مقالات وآراء سياسية

الحركة الإسلامية ….. ماذا بعد؟

عصام الدين قطبي الحسن

 

محاولة لتشخيص تفاعل الحركة الإسلامية فى السودان مع الحراك الذى حدث من ديسمبر 2019م وإلي الآن علي أربعة مراحل رئيسية :

(1) الترقّب الحذر

التغيير الكبير الذي حصل فى ديسمبر 2019م وأدي الي إزاحة الحركة الإسلامية من سدة الحكم فى السودان كان غير مفاجئاً حيث أن مخططهم لحكم السودان كان أن يستمر إلي أن تقوم الساعة وفقا لأدبياتهم جيلاً بعد جيل , وفي سبيل تحقيق ذلك أضعفوا أو قضوا علي المعارضة الداخلية وبطشوا بالشعب وأفلحوا فى فتح قنوات للتعامل مع المجتمع الدولى لتسيير عمل الدولة ولكنهم غفلوا عن معادلة بديهية وهي أن وجود الخصم القوي المحترم يحفيز ويزيدك قوة وإضعافه سوف يؤدي الي إضعافك لا محالة وهو الأمر الذي حدث حيث إنصرفوا الي أمور الدنيا والتنافس الذي إنتقل الي الإقتتال فيما بينهم في غياب الخصم الطبيعي إذ كان لابد وأن يخلقوا خصماً فيما بينهم , ونجد أنه مع أن التغيير كان مفاجئاً لهم الإ أن خوفهم الأكبر كان لما بعد التغيير حيث أن الخوف إنتقل من خوف على الحركة الى خوف عليهم شخصيا كأفراد لأن نتائج الثورات وأحكامها من الأشياء التي يصعب التنبؤ بها أو قياسها خاصة وإن كان قد يشوب ذلك بعض مظاهر الإنتقام من الشعب الذي أذلوه وبطشو به لعقود لذا نجدهم قد قاموا بإجراءآت إحترازية شخصية من نقل اسرهم خارج البلاد مع ما أستطاعوا من أموال بالإضافة الي الأموال المجنبة خارجيا منذ زمن لمثل هذا الطارئ وتركوا المور تسير ما شاء الله لها ولبثوا فى ترقب وتوجس وخيفة لما قد تأتي به الأيام.

(2) المراقبة والتقييم

فى الفترة التي تكونت فيها حكومة الفترة الإنتقالية ظل أفراد الحركة الإسلامية ممن كان فى المواقع الإدارية والمواقع التنفيذية والسياسية فى وضع مراقبة وتقييم لأداء حكومة الفترة الإنتقالية من حيث القوة والضعف والتعرف علي الثقرات ودراستها جيداً. لقد كانت توقعاتهم المبدئية أن تكون حكومة ثورة تستمد قوتها من الشعب مباشرة فى إصدار قرارات وأحكام ثورية ناجذة وفورية كان من المستطاع أن تقضي على الحركة الإسلامية في عدة شهور إذا أتبعت النهج الثوري في ذلك كما حدث فى جميع ثورات العالم الناجحة ولكن الحكومة الإنتقالية بكل أسف تركت هذا الأمر الهام ذوي الأولوية القصوي الي لجنة بسلطات وصلاحيات ضعيفة غير مٌمكّنة فى أعمالها فكيف يمكنها أن تزيل تمكين ممنهج لثلاث عقود , لجنة إعتزل عن رئاستها عضو مجلس السيادة المكلف ولم يكتمل تشكيل درجاتها القضائية ولا علاقتها الإدراية من مؤسسات الدولة حيث ضاعت العديد من القرارات , هذا بالإضافة الى المحاكمات الهذلية لمدبري إنقلاب الإنقاذ التي إستمرت لثلاث سنوات ونتج عنها حكم سنتان فى إصلاحية الأمر الذي أدي الي تقييم الحركة الإسلامية لحكومة الفترة الأنتقالية بأنها حكومة ضعيفة ولسيت علي قلب رجل واحد بل حكومة منكفئة علي تنفيذ أجندات حزبية ضيقة داخلية وإستهداف خارجي ممنهج , حكومة عمدت ووفقا لخبرتها فى المنظمات الخارجية علي التركيزعلي العمل الخارجي فى حين أن العمل الداخلي كان الأهم وبأولوية قصوي لتوحيد الصف وحلحلة المشاكل القبلية والتي لاحقا عصفت بها.

