أبومحمد الجولاني.. من زعيم سابق لتنظيم القاعدة في سوريا إلى قيادة المعارضة المسلحة

عندما كان زعيما لفرع تنظيم القاعدة المتشدد خلال الحرب الأهلية السورية، لم تكن شخصية أبومحمد الجولاني الغامضة معروفة وظل متواريا عن الأنظار حتى عندما أصبحت جماعته هي الأقوى في محاربة الرئيس السوري بشار الأسد.
واليوم يسعى الجولاني (البالغ من العمر 42 عاما) إلى اغتنام الفرصة مرة أخرى وهو يقود مقاتليه في هجوم هائل منحهم السيطرة على أكبر مدينة سورية وهي حلب إضافة إلى مدينة حماة الاستراتيجية التي لم يتمكن من السيطرة عليها من قبل. وأعاد بهذا إشعال الحرب الأهلية الطويلة، وأثار تساؤلات جديدة حول قبضة الأسد على السلطة.
وعمل الجولاني خلال العقد الماضي على إعادة تشكيل صورته العامة والتمرد الذي يقوده. وتخلى عن العلاقات التي جمعته مع القاعدة وعمل على توطيد سلطته قبل الخروج من الظل.
وتحقق نجاحه في ساحة المعركة بعد سنوات من المناورات بين التنظيمات المتطرفة مع القضاء على المنافسين والحلفاء السابقين.
الجولاني أجرى تحولا لم يكن يتخيله سوى القليل واستبدل زيه العسكري بالقمصان والسراويل
وشملت مسيرته نأيه بنفسه عن تنظيم القاعدة، وتلميعه صورته وصورة “حكومة الخلاص” الفعلية لجماعته المتطرفة في محاولة لكسب ثقة الدول والأقليات الدينية والعرقية في البلاد.
وعمل على إعادة تسمية نفسه بطلا للتعددية والتسامح لتوسيع دعم جماعته الشعبي وشرعيتها. لكن قوات المعارضة السورية، المتمركزة في شمال غرب البلاد، لم تحرز أي تقدم عسكري كبير ضد الأسد منذ سنوات.
وحافظت حكومة الرئيس السوري، بدعم من إيران وروسيا، على سيطرتها على حوالي 70 في المئة من البلاد مما ترك الجولاني وجماعته الجهادية (هيئة تحرير الشام) خارج الأضواء.
ثم زعزع نزول المتمردين إلى حلب والبلدات المجاورة، إلى جانب تحالف الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا المعروف باسم الجيش الوطني السوري، الانفراج المتوتر في سوريا. وترك جيران البلاد التي مزقتها الحرب في الأردن والعراق ولبنان قلقين من امتداد هذا الاشتعال.
تتباين التقارير حول اسمه الحقيقي، وتاريخ ومكان ميلاده وسيرته وحتى جنسيته، مما يضفي الكثير من الغموض حول شخصيته. وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإنه وُلد بين عامي 1975 و1979، فيما تفيد تقارير الأنتربول أنه ولد عام 1975.
وبحسب مقابلته مع شبكة “بي بي إس” الأميركية فإن اسمه الحقيقي أحمد حسين الشرع، وأما لقبه الذي يشير إلى مرتفعات الجولان فإنه يعكس روابط عائلته بتلك المنطقة. وقال في تلك المقابلة إنه وُلد في عام 1982 في العاصمة السعودية الرياض حيث عمل والده مهندساً للنفط حتى عام 1989، وفي ذلك العام عادت عائلة الجولاني إلى سوريا، حيث نشأ وعاش في حي المزة بدمشق.
وكانت تقارير صحفية قد أشارت إلى أن الجولاني ولد في دير الزور بسوريا عام 1981. ويقال إنه درس الطب في دمشق لمدة عامين، قبل أن يترك سنته الدراسية الثالثة للانضمام إلى تنظيم القاعدة في العراق.
وتعود علاقات الجولاني بتنظيم القاعدة إلى 2003 عندما انضم إلى المتطرفين الذين يقاتلون القوات الأميركية في العراق. واحتجز الجيش الأميركي المواطن السوري عدة مرات، لكنه بقي في العراق. وشهدت تلك الفترة استباق تنظيم القاعدة الجماعات ذات التفكير المماثل بتشكيل الدولة الإسلامية المتطرفة في العراق، بقيادة أبوبكر البغدادي.
ولاقت الانتفاضة الشعبية ضد الأسد في سوريا خلال 2011 حملة قمع وحشية من الحكومة. واشتعلت بذلك الحرب الشاملة. وازدادت شهرة الجولاني حين أرسله البغدادي إلى سوريا لتأسيس فرع للقاعدة يسمّى جبهة النصرة.
اليوم حماة وبالأمس إدلب
اشتدت الحرب الأهلية في سوريا خلال 2013، وتوسعت طموحات الجولاني معها. وتحدى دعوات البغدادي لحل جبهة النصرة ودمجها بتنظيم القاعدة في العراق، لتشكيل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
لكن الجولاني تعهد بالولاء لتنظيم القاعدة، الذي نأى بنفسه لاحقا عن داعش. وحاربت جبهة النصرة داعش وقضت على الكثير من منافسيها داخل المعارضة السورية المسلحة للأسد. وأبقى الجولاني وجهه مغطى في أول مقابلة له في 2014. وقال لمراسل شبكة الجزيرة القطرية إنه يرفض المحادثات السياسية في جنيف لإنهاء الصراع. وأكد أن هدفه يكمن في رؤية سوريا تُحكم بموجب الشريعة الإسلامية. وأكد أنه لا يوجد مكان للأقليات العلوية والشيعية والدرزية والمسيحية في البلاد.
