مقالات وآراء

خطاب الكراهية.. ميراث الحرب وإرث الكيزان

 

حيدر المكاشفي

من المؤسف جدا أن يتفشى وينتشر خطاب الكراهية، ويعم مختلف منصات ووسائط التواصل الاجتماعي بين بعض المكونات السودانية بداخل السودان وخارجه، ينشرون الكراهية ويدعون للعنف ويشيعون البذاءات والتفاهات. ولست هنا بطبيعة الحال لاجترار هذه الملاسنات والمطاعنات والتعليق عليها،وانما انا هنا لغرض مضاد ومختلف تماما لهذا الخطاب القمئ البذئ العنصري العشائري المتخلف، غير أنني أجد أن تلك العبارات المسيئة والجارحة التي يتم تبادلها،تصلح أن تكون مدخلا للحديث عن أدب الاختلاف والبعد عن خطاب الكراهية الذي شد ما تحتاجه بلادنا من أجل ترقية وتنقية الخطاب والحوار سياسيا كان أو مجتمعيا أو حتى لو كان بين فردين، من الاوشاب اللفظية والاستفزاز والتحرش اللفظي والتنابذ واصحاح بيئة الاختلاف من الحسك والقشف ولغة الرمتالة وصعاليك قاع المدينة، خاصة اذا صدرت من من يفترض أنهم من النخب والقيادات والمتعلمين والمثقفين المنتظر منهم والمأمول فيهم أن يقدموا القدوة والمثال للاخرين من عامة الشعب، باعتبار أن ذلك هو أول عتبات التعافي الوطني، فمثل هذا الخطاب مكروه في كل الاحوال وبالاخص في حالة الحرب الحالية، حيث تصبح الحاجة ماسة وملحة الان أكثر من أي وقت مضى، لأن يتركز الصراع والنقاش على أمهات القضايا والبعد عن الشتائم والسباب والتحدي، فالمرحلة الدقيقة الحالية تتطلب خطابا دقيقا يوزن بميزان الذهب، بل قل بميزان بيض النمل، فلا أقل علينا جميعا اليوم من ان نصد عن كل قول نابئ وشتيمة مقذعة وكتابة موغلة في وحل القبلية والعنصرية وغارقة حتى أخمص أقلامها وحناجرها في التهويش والتهميش والزراية بالاخر، وكل هذه مطلوبات واستحقاقات تكون الحاجة لها أكثر في ظل الاوضاع الهشة لاسيما في أوضاع الحرب الحالية،رغم أنها مطلوبة على الدوام،اذ لا يستقيم منطقا وعقلا أن يبقى ولو صوت واحد في أي جزء من هذا الوطن يجأر بخطاب الكراهية،ولينظر أهل السودان جميعا بكل فسيفسائهم فيما حولهم ان كانوا حقا يؤمنون بالتراضي والتعافي الوطني الذي لن يتحقق مطلقا بطريقة اشتمني واشتمك،فالقعدة الذهبية تقول كل سخرية تقابلها سخرية مساوية لها في المقدار ومضادة لها في الاتجاه.

والمشكلة ليست في الخلاف واختلاف الرؤية والتقدير،ولكن في الطريقة التي تعبر بها عن هذا الاختلاف، بانتقاد وذم وقدح الممارسات والمواقف والسياسات وليش الشخصيات والخصوصيات،وأن تمارس النقد والهجوم بعيدا عن الاشارات العنصرية وخطاب الكراهية.

من المفارقات الغريبة التي يجدر ذكرها على ذكر خطاب الكراهية،أن أكبر منتج ومروج لخطاب الكراهية هم جماعة الاسلام السياسي (الكيزان) سابقا والان،فعلى عهد صحافة الجبهة الاسلامية خلال العهد الديمقراطي الذي أعقب انتفاضة أبريل 1985،ولعبت تلك الصحافة بكل خبث لتخريب العهد الديمقرطي والتمهيد للانقلاب عليه، ومن ذلك الشتائم القبيحة التي كانت توجه لبعض رموز ذلك العهد، مثل مسمى (منتشة) الذي أطلقوه على مولانا أحمد الميرغني رحمه الله الذي كان يرأس مجلس رأس الدولة حينها،وذلك سخرية منه على طريقة قراءته للاية الكريمة (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء الخ الاية الكريمة) ومثل لقب توم كديس الذي اطلقوه على وزير الاعلام وقتها التوم محمد التوم والبراميلي الذي الصقوه بعبد السلام الخليفة القيادي بحزب الامة،وغير ذلك من الصفاقات التي استفزت استاذا في الاعلام فألف في تلك الصحافة كتابا حمل اسم (مهنة في محنة).

