السيسي يُظهر دهاء سياسيا بعدما قرر ألا يكرر غلطة الأسد
أظهر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دهاء سياسيا واضحا عندما قرر ألا يكرر خطأ الرئيس السوري السابق بشار الأسد، الذي استهان بما حصل في بلاده من نقمة وغضب وثورة مسلحة عليه وتجاهل قراءة المشهد الإقليمي، معترفا بأن الوضع خطير ويحتاج إلى تعامل جدي معه.
ولم ينكر السيسي خطورة التداعيات السياسية والأمنية في سوريا، والتي يمكن أن تزحف نحو بعض دول المنطقة، مطمئنا المواطنين بقوة جهازي الجيش والشرطة في مصر، وملمحا إلى الخطر الكامن الذي تمثله جماعة الإخوان حاليا.
وتذكر مصريون ما قيل عندما اشتعلت الثورة الشعبية في تونس ضد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي قبيل نهاية عام 2010، حيث ردد كبار المسؤولين في القاهرة باستهانة آنذاك عبارة “مصر غير تونس”، ثم انتقلت العدوى إلى مصر بعد أيام قليلة، وهو ما يحاول السيسي تجنبه.
الخطاب الرسمي يحصر التهديدات في النطاق الأمني، ويتجاهل الإصلاحات السياسية وتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية
ويستشعر الرئيس المصري أن ما حدث في سوريا من تغيير عنيف قد يكون مقدمة للانتقال إلى دول أخرى، من بينها مصر، ما جعله يبدي أقصى درجات الصرامة الأمنية لمواجهة أي حراك، وفي الوقت نفسه طمأنة الشعب بهدف المزيد من الالتفاف حوله واعتبار أن “وعي الشعب المصري وتكاتفه هما الضمانة الأساسية لتجاوز الأزمات