(3) بداية العمل المضاد

مع تقييمهم بضعف الحكومة بدأت الحركة الإسلامية تدريحياً بتفعيل كوادرها القابضة علي مفاصل الدولة السودانية أصلاً وتوجيهها نحو العمل الممنهج لإضعاف حكومة الفترة الإنتقالية عبر إضعاف قدراتها وقراراتها والتلكؤ في تنفيذها تمهيداً لفشلها التام وإزاحتها عن المشهد السياسي كل هذا يحدث وتكتل الثورة ينقسم ال عدة إنقسامات ونشأت معارضة داخله وإنتهي به الصراع حول كراسي الحكم الي أربع أحزاب من تكتل كان يتجاوز عدد مكوناته العشرون عند قيام الثورة ولأول مرة تتصارع الأحزاب حول كراسي الحكم خلال الفترة الإنتقالية علي خلاف الثورات السابقة فى تاريخ السودان , وهذه طبيعة الشعب السوداني كما ذكرت سابقا وطوال تاريخه الثورى منذ إكتوبر كان ينجح في الثورة وتغيير الحكم لكنه يفشل فى الحفاظ عليه , إصرار أربع مكونات لإحتكار العمل السياسي وتجنيب كل الكتل الأخري نتج عنه فشل حكومة حمدوك الثانية وإستقالتها ثم ما تلي ذلك من إتفاق إطاري وتبعاته وأخيراً الحرب التي نعيشها الآن . بيئة الحرب أدت الي إنتعاش الحركة الإسلامية ونشاطها فى تدمير ما تبقي من تكتل مدني من بقايا حكومة الفترة الإنتقالية وبكل أسف فقد قدم لهم هذا التكل المدني كل الذرائع التي ساعدتهم فى مهمتهم بنجاح. بعد إستقالة حمدوك وحكومته وبما أن المكون العسكري بحاجة الي حاضنة سياسية تعينه فى إدارة شئون الدولة فليس أمامه غير الحركة الإسلامية التي أصلا موجودة فى مؤسسات الدولة التي لم تكتفي بالبدء من حيث إنتهي الآخرين بل عمدت الي محاولة إعادة الأمر الي ما كان عليه قبل الثورة.

(4) التحضير والتأسيس للعودة

بعد أن تأكد للحركة الإسلامية تقريبا نهاية المكون المدني داخلياً وخارجياً بنسبة كبيرة وقد ساعدهم فى ذلك بكل أسف بعلاقاته الخارجية المشبوه فى وقت يحتاج فيه الشعب السوداني لنموذج قيادة مدنية فى زمن الحرب والتي تختلف عن القيادة المدنية فى زمن السلم قيادة لكي تقنع الشعب السوداني لابد وأن تكون قدوة كما فعل الوفد الفيتنامي عند التفاوض مع الأمريكان فى باريس لنهاية الحرب حيث رفض الوفد الفيتنامي سيارات الأستضافة فى المطار مستقلا التاكسي وأقام مع طالب فيتنامي في سكنه عوضاً عن الفندق الفاخرالذي أٌعد له خشية أن يلين قلبه ويؤثر ذلك علي سير المفاوضات ونجح فى مفاوضات أدت الي إجلاء الجيش الأمريكي عن فيتنام, فما بالك بمكون مدني تحت الرعاية الكاملة لدول ومنظمات لا تكن وداَ للسودان وإنما تفعل ذلك بدوافع مصالحها الذاتية والتي لا تتورع فى القضاء علي الشعب السوداني بكامله في سبيل تحقيقها. وهنا بدأت الحركة الإسلامية في الخروج للعلن برجوع بعض كوادرها من خارج السودان بطهور إعلامي مخطط وعقد إجتماعاتهم لإختيار قيادة جديدة لهم تحت سمع وبصر الحكومة المؤقته والعالم أجمع.