وبعد ثورة ديسمبر المجيدة واصلوا الردحي على طريقة الفاتيات،وانخرطوا في نشاط محموم يظاهرهم فلولهم في تنفيذ أحد خططهم التي رسموها ضمن خططهم الاخرى التي رسموها للعودة الى السلطة،فقد صعب عليهم مفارقة نعيمها وصولجانها،ولهذا باتوا في استعجال ولهفة لاستعادتها بأي ثمن،خاصة بعد أن هيأ لهم انقلاب اكتوبر 2021 كل أجواء العودة،والخطة التي نعنيها هنا هي العودة لممارسة العنف بكل معانيه الجسدي منه بالقتل واللفظي بعبارات التهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الامور، ويمكن لأي مراقب عادي ومتابع للأحداث خلال السنوات الاخيرة ما بعد الثورة، ان يحصي عددا كبيرا من احاديث ومخاطبات وخطابات متفرقة وفي مناسبات مختلفة لعدد من قيادات الكيزان والفلول،درجوا على تنظيمها بعد ان منحهم الانقلاب الضؤ الاخضر وتعهدهم بالحماية والتأمين،على التفوه بها بأصوات راعدة ومتوترة، ومؤدى كل هذه الاحاديث والخطب التهديدية، أنهم ان لم يعودوا للسلطة ويستعيدوها عنوة، فانهم سيحولون السودان الى جحيم وسيجعلون منه حلقة جديدة ستنضم الى حلقات الارهاب، وانهم سينحون جانبا ويهمشون من كان منهم معتدلا وبراغماتيا ووسطيا،لأنهم عازمون بحد أقوالهم المرصودة والموثقة على تحويل السودان بحدوده المفتوحة الى بؤرة فوضى ومركز لعدم الاستقرار،فلا عجب اذن من سيل البذاءات والتفاهات المتدفق هذه الايام الذي ينحو فيه للتهديد بالقتل والسحل بل وممارسته فعليا بعد الحرب التي أشعلوها لاعادتهم الى السلطة كاخر ما في جعبتهم بعد ان فشلت خططهم السابقة، وليس بمستغرب الان ان يستعيدوا ارث نظامهم البائد الخطابي المتوتر الذي أورد البلاد موارد الهلاك،ولكن قل لي من أن يأتون بخطاب غيره،وهم الذين تربوا عليه وترعرعوا ونشأوا فيه فتلك هي بضاعتهم التي لا يحسنون غيرها وهي ارثهم المتوارث كوزا عن كوز.

 

