مقالات وآراء سياسية

من يريد حكومة المنفى؟

فيصل محمد صالح

 

عادت فكرة حكومة المنفى للظهور من جديد ، من خلال نقاش داخل مجموعات القوى المدنية ومعارضي حكومة بورتسودان ، من خلال مداخل مختلفة ، وانتقل النقاش لداخل اجتماع هيئة قيادة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) ، الذي أنهى أعماله في كمبالا قبل يومين.

 

الفكرة ، كما يطرحها المؤيدون لها ، هي أن تشكل القوى المعارضة حكومة منفى تنزع الشرعية عن حكومة الفريق عبد الفتاح البرهان ، وتقوم بتمثيل كل المجموعات الرافضة للحرب ، والداعية للعودة للمسار الديمقراطي. وينطلق المؤيدون للفكرة من أن الواقع العملي يقول إن حكومة البرهان لا تسيطر على أجزاء كبيرة من السودان ، ولذلك يجب أن يستغل المعارضون لها هذه الحقيقة ، وأن يتولوا مسألة تقديم الخدمات والرعاية للمواطنين خارج سيطرة حكومة الأمر الواقع.

 

الفكرة ليست جديدة تماماً في السياق الحالي ، فقد بدأت تظهر منذ فترة ، وتتردد في بعض الخطابات السياسية والكتابات ، وإن كانت جديدة على تاريخ الصراع السياسي في السودان.

 

خاض السودانيون معارك طويلة ضد النظم العسكرية والديكتاتورية التي حكمت البلاد لأكثر من 55 عاماً ، ونجحوا في كل مرة ، في إقامة تنظيم تحالفي يقود حركة المعارضة. فعلوا ذلك عبر «مؤتمر الخريجين»، الذي كان المهد الأول للحركة الوطنية الحديثة في السودان ، ثم جبهة الهيئات التي أسقطت نظام الفريق إبراهيم عبود في عام 1964م ، ثم «التجمع الوطني لإنقاذ البلاد» ، الذي أسقط النميري في عام 1985م.

 

ثم انتقلت حركة المعارضة ضد نظام البشير نقلة كبيرة ، بتشكيل «التجمع الوطني الديمقراطي» في بداية التسعينات ، وكان هذا التجمع أكثر تنظيماً وتطوراً من سابقيه ، ثم استفاد من وجود الحركة الشعبية لتحرير السودان داخله ، واتجه لتكوين فصائل مسلحة. رغم كل هذا الوجود السياسي والعسكري المميز ، ووجود أراضٍ تحت سيطرة فصائل قوات التجمع ، والعزلة التي أحاطت بنظام البشير نتيجة احتضانه المجموعات الجهادية ، فإن فكرة حكومة المنفى لم تُطرح مطلقاً… فلماذا يتم طرحُها الآن؟ .

 

الحقيقة الماثلة الآن أن مؤيدي الفكرة لم يستطيعوا أن يقدموا حيثيات مقنعة تجعل الفكرة مقبولة ، كما أن مراجعة النتائج المتوقعة تجعل منها مغامرة قد تؤدي لنتائج كارثية. أخطر هذه النتائج هو الإعلان الرسمي عن تقسيم البلاد، وهو شرٌّ يحاول العقلاء، قلوا أم كثروا ، أن يجنبوه البلاد. والناظر للتجارب التي حدثت من حولنا سيجد أن هذه الفكرة لم تؤدِّ لأي تطور إيجابي في البلاد التي خضعت لها ، بل تمت قوننة التقسيم ؛ بحيث صار صعباً تجاوزه ، كما يحدث في ليبيا وسوريا واليمن ، حيث هناك أكثر من حكومة في تلك البلاد عقّدت عملية الحوار والتفاوض لحل المشكلات التي أدت للحروب والأزمات السياسية.

 

قد يقول قائل إن السودان حالياً مقسم بين الحكومة الموجودة في بورتسودان و«قوات الدعم السريع» ، التي تسيطر على مناطق كثيرة ، وهذا صحيح ، لكنه واقع مفروض بقوة السلاح ، ولا يجب بالضرورة أن يخضع له الناس ويقروه بإرادتهم.

 

أقامت «قوات الدعم السريع» إدارات مدنية محلية في هذه المناطق ، وباستثناء بعض ولايات دارفور ، فليس هناك من وجود حقيقي أو سلطات لهذه الإدارات ، وهي مجرد ظل باهت لبندقية «الدعم السريع» ، ولا تبدو من فرصة لحكومة المنفى هذه إلا أن تكون هي أيضاً مجرد ظل باهت للبندقية نفسها. ولو تم تشكيل الحكومة وأرادت أن تمارس نفوذاً على الأرض فلن تجده إلا في الأراضي التي تحتلها «قوات الدعم السريع» ، ولا يظنن أحد أن من حملوا البندقية وقاتلوا ، بغض النظر عن الجانب الذي يقفون فيه ، سيسلمون أنفسهم وبندقيتهم لإدارة مدنية من سياسيين لم يقاتلوا معهم ، بل الظن الغالب أنهم سيستغلون هذه المجموعات السياسية غطاءً لتمرير أجندتهم ، ولفترة قصيرة. والأسوأ والأغرب من كل ذلك أن تتبرع مجموعة سياسية مدنية بأن تحمل على عاتقها كل أوزار وجرائم «قوات الدعم السريع» التي ارتكبتها في كل المناطق التي تقع تحت سيطرتها.

 

السؤال الأهم والأكبر هو : هل هناك أي دولة أو منظمة دولية ستعترف بحكومة المنفى هذه؟ لا يبدو حتى الآن أن هناك استعداداً لأي طرف دولي أن يفعل ذلك ، وليس من سبب أن يكرروا تجارب فاشلة في كل الإقليم. ومن السذاجة الظن بأن من يعترف بك كقوى مدنية ذات وزن وصوت في الشأن السوداني ، ويمنحك الاهتمام ويستمع إليك ويستشيرك ، سيكون لديه الاستعداد للاعتراف بك كحكومة منفى. هذا أمر مختلف جداً وسيخضع لحسابات طويلة ومعقدة لن تكون في النهاية في صالح حكومة المنفى.

 

‫2 تعليقات

  1. يا فيصل ظروف شكلك بتقول بعد مرقت من بطن امي ان شاء الله تعقر….الحكومة التي يتم تكوينها مطلوبة لمقابلة ظروف السودانيين داخل وخارج السودان …البرهان حاليا عنده وزراء همهم في بورتسودان يحصلوا وجبة السمك في السقالة وبالليل سهرات في كورنيش البحر البيدفروهو عشان يمشي عطبرة بيكون مبلول الحسم والملابس الداخلية الي حين يرجع لبور كيزان الواحد منهم منتظر دعوة للاتحاد الاوربي لحضور اي فعالية عشان يتحصل علي اللجوء ودي ظاهرة تكررت في موظفين وزارة الصحة

  2. لم يطرح الكاتب المتمصرن أي بديل عن فكرة حكومة المنفي ولم ينبس ببنت شفة عن حكومة بورتسودان وجيش الكيزان وانصب جهده في تبخيس فكرة حكومة المنفي و وضع جميع جرائم الحرب في سلة الدعم السريع ولم يبق له إلا ان يهتف بل بس ويأمرنا بمساندة حكومة الكيزان وجيشها.
    ان كان الكاتب يتخوف من عدم الإعتراف بحكومة المنفي فهاهي حكومة (البرهان لوحده) مفروضه كأمر واقع منذ الإنقلاب ولم يعترف بها أحد ومع ذلك يسبح الكيزان واليساريون والناصريون بحمدها صباح مساء،فلماذا يكون تكوين الحكومات حلال عليكم وحرام علي تقدم؟
    اما عن السلطه المدنيه فهي ليست في دارفور وحدها كما تزعم وانما هي موجوده في دارفور وكردفان والخرطوم وجميع مناطق سيطرة الدعم السريع وربما تكون مناطق الدعم افضل حالا من ناحية اقتصاديه واداريه بإستثناء الخدمات التي كانت وقفا علي دولة 56 العنصرية من جوازات و وثائق وتعليم وطيران ونحوها.
    وانت تعلم ان تقدم لم تتبرع لتحمل اي جريمة او وز عن اي من الاطراف المتحاربة وتعلم ان اغلب جرائم الحرب هذه وما سبقها من جرائم حروب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي وقتل خارج القانون والقتل علي الهويه وغيرها،كان يقوم بها ولا يزال جيشك الذي تراه ملاكا طاهرا إضافة لجرائمه المستديمة بتفريخ المليشيات وهو ما يقتضي ان يتحمل ايضا جرائمها مجتمعة وفرادي.
    نجد لك العذر في انك منافحتك عن الجيش تنطلق من ان بلد المنشأ للجيش وتنظيمك الناصري الذي تنتمي إليه هي مصر! وكفي بك لوثة عقلية ان تري عدو بلدك ومدمرها ومقعدها وناهب خيراتها ومستعمرها القديم الجديد، كفي بك عار ومذلة ان تراه قدوه ومثالا يحتذي!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..