وفكرية تتناوب الغياب والحضور ويكون غيابها هو هو ذات حضورها بمثلما ما كان “كيكل” هو هو ذات “كيكل” بكدمول أو ببرنيطة!! إنها إرادة الخالق، ومن بعده الخطاب، أن يكون للجسد كتفين يسندانه في حالة السلم والحرب. ومن مرساه في “جنيف” ينتظر المركب ورُكّابُه فَكَّ حبالِهِ وحَلّ أشرعته وريحاً مواتية ليبحر صوب قارة ومدينة أخرى، سيان معرفة اسمها وموقعها، ليجتَرّ ذات ملفوظ الخطاب، خطاب حرب أبريل، تُشَيِّعهُ عواءات الشيخ “عبد الحي” وهو يشير إلى عري فرعون وقلة عقله!!

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..