مقالات وآراء

الدكتور عبد الله النعيم في فلسفته النقدية للتاريخ عالم اجتماع متجاوز للمؤرخ التقليدي

طاهر عمر

في هذا المقال سأحاول تسليط بؤرة الضؤ على منطقة مظلمة في محاولات النخب السودانية وهي جاهدة في جسر الهوة التي تفصل بين فلسفة التاريخ الحديثة وفلسفة التاريخ التقليدية وقد عجزت النخب السودانية عجز بائن أن تدرك في أي من المحطات تقف الآن والظاهر للمتابع لكتابات المؤرخ التقليدي السوداني أنه قد فقد البوصلة تماما ولأسباب كثيرة أهمها غياب مراكز بحوث تكرس الجهود الفكرية للنخب وهي مبحرة في محيط الفكر لكي تحدد وجهتها المؤدية لطريق ينفتح على الفلسفة النقدية للتاريخ المفضية على مفهوم لإنسانية تاريخية وقد تبعها تغيّر مهم لكثير من المفاهيم مثلا مفهوم الدين التاريخي ومفهوم الإنسان التاريخي.

وصعوبة المهمة لنا تكمن في أن هناك محاولات باهرة من مفكريين سودانيين ترتقي أن تكون في مصاف المحاولات الجبّارة لكسر طوق الفكر التقليدي والايمان التقليدي مثل الفكرة التي قدمها الأستاذ محمود محمد طه في فكره وقد وضعته في مقام المفكر السوداني الوحيد الذي يقترب من مفهوم الدين التاريخي كما تحدث عنه محمد أركون إلا أن النخب السودانية التقليدية في إجادتها للإنكفاء والإلتواء قد إلتفت على الفكرة وأعادتها من جديد لحيز الفكر التقليدي السوداني المجافي لأفكار عقل الأنوار وأفكار الحداثة التي قد قضت على جلالة السلطة وقداسة المقدس كما يقول بودلير.

نقول إنكفاء النخب السودانية وإلتواءها الذي يعود بالتلميذ الى حيز المثقف التقليدي وأبهر مثال على ما أقول محاولات الدكتور النور حمد وهو من ألمع تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه وأقربهم بأن يسير بفكر الأستاذ الى مستوى أرقى أو قريب من مستويات الفكر التي أنجزته الإنسانية التاريخية في مسيرها إلا أنه قد كبى في ارض المعركة وعاد ليغوص في حيز الفكر الأصولي وإستحالة التأصيل في تقديمه لفكرة المؤالفة بين العلمانية والدين في لقاء نيروبي الذي خضعهم به الكوز خالد التجاني النور.

ربما تجد العذر لكل من النخب التي كانت في لقاء نيروبي ومنهم كل من كمال الجزولي ورشا عوض وهما لا يخرجان من وحل الفكر الديني التقليدي ولكن لا يمكنك أن تجد العذر للدكتور النور حمد وهو تلميذ للأستاذ محمود محمد طه الذي قد تحدث في فكره عن الفكر الأصولي وإستحالة التأصيل قبل محمد أركون وعليه يكون من غير المتوقع من تلاميذ الإستاذ محمود محمد طه بأن يكونوا صيدا سهلا لخداع الكيزان مهما كانت درجة حيلهم كما حصل مع النور حمد في لقاء نيروبي.

بالتالي يصبح فكر الدكتور النور حمد في لقاء نيروبي مخيب للظن بل يمكنك أن تقول بأن دكتور النور حمد في مؤالفته بين العلمانية والدين في لقاء نيروبي جاءت نتاج إمتلاكه لنصف الفكرة الجمهورية وأقصد نصف الفكر الجمهوري في إبداعات الأستاذ وإمتلاك الدكتور النور لنصف الفكرة وليست الفكرة كاملة جعله يقدم فكرة المؤالفة بين العلمانية والدين ويعجز بأن يسير بالفكرة كاملة الى نهاية الشوط كما سار بها الدكتور عبد الله النعيم ووصل لفكرة العلمانية وإمكانية فصل الدين عن الدولة في فكر ليبرالي واضح وهذا ما دعانا للحديث عن الفلسفة النقدية للتاريخ في فكر الدكتور عبدالله النعيم.

وفلسفة الدكتور عبد الله النعيم النقدية للتاريخ جعلته غير عابئ بنقد كثير من زملاءه الجمهوريين لفكره الذي قد أوصله لفكرة فصل الدين عن الدولة وهذا أيضا ما يجعلنا أن نقول أن فلسفة الدكتور عبدالله النعيم النقدية للتاريخ فلسفة تحمل في طياتها كثير من الأفكار التي لا تجد لها مثيل في خيال النخب السودانية بل تجعله متفوق حتى على أقارنه الجمهوريين.

