اخبار السياسية الدولية والاقتصاد

من يهدد الأمن المصري؟

 

د. جيرار أديبا

أكد وزير الدفاع المصري الفريق أول عبدالمجيد صقر الخميس الثاني عشر من ديسمبر، جاهزية القوات المسلحة “لردع كل من تسول له نفسه المساس بأمن مصر واستقرارها.” جاء ذلك خلال لقاء القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي مع أعضاء لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشيوخ المصري بحضور الفريق رئيس أركان حرب القوات المسلحة أحمد خليفة، وذلك بمقر الأمانة العامة لوزارة الدفاع.

هذا، وكانت القوات المصرية قد نجحت في وقت سابق من توجيه ضربات جديدة للعناصر الإجرامية والمهربين وإجهاض المخططات والمحاولات التي تستهدف الإضرار بالأمن القومي المصري. أما بخصوص العناصر الإجرامية والمهربين، فهؤلاء لا يهددون الأمن القومي لأي بلد، ولكن أن يذكر بيان القوات المسلحة عن إجهاض المخططات والمحاولات، فهنا يكمن السؤال، من يريد استهداف أمن مصر القومي؟

مصر ليست جزيرة نائية بعيدة عن كل ما يحدث في الشرق الأوسط، فهي في قلب الحدث، لا بل الحدث نفسه. لاسيما وأن ارتدادات ما حصل في سوريا من نجاح المعارضة في قلب النظام العسكري المتمثل ببشار الأسد والحزب البعث المسيطر، يضع النظام العسكري المتبقي في مصر، منذ نجاح ثورة الضباط الأحرار بقيادة جمال عبدالناصر عام 1952 في استلام الحكم، في دائرة السقوط.

تأكيد وزير الدفاع أن مصر تواجه تحديات كبيرة في ظلّ قيادة رئيسها عبدالفتاح السيسي يدفع بالمتابع إلى تحديد مصير البلاد. لا يجب أن يغض أحد النظر عن الأحداث التي تضرب الشرق الأوسط، والتي لها ارتدادات مباشرة على الصعيدين الأمني والاقتصادي على مصر. إذ تأثرت حركة النقل في قناة السويس، المتنفس المصري على البحر الأحمر، بما أعلنت عنه حركة الحوثيين في اليمن من قطع الطريق البحرية عن إسرائيل إسنادا لغزة من خلال توجيه الضربات وتنفيذ الاعتداءات على السفن، التجارية أم العسكرية التي يشتبه بأن تكون متوجه إلى ميناء حيفا في فلسطين المحتلة، الأمر الذي جعل من إيرادات مصر عبر القناة تنخفض إلى ما دون 40 في المئة.

قد لا يكون ما تقوم به حركة الحوثيين يهدد الأمن القومي المصري رغم انعكاسه السلبي على مؤشرات النمو المصري. لأنّ الحركة ربطت ضرب الملاحة هناك، بوقف إسرائيل عدوانها على قطاع غزة. لهذا يكثّف المصري إلى جانب القطري الجهود الدبلوماسية بالتنسيق مع الإدارة الأميركية للوصول إلى تسوية تنهي الصراع وتحرر الرهائن الإسرائيليين من أنفاق حماس، ففي هذه الطريقة يتوصل المصري إلى إحداث انفراجة على القناة ما يعيد الحركة إلى طبيعتها.

◙ بعيدا عن أمن مصر القومي وجهوزية الجيش، قد يكون هناك سيناريو أمني آخر يستعد له الجيش المصري ويتخوف من حدوثه، وهو نظام “العسكريتاريا” الوحيد المتبقي في المنطقة