تعليق واحد

  1. لقد اورد الاسلامويون بلادنا الحبيبة الى مزالق التهلكة ولكن تظل حقيقتهم بانهم يقتاتوت دائما على التناقضات ولكنهم عنصريون متنمرون فى دواخلهم فالذى يسترجع ماقاله داؤود يحى بولاد قبيل تمرده على الحركة الاسلاموية يدرك ان هؤلاء القوم تضمحل عندهم اصرة الدين وتضعف كلما ارتبط الامر بمصالحهم الدنيوية لذلك لا يالون جهدا فى اذكاء لهيب التمزق وانهاك الوطن بالتنافر و تسعير رقعة الحرب بكل الامها وكوارثها…. نتذكر جيدا صحف الجبهة الاسلاموية فى الديموقراطية الثالثة وكيف انحدرت الى درك هو مادون الاسفل فى الاساءات وتشويه واغتيال الشخصيات.. لا نقول ابدا بان احدا ممن تولوا المناصب العامة معصومون عن الخطا ومرفوع عنهم النقد بل الحقيقة ان المطلوب من الاعلام وقنواته عملها وواجبها الاشارة الى مواطن الخلل بموضوعية والترفع عن الشخصنة والابتذال.. فجريدة كالوان وصاحبها كانت منبرا للتهافت الحزبى وقطعت شوطا بعيدا فى ذلك والغريب انها لم تتناول فى اى يوم رمزا من تنظيم الجبهة الاسلامية وما اكثر عيوب رموز هذا التنظيم… تصور ان تنظيما حزبيا يستفز الناخب والذى تقوم عليه العملية الديموقراطية بان هناك ناخبين فى ؤاير الوعى واخرين فى دوائر غيرها لا لشئ سوى ان مرشحى هذا التنظيم قد خسروا الانتخابات.. ويطربون فى نفس الوقت ان تنظيمهم قد فاز فى دوائر الخريجين وهذه بدعة سودانية بحتة وتكبر على المواطن الذى لم يتخرج لاى سبب ففى الديمقراطية تساوى بين الناس ولكن الخريج فى بلادى مواطن يستحق اكثر من غيره فقط لانه تخرخ من جامعة اومعهد ولا يهم ماذا كان مفيدا للمجتمع…مدرسة اعلام الجبهة الاسلاوموية الحقت ضررا بالغا بالمسيرة السياسية فى البلاد ومهدت الطريق لانقلايهم المشؤوم فى يونيو1989م.. ولا حقا اضرت هذه المدرسة بالوطن ايما اضرار ومهدت لانفصال الجنوب بمزاعم عنصرية بغيضة بالله عليكم كان كان يصور برنامج ساحات الفداء الراحل جون قرنق… وما شابه الليلة بالبارجة فقد خرج علينا يوسف عبد الحى بمقولته العنصرية الذميمة ( بان هؤلاء لا يشبهوننا) ومن يريد هذا الدعى ان يشبهه وهو من يزعم بانه داعية فلماذا لا يجتهد نحوهم ويضمن له مقعدا فى الجنة كما قال الحبيب المصطفى مبشرا من يدخل احدا الى الاسلام احسن له من حمر النعم..هذه الحرب اظهرت شخصيتنا السودانية الحقيقية وما بها من علل منها العجز الواضح فى ابتداع الحلول وارتياد افاق افضل لاستكشاف البدائل بل اوضحت الحرب اننا لا نستفيد من تجاربنا ابدا فالطريقة التى اطيح بحكومة عبود بها هى الطريقة ذاتها التى ااطاحت بجعفر النميرى وهى ذاتها التى انهت الانقاذ ولكن التجارب نفسها تكررت بدون اجابة للسؤال الاهم ثم ماذا بعد؟؟ لنعود لمستنقع الفوضى وتنسد الافاق وندخل النفق المظلم من جديد مثلما هو حادث اليوم… خطاب الكراهية خطاب عاجز لا يقدم الحلول ولا يسهم فى الخروج من وهدة هذه الازمة بل يعقد الوضع ويزيده لزوجة..خطاب الكراهية يبثه اناس يختبئون خلف لوحات المفاتيح ولا يظهرون شخصياتهم الحقيقية وهم يعيشون فى بلاد بعيدة ويتسلون بتمزيق الوطن والاغرب انهم يعيشون فى بلاد حاربت مئات السنوات قوى الانفصال فيها كما سنت قوانين رادعة لمناهضة التمييز …وهؤلاء فى ملاجئهم يستفيدون من تشريعات تحميهم من التمييز الذى يمكن ان يمارس ضدهم هناك… فجيعتنا كبيرة فى هؤلاء لم ينقلوا لنا تجارب تعيننا على التعايش وقبول الاخر فى الوطن الواحد بل صاروا عونا للطغاة يزينون لهم سوء افعالهم بحرق الوطن … نشكر للدكتور على الحاج شجاعته حين اعترف بانهم خدعوا بالشعارات الزائفة مستشهدا بان العلمانية ( نعمة) اتفقنا او اخنلفنا معه ولكنه قالها وهو مالم يجرؤ احد من رصفائه على قوله..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..