تغيير الصورة
كشف الجولاني عن وجهه للجمهور لأول مرة في 2016، عبر رسالة فيديو أعلن فيها أن جماعته ستعيد تسمية نفسها إلى جبهة فتح الشام وتقطع علاقاتها بتنظيم القاعدة.
وقال في الفيديو الذي صوره وهو يرتدي الزي العسكري وعمامة إن هذا التنظيم الجديد لا يحمل أيّ انتماء إلى أيّ كيان خارجي.
حلب وحماة ثم أنا ما لم ينجدوني
ومهدت هذه الخطوة الطريق أمام الجولاني لتأكيد سيطرته الكاملة على الجماعات المسلحة المتصدعة. وأعاد تسمية تحالفه مرة أخرى بعد عام ليصبح “هيئة تحرير الشام” مع اندماج المجموعات، مما عزز سلطته في محافظة إدلب شمال غرب سوريا.
ثم اشتبكت هيئة تحرير الشام مع المسلحين الإسلاميين المستقلين الذين عارضوا الاندماج. وزاد هذا من تصوير الجولاني وجماعته قوة رائدة في شمال غرب سوريا، قادرة على الحكم بقبضة حديدية.
وأجرى الجولاني تحولا مع توطيد سلطته، لم يكن يتخيله سوى القليل. واستبدل زيه العسكري بالقمصان والسراويل، وأصبح يدعو إلى التسامح الديني والتعددية. وناشد الطائفة الدرزية في إدلب، التي استهدفتها جبهة النصرة سابقا، وزار عائلات الأكراد الذين قتلوا على يد الميليشيات المدعومة من تركيا.
وقال جوشوا لانديس الخبير في الشأن السوري ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما “الجولاني أكثر ذكاء من الأسد. غيّر أدواته وغيّر مظهره العام وعقد تحالفات جديدة وأطلق رسالته المتوددة” للأقليات.
ويقول آرون لوند الباحث في مركز سينتشوري إنترناشونال للأبحاث إن الجولاني وهيئة تحرير الشام تغيرا بشكل ملحوظ لكنه أشار إلى أنه وجماعته ظلا “على نهج التشدد إلى حد ما.”
وتابع قائلا “إنها حملة علاقات عامة، لكن حقيقة أنهم يبذلون هذا النوع من الجهد أصلا تظهر أنهم لم يعودوا بذات التشدد الذي كانوا عليه. الحرس القديم من القاعدة أو (تنظيم) الدولة الإسلامية لم يكن ليفعل ذلك أبدا.”
ومع تقدم قوات المعارضة السنية الآن، أصدرت قيادة هيئة تحرير الشام عدة بيانات تسعى إلى طمأنة العلويين الشيعة والأقليات السورية الأخرى. ودعا أحد البيانات العلويين إلى النأي بأنفسهم عن الحكومة وأن يكونوا جزءا من سوريا المستقبلية التي “لا تعترف بالطائفية.”
بداية التحول
وفي رسالة إلى سكان بلدة مسيحية جنوبي حلب الأربعاء، قال الجولاني إنهم في أمان وإن ممتلكاتهم مصانة وحثهم على البقاء في منازلهم ورفض “الحرب النفسية” التي تشنها الحكومة السورية.
وقال لوند “إنه مهم فعلا. الزعيم الرئيسي للمتمردين في سوريا، وأبرز قائد إسلامي.” وتابع أن هيئة تحرير الشام أظهرت “قدرة لوجستية وإدارية” من خلال حكم الأراضي التي تسيطر عليها في إدلب لسنوات.
وأضاف “تبنوا شعارات الثورة السورية.. ويستخدمونها الآن ويحاولون ربط أنفسهم بإرث الثورة: نحن جزء من حراك عام 2011، الناس الذين ثاروا ضد الأسد لكننا أيضا إسلاميون.”
وأجرى الجولاني أول مقابلة إعلامية له في عام 2013، وكان ظهره للكاميرا وغطاء أسود يلف ما ظهر من رأسه ووجهه. ودعا في المقابلة على قناة الجزيرة إلى حكم سوريا وفقا للشريعة الإسلامية.
خطوة بخطوة
وبعد حوالي ثماني سنوات، أجرى مقابلة مع برنامج “فرانت لاين” على محطة الشبكة التلفزيونية الأميركية “بي.بي.إس” مواجها الكاميرا وهو يرتدي قميصا وسترة. وقال الجولاني إن من الظلم تصنيفه إرهابيا وإنه يعارض قتل الأبرياء.
وشرح بالتفصيل كيف توسّعت جبهة النصرة من ستة رجال رافقوه من العراق إلى خمسة آلاف في غضون عام. لكنه قال إن جماعته لم تشكل تهديدا للغرب أبدا.
وأضاف “أكرر، انتهى ارتباطنا بالقاعدة، وحتى عندما كنا مع القاعدة كنا ضد تنفيذ عمليات خارج سوريا، لأن القيام بعمل في الخارج يتعارض تماما مع سياستنا.”
وسعى إلى إعادة تقديم نفسه كزعيم مدني، محاولاً الابتعاد عن الصورة المرتبطة بالإرهاب الدولي.
ورغم هذه الجهود، تُصنّفه الحكومة الأميركية كإرهابي، وتعرض مكافأة قدرها 10 ملايين دولار مقابل أيّ معلومات تؤدي إلى القبض عليه، نظرًا إلى علاقاته السابقة بتنظيم القاعدة.
العرب