إذا لم يوجه عبدالمجيد الصقر تهديده صوب اليمن، ولا يبدو أنه يحاكي تهديدا إسرائيليا محتملا من خلال شنّ عمليات عسكرية داخل البلاد على غرار ما تقوم به الطائرات العسكرية في أكثر من جبهة في المنطقة. إذ ببساطة مصر ليست في محور الممانعة، فهي في المقلب الثاني من مشروع إيران التوسعي في المنطقة. لكنّ هذا لا يعفيها من مواجهة عسكرية قد تكون حتمية مع إسرائيل، في حال نفّذت إسرائيل وعدها وسعت لإنجاح عملية “ترانسفير” لسكان قطاع غزة إلى سيناء لاقتطاعها وجعلها وطنا بديلا عن فلسطين، كما ورد في صفقة القرن، التي وقعت عليها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. لكنّ ترامب اليوم لم يعد رئيسا سابقا، بل منتخبا، وينتظر استلام ولايته، لهذا فالتخوف من إعادة تطبيق الصفقة وارد، ما يجعل الجيش المصري يتحرك للدفاع عن سيادة بلاده من جهة، ومن ناحية ثانية يدافع عن مبدأ “حق العودة” للفلسطيني وعدم توطينه في أرضه الجديدة.

بين جنون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولا عقلانية ترامب في قراءته للملفات ما يجعل الصفقة واردة، لهذا يجب على الجيش المصري أن يكون في أهبة الاستعداد لأي سيناريو محتمل يهدد أمن بلاده القومي.

بعيدا عن أمن مصر القومي وجهوزية الجيش، قد يكون هناك سيناريو أمني آخر يستعد له الجيش المصري ويتخوف من حدوثه، وهو نظام “العسكريتاريا” الوحيد المتبقي في المنطقة، والذي بات يستشعر بأن نجاح الإسلاميين في الوصول إلى السلطة في سوريا، ومباركة حركة حماس له، قد يعيد مشهدية الصراع الدموي إلى داخل مصر بين جماعة الإخوان المسلمين والسلطة.

في محاولة لاستعياب وصول الفصائل إلى السلطة، كانت مصر قد مهدت طريق المصالحة مع دمشق، وأعادت تصويب العلاقة بين البلدين بعدما وصلت إلى أدنى مستوى على الصعيد الدبلوماسي بسبب المواقف العربية من جرائم النظام بحق شعبه. لكنّ سقوط الأسد وضع السيسي أمام تحد حقيقي، لاسيما وأن من أسقط الأسد، هم جماعات ملتزمة أو متطرفة، قريبة من حركة الإخوان المسلمين في مصر.

لن نعود بالتاريخ كثيرا إلى الوراء، بل إلى عام 2011 بعدما أسقطت الحركة الثورية المصرية في ساحة التحرير الرئيس المصري (العسكري) حسني مبارك، لتأتي نتائج الانتخابات المصرية بنجاح محمد مرسي المنتسب إلى جماعة الإخوان ووصوله إلى سدّة الرئاسة. إن وصول “إخونجي” إلى السلطة في مصر ليس تفصيلا، بل هو حدث مهم يجب التوقف عنده وقراءته. إذ هذا يؤكّد أن الشعب المصري بات يرفض حكم العسكر، وإن الحنين إلى تطبيق الشرع مستحب، لهذا أخذ المصري روحا في نجاح القوى المعارضة في الوصول إلى السلطة في سوريا.

شكلت الأحداث المتسارعة في سوريا مصدر قلق لمصر، وإن المرحلة المقبلة تجعل تركيا تلعب دورا في بناء مستقبل المنطقة بالتنسيق مع حزب التنمية والتحرير التركي. فتركيا الطامحة هي نفسها تركيا التي يحكمها حزب يدور في فلك الإخوان المسلمين، لهذا سارع السيسي إلى فتح ذراعيه للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكانت المصالحة في الزيارة التاريخية له إلى القاهرة في فبراير الماضي.

تماما كما الأسد، لم يستطع السيسي إلى الآن تحديد وجهة بلاده السياسية، ولم يستطع أن يثبّت تموضعه في ظل الانقسام الدولي بين الغرب والحلف الصيني – الروسي. رغم أوجه التشابه، لكنّ مصر ثابتة في رسم إستراتيجية مع دول الخليج العربي، تحاكي رفض النفوذ الإيراني كما التركي في المنطقة، فهل ستصمد أمام موجة التغييرات القادمة في المنطقة؟

العرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..