وماذا …. بعد؟

مع ضعف وتشرذم وتخاصم الكتل المدنية المختلفة تخطط الحركة الاسلامية للعودة بقوة للمشهد السوداني في ظل حقائق وفرضيات خاطئة لدي العامة منها أن المجتمع الدولي يهتم بالشعب السوداني ويهمه تحقق حكومة ديمقراطية مدنية ومراعاة حقوق إنسان وكل الشعارات الزائفة التي يدغدغ بها مشاعر السودانيين في حين أنه فى الحقيقة أنه يطلقها من أجل تحقيق مآربه فى السودان لأن كل ما يهمه هو حكومة قوية تحقق الإستقرار فى السودان وتضمن مصالحه (حتي وإن كانت ديكتاتورية شمولية) أو حكومة ديمقراطية رمزية ضعيفة تنقاد إليه ونلاحظ ذلك من بطء وضعف تفاعل المجتمع الدولي مع المشكلة السودانية التي أصبح يتعارف عليها ب ” النزاع المنسي”, وهذا الأمر لن يتحقق له فى ظل حكومة ديمقراطية وطنية قوية مستقلة تضع سيادة ومصلحة الوطن والمواطن قبل كل شئ. والشاهد ان المجتمع الدولي قد تعامل من قبل مع نظام الإنقاذ لعقود من قبل وهو يعلم بأنهم مجموعة من الإنتهازيين والفاسدين لكنهم كانوا يحققوا له ما يريده ولا أعتقد أن لديه ما يمنع من التعامل مع نسخة جديدة من نظام الحركة الإسلامية مرة أخري خاصة وأنه وجد أن بقية الكتل المدنية ضعيفة وليس لها بٌعد أو سند شعبي مناسب, فمن الواضح أن الشعب السوداني أمام معركة سياسية كبيرة حتمية ضد نسخة جديدة من الحركة الإسلامية وإنه لابد وأن يستعد لها بأسلحة إستراتيجية حديثة والتخلي عن الأسلحة القديمة من أحزاب قبلية وعقائدية بالية عفي عليها الزمن وأحزاب جديدة مستقطبة خارجيا ومجموعات متسلقة سئم منها ورأي بعينيه نتيجة ممارساتها من خراب ودمار للوطن والمواطن , ولتنفيذ ذلك لابد من تشكيل أدوات أو أسلحة جديدة تنتج داخل السودان ويمكن البدء بتجمعات مهنية تضم أغلب المهن من مهندسين وأساتذة وأطباء وفنيين وعمال … الخ بالإضافة الي شباب مستنيرين من الإدارات الأهلية ولا يستثني من هذا إلا منسوبي حزب المؤتمر الوطني وكل من كان ولاءه لجهة أو فئة أو قبيلة معينة وليس الوطن السودان , وذلك لتشكيل جبهة وطنية عريضة تنتخب منها قيادات تتصدي لمخططات الحركة الإسلامية ولا يوجد شئ يولد مثالي وإنما تجربة سوف تنضج تدريجياً بعيداً عن التدخلات الخارجية , الشباب يتطلع الي تجربة سياسية جديدة تستفيد من الماضي فقط لتجنب عيوبه وتٌبني علي أسس وقواعد جديدة مستمدة من تطلعات وطموح الشباب خاصة وأن آخر إحصائية (غير رسمية) أوضحت أن أكثر من (60%) تقريباً من الشعب السوداني شباب, وأيضا نجد أن كل الإحزاب السياسية تقليدية وحديثة قد إنفصلت وبعدت عن الشعب السوداني تماماً وأصبحت في عالم آخر, لذا لابد من العمل سريعا علي تكون هذه الجبهة التوافقية من شباب السودان فى أسرع وقت ممكن ويٌمكن لهم الإستفادة من خبرات وطنيين أحرار لا حزبيين ولهم تاريخ مشرف فى الحركة الوطنية السودانية, وجود هذه الجبهة القوية يسد الزرائع علي الحكومة الحالية والتي دائما ما تصرح بأنها لا تمانع من تسليم الحكم لجبهة توافقية من أهل السودان وهم يراهنون علي إستحالة هذا الأمر لما يعلمونه بالضرورة من طبع السودانيين من عدم التوافق على شئ واحد مهما كلف الأمر , فى حين فى الحقيقة أن هذا الأمر ممكن إذا توفرت العزيمة والإرادة وتنازل الجميع على التوافق علي أرضية وطنية أصلية وجعلوا مصلحة الوطن فوق مصالحهم الذاتية.

# الحركة الإسلامية وتنظيماتها في السودان ليست بالغريم الساهل ولمواجهتها لابد أن يحول الشعب السوداني من الدور السلبي المتمثل فى سرد وتحليل أفعالها الي دور إيجابي يتمثل فى كيف يمكن أن نتخلص منها ونستبدلها بمكونات أو أدوات مدنية وطنية حديثة تتبرأ من الماضي وتتطلع الي مستقبل فى وطن يسع الجميع من غير تمييز للون أو العرق أو الطائفة أو الحزب.

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..