وبسيره بالفكرة الى نهاية الشوط يكون الدكتور عبدالله النعيم قد فارق مواقع كثير من الجمهوريين أي تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه ولا شك في نبوغهم ولكن لا تفصل بينهم وبين الكيزان إلا بضع خطوات فيما يتعلق بفصل الدين عن الدولة بشكل واضح كما تحدث عنه الدكتور عبدالله النعيم في فلسفته النقدية للتاريخ وبالمناسبة حتى فكرة العلمانية المحابية للأديان في حوار حول الدولة المدنية لمحمد ابراهيم نقد تعتبر متخلفة جدا ومتأخرة عن فكرة الدكتور عبدالله النعيم في فكره الليبرالي الواضح وفصله للدين عن الدولة.

وبالتالي يحق لنا أن نقول أن للدكتور عبدالله النعيم فلسفة نقدية للتاريخ تختلف عن فهم المؤرخيين التقليديين السودانيين الرازحيين تحت نير فلسفة التاريخ التقليدية وتختلف فلسفة دكتور عبد الله النعيم النقدية عن أغلب أفكار النخب السودانية الغائصة في وحل الفكر الديني.

وعليه يمكننا القول أن فكر الدكتور عبدالله النعيم عن نظم الحكم في المجتمع وحديثه عن الديمقراطية الليبرالية كنظام حكم في المجتمع وفكرته عن فصل الدين عن الدولة تجعل منه عالم إجتماع قل نظريه من بين المفكريين السودانيين و بالمناسبة يذكرنا فكر الدكتور عبدالله النعيم بفكر منتسكيو في روح القوانيين وكان رأي ريموند أرون في أن أفكار منتسكيو في روح القوانيين وحديثه عن مجتمع تفصل فيه السلطات تجعل من منتسكيو عالم إجتماع من الدرجة الاولى وليس قانوني تقليدي.

وكذلك دكتور عبدالله النعيم هو قانوني إلا أن فكرته عن الليبرالية والعلمانية وفصل الدين عن الدولة تجعل منه أي من الدكتور عبد الله النعيم عالم إجتماع لا يشق له غبار مثل منتسكيو في حديثه عن المجتمع في روح القوانيين لذلك يمكنك أن تسمي الدكتور عبدالله النعيم منتسكيو السودان في مفارقته لمدار القانوني السوداني التقليدي ومسار المؤرخ التقليدي السوداني ومن هنا حق لنا أن نقول أن للدكتور عبدالله النعيم فلسفة نقدية حديثة للتاريخ.

مدخل دكتور عبدالله النعيم لفلسفته النقدية للتاريخ متشابه في أبعاده مع منهج هابرماس في حديثه عن السياسة والديمقراطية والقانون ويختلف قليلا عن الفلسفة النقدية للتاريخ التي ينطلق منها ريموند أرون في بحثها عن أفق السياسة وعلم الإجتماع والفلسفة لذلك تأتي مقاربات الدكتور عبدالله النعيم في شكلها المعقد لنخب سودانية تقليدية لا تمتلك أي فلسفة نقدية للتاريخ وبالتالي تكون فلسفة عبدالله النعيم النقدية عصية على الفهم لأغلب النخب السودانية وهي رازحة في حيز فلسفة التاريخ التقليدية لأن فلسفة عبدالله النعيم تعتبر بعد رأسي يحتاج لقارئ مدرب وليس قارئ ناعس لأن القارئ المدرب يمكنه أن يدرك أن فكر الدكتور عبدالله النعيم ينسبه لعلماء الإجتماع.

في ختام هذا المقال يلزمني التوضيح وهو أن فلسفة التاريخ النقدية للدكتور عبدالله النعيم في غوصها في السياسة والديمقراطية والقانون تعتبر عصية على الفهم وتحتاج لتدريب هائل ينفتح على فن القراءة كما تحدث عنه الفيلسوف الفرنسي ادغار موران وهي خط موازي لفلسفة التاريخ النقدية التي تحدث عنها ريموند أرون وهي مقاربات بين الفلسفة والسياسة وعلم الإجتماع وبالمناسبة عن فلسفة التاريخ النقدية التي تعالج علاقة علم الإجتماع والسياسة والفلسفة نجد جهود كل من الدكتور الصديق الزيلعي والمرحوم الخاتم عدلان وهي جهود تقف جنبا لجنب مع جهود الدكتور عبدالله النعيم وثلاثتهم آباء لأفكار الفلسفة النقدية للتاريخ في مفارقتها لفلسفة التاريخ التقليدية في السودان.

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. ما يفهم من مقالك هو أن عبدالله النعيم علماني الفكر و العلمانية ظهرت منذ عدة قرون قبل مولد عبدالله النعيم فما الجديد ؟

    فكر الجمهوريين هو فكر علماني بحت و لكن مع مراوغة و تضليل باستخدام فكر باطني و ربطه بالدين , فمحمود محمد طه يسمي الشريعة الاسلامية بشريعة القرن السابع الميلادي أي ان بكل بساطة يفصل الدين عن الدولة بطريقة خبيثة و مضللة و لذا تم الحكم بخروجه من الملة من قبل عدة هيئات اسلامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..