مقالات وآراء

ما بين “ديسمبَرَيْن” 2018 – 2024، أو في الانمساخ: قراءة مقتضبة في البيان الختامي للقاء (تقدُّم) الأخير

صلاح الزين

في مدينة عنتبي، يوغندا، عَقدت تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية (تقدُّم) اجتماعاً ما بين الثالث والسادس من ديسمبر 2024 وأصدرَت بيانا ختامياً، تقول إحدى فقراته: “ناقشت الهيئة القيادية التطورات السياسية الراهنة وحجمَ تصاعدِ المواجهات بين أطراف النزاع وتفاقم الكارثة الإنسانية وازدياد حدة الانتهاكات وانسداد أفق الحل السلمي وتصاعُد نشاط عناصر النظام البائد وسيطرتهم على مفاصل سلطة بورتسودان وتزايد نُذُر تقسيم البلاد وفقاً لعوامل داخلية وخارجية تدفع في هذا الاتجاه، ووفقاً لما تقدَمَ فقد قرر الاجتماع العمل على ثلاثة مسارات سياسية لتعزيز فرص إنهاء الحرب وتأسيس الدولة السودانية”.

برعَت تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية (تقدُّم) في الانتقال بالسياسة، كممارسة، إلى الحديث عن السياسة في غياب الممارسة مما أوقعها في فخ الكتابة التي لا تقول إذ تقول ليكون فراغ القول أحد روافد السياسة كممارسة وفعل. وبذلك يغلب التوصيف، على أهميته، ليحل حيزَ ما لم تفعله الممارسة ليكتمل قوس السقوط. تتلاشى السياسة وتُستبدَل بالكتابة عن السياسة كنصوص تأخذ بخناق بعضها عقب توصيات ومخرجات كل مؤتمر أو لقاء معنِيٍّ بمقاربة الوضع السياسي الماثل لتنتصر سلطة النص والكتابة على سلطة السياسة ويَطغى فراغ القول.

مرد ذلك لأحد سببين: الإخفاق في قراءة طبيعة وبنية الخطاب السياسي، خطاب حرب أبريل 2023، أو التماهي معه، بمعنى أن تصيرَهُ وتكُونَهُ لعجز العقل الرائي لتفكيك خطاب الحرب. عطفاً على الاقتباس أعلاه من البيان الختامي، تتحدث (تقدُّم) ومنذ تأسيسها بلسانين: أحدهما يقول ويفصح فيبين، والآخر يعطب ويخرس وتعلوه لثغة فلا يقول إذ يقول بصمته فيُفصح، كما الأول، ويبين ويبلغ لاستحالة أنْ لا يقولا قولاً واحداً وهُما لسان خطاب حرب أبريل، خطاب الحرب “الجانيوسي” ذو الرأسين “فلولي” و”جنجويدي”، كلٌ يشترط وجود الآخر وبه يكون. وللخطاب وربِّهِ شؤون يدركها من خرجوا عن سلطة عباءة الخطاب وقدسية خالِقِهِ و سطوته. استطراداً يصبح قول (تقدُّم) وتمييزها بين الرأسين، “الفلول” و”الجنجويد”، قولاً ونصف قراءة تزيد بذاءة الخطاب وعنفِهِ من حيث محاربته لتصير طرَفاً فيه يقول بلسان أحدهما الذي هو ذات قول اللسان الآخر وهُوَ هُوً ذات قول الخطاب بنيوياً، مَتْنياً ومعنىً.

فثمة خيطٌ رفيع بين أن تفكر بفِكر خصمك، فتصيرُهُ ويصيرُكَ، تكونُهُ ويكونك، متوهِماً أنك تخطو بنعالٍ ليست هي ذات مقاس ولون نعال خَطوِهِ! وفي هكذا تماثلٍ وقوامٍ خطابيٍّ ينفتح فضاء التأويل السياسي على مديات بلا حدود تقول بثمة تسوية قادمة أضلاعها رأسَيْ الخطاب، خطاب الحرب “الفلولي” و”الجنجويدي” و(تقدُّم) وهو قول قديم متجدد، وقد كان. وهناك من المعطيات ما يشي بتكوُّنِهِ وقرب حدوثه منذ أن اعتلت قوى الحرية و التغيير (قحت) قاطرة الوثيقة المعطوبة في سيرورتها التحوُّرية وتنقلاتها الجغرافية والتكوينية وصولاً لمحطتها الحالية (تقدٌّم) وتوقيعها اتفاقاً، في يناير من هذا العام، مع “حميدتي” زعيم الرأس “الجنجويدي” ظناً منها أنها بذلك تُحارب الرأس الآخر “الفلولي” من غير أن تدري، بوعي أو غير وعي، أن “جانيوس”، إله خطاب حرب أبريل، لا يستقيم له قول وفعل إلا برأسيه الاثنين حتى وإن غاب أحدهما أو تبدَّلَتْ المواقع في النظر لخطاب الحرب!! فقد درجت (تقدُّم) في خطابها السياسي، عقب كل لقاء أو مؤتمر، لعلةٍ بنيويةٍ في مقاربتها التجزيئية والانشطاريّة لخطاب حرب أبريل، درجَتْ على الإيحاء بأن هزيمة وبتر الرأس “الفلولي” لوحده يفضي إلى صمت البندقية وانسداد شريان النزوح والتنزيح جوعاً وقهراً وقتلاً. الكتابة، أياً كانت، لا يتم التعاطي مع بنيتها النصية خارج أحد نسَقَيْن: كتابةٌ تشي ولا تقول كأنّ بها حياء، وأخرى تُفصِح وتقول كأنها إحدى سنن الكون الطبيعية.

الأولى عباءة الخيال لإنتاج واقعٍ متخيَلٍ تقاس جدارتها وبنيتها الأسلوبية بمدى شاعريتها وبنائها البوطيقي والجمالي، بينما الثانية بصلابة الإفصاح ونزع الغموض عن الدال والمدلول فيكون التبيين الذي يُسمِّي ولا يشي. تقاصرَ البيان الختامي لـ( تقدُّم)، كما في المجتزأ أعلاه، عن ارتداء ثوب الإبانة والإفصاح والانتصار لتسمية الأشياء بأسمائها كما تعارَفَ عليها وكما تبدو، من مثل القول أو الإيحاء بالتدخلات الخارجية من غير تسمية تلك الأطراف بأسمائها وذِكر الإمارات كفاعلٍ وعلو كعْبِها في حرب أبريل وقد شهدَ بذلك الرأي العام العالمي وناطقه الأممي الرسمي: الأمم المتحدة! وفي المأثور: ناقل الكفر ليس بكافر !! ترى هل كان صمْتُ البيان عن ذكر دولة الإمارات تأدباً أم حياءً أم اتساقاً تقتضيه سلوكيات وجماليات رأس المال المعوْلًم؟؟ يقول البيان، كما في المجتزأ أدناه: “لذا يجب التأكيد على أنه لا شرعية إلا لثورة ديسمبر المجيدة، ويجب نزع أي شكل من أشكال الشرعية الزائفة والتصدي لها بكافة الوسائل المتاحة وهو ما ستعكف الآلية السياسية بـ(تقدُّم) على مناقشة خياراته من أجل الحفاظ على وحدة السودان أرضاً وشعباً وتحقيق السلام الدائم والشامل واستكمال ثورة ديسمبر المجيدة”.

وهنا نتساءل إنْ كان قد بَهُتَ وغاب عن عقل (تقدُّم) وذاكرتها، بفعل ضجيج الرصاص وإبحار قاربها فوق عدة يابسات ومياه، وإنْ تغاير الركاب وريِح الشراع، نتساءل: هل غاب عن عقل الموتمر والمؤتمِرِين وانزلق من ذاكرتهم شعار الديسمبريين: “العسكر للثكنات والجنجويد ينحل”، ذات ديسمبر قبل ست سنوات؟!

مداميك

تعليق واحد

  1. ( بالتدخلات الخارجية من غير تسمية تلك الأطراف بأسمائها وذِكر الإمارات كفاعلٍ وعلو كعْبِها في حرب أبريل وقد شهدَ بذلك الرأي العام العالمي وناطقه الأممي الرسمي: الأمم المتحدة! وفي المأثور: ناقل الكفر ليس بكافر !! ترى هل كان صمْتُ البيان عن ذكر دولة الإمارات تأدباً أم حياءً أم اتساقاً تقتضيه سلوكيات وجماليات رأس المال المعوْلًم؟؟ ) صعب انك تقول لابوك الذي يقوم بالنفقة عليك انك مجرم وعملك عمل مجرمين بناء على حيثيات مشاهدة ومعلومة للجميع لازم تسكت عن لوم ابوك التعبان عليك ( هل كل الاباء نفقتهم واجبة القبول ؟ لكن احيانا في انسان صغير معذور ما بقدر اميز بيأكل وما عارف انو ابوه بجمع المال من سحت وينفق على الاجرام ………. ممكن اكونو معذورين ما في اجهة اخرى ممكن ينفق عليهم لجلب الديمراطية للشعب السوداني الطيب غير الامارات الديمراطية جدا والتي لا تنفق بسخاء الا على طلاب الديمواطية ؟؟؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..