توقيع على هامش إعلان نيون

مجدي عبد القيوم (كنب)

صحيح أن ورشة جنيف التي تمخضت فعالياتها عن اعلان (نيون) ربما لا تخرج بما يمكن أن تسميه وضع النقاط في حروف الأزمة الوطنية مع أنها قطعا جزء من عملية مراكمة محاولات البحث عن الحلول وخطوة في طريق تلمس المخارج.

المهم بالنسبة لنا والجدير بالإشارة إليه قبل الخوض في صلب موضوع الإعلان وما تناوله من قضايا علي أهميتها صرف النظر عن واقعية ما طرح فاننا نشير الي العبرة التي ينبغي أن نتعلمها أنه ليس هناك من ثابت الا المتغير في عالم السياسة والتي تمثلت في التئام فريقي متحور قحت والكتلة الديمقراطية أو تحالف (الموز) كما ظلت تردد الالة الإعلامية لقحت في سياق حربها بالوكالة على الكتلة الديمقراطية والتي تأسست علي خلفية موقف الكتلة الديمقراطية المناهض للتحول المدني ووضع العصي في دواليب الانتقال ومساندتها بل واستدعاءها للعسكر للانقلاب علي المسار الديمقراطي حتي توجته بالشعار الشهير “الليلة ما بنرجع إلا البيان يطلع” فإذا كان هذا الموقف من تحالف الكتلة الديمقراطية قد قدح في ايمانها واعتدادها بالديمقراطية وهي حقيقة لا يمكن انكارها أو القفز فوقها فإن متحور قحت في رأي قطاع عريض لا يعدو كونه وكيلا حصريا للاطراف الدولية والإقليمية التي تتأمر علي البلاد و حاضنة سياسية للألة العسكرية لتلك الاطراف والتى نكلت بالمواطنين البسطاء وبالتالي تتحمل وزر الآثار الاجتماعية لهذه الحرب والجراحات التي ستظل عالقة بذاكرة الشعب السوداني والتي تتضاءل امامها الكلفة المادية للحرب وما طال البنية التحتية من تخريب ممنهج. من ناحية أخرى وفي سياق المقاربة بين متحور قحت والكتلة الديمقراطية من حيث الكفاءة فقطعا لا مجال للمقارنة بين مجموعات فقيرة معرفيا لا تتجاوز تجربتها أرنبة انفها وبين قيادات الكتلة الديمقراطية التي تتمتع بقدرات فطرية ابتداء وترتكز علي معرفة واسعة وتجربة ثرة حتي في الحكم دعك عن الممارسة السياسية اتفقنا أو اختلفنا مع مواقفها.

هذا أن احتكمنا المفهوم العام للكفاءة الذي هو تراكم المعرفة والخبرات.

إذن وبموضوعية لا مجال للمقاربة في الموقف السياسي بين من يدعو للتدخل الاممي وحظر طيران بلاده وتحويل الدولة الي كانتونات ومجموعات تقف إلي جانب الدولة ووحدتها ومؤسساتها. صحيح أن هناك أكثر مما هو محض تحفظات سواء في نهج ادارة الدولة أو حتي مؤسساتها إلا أن الخلاف معها يظل ثانويا في مواجهة مشروع استعماري يسعي لاخصاع البلاد توطئة لنهب مواردها من خلال تفتيتها وتمزيق وحدتها من ناحية المخرجات حول القضايا التي وردت في الإعلان يظل السؤال هل الربط بين إيقاف الحرب وبرامج اليوم التالي صحيح؟ لا نعتقد في ذلك سيما أن إعلان نيون تطرق لقضايا شائكة وعويصة لازمت الدولة منذ النشأة مكانها المؤتمر الدستوري تحميل الانتقال أكثر مما ينبغي أحد أهم اسباب فشل تجربته الأخيرة وفي التقدير أنه ينبغي الآن التركيز على قضية ايقاف الحرب.

في تقديرنا أن الربط بين ايقاف الحرب غير برىء ويهدف لتكريس الفكرة المركزية التي يحاول كفلاء متحور قحت عبثا تصوير الحرب وكانها صراع علي السلطة وأنها لأجل مدنية الدولة وفي سياق الصراع مع الاسلاميين والثورة المضادة ومع أن في ذلك شىء من صدقية إلا أنه اجتزاء من السياق الكلي ابتغاء التغطية علي الأهداف الحقيقية للحرب وابعادها عن مشروع أو خطة (بيرنارد لويس) المعروفة التي تهدف تفكيك وتجزئة دول المنطقة علي اساس اثني وطائفي في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد وهو المشروع الذي استنسخت منه مستشارة الأمن القومي الامريكي كونداليزا رايس الفوضي الخلاقة ولا نعتقد أن حبات السبحة التي ظلت تكر ستتوقف عند سوريا بعد أن هبت العواصف في عواصم دول المحيط العربي وحولت اغلبها لركام وتركت شروخا في جدر مجتمعاتها.

إن ما حدث في الجزيرة كافي للتدليل علي العلاقة الوثيقة بين هذه الحرب والصراع العالمي علي الموارد سيما الارض والمياه بسب تداعيات التغيير في المناخ وصلة ذلك بقانون ملكية الارض وسياسات الافقار الممنهج ودور رأس المال المعولم في احتكار مدخلات الانتاج سيما التقاوي والبذور المعدلة وراثيا. لعل وقوف تقدم علي منصة شاتام هاوس لم يات اعتباطا ولا يتوقف علي الأبعاد السياسية بل يحفر عميقا في المسالة الاقتصادية. في التقدير أن ما ورد في إعلان نيون يتسبب في إطالة لأمد الحرب ويصب في اتجاه تاكتيك القوي الدولية المعلوم الذي يسعي لإدارة الأزمة لا حلها.

في التقدير ان ايقاف هذه الحرب تحديدا والتي هي متعددة الاطراف مسار مختلف عن الأزمة الوطنية التي تطاولت واستمرت منذ نشأة الدولة وحتي الآن ومع الإقرار بجدلية العلاقة إلا أننا نعتقد أن المحفز الخارجي اساسا يستند في مشروعه علي إثارة تلك التناقضات في المجتمعات ايقاف الحرب هو الواجب المقدم الآن علي ما عداه ما قضايا شائكة ومعقدة تحتاج الي حفر وعصف ذهني . في التقدير أن الحرب قضية مجتمعية وليست قضية نخب سياسية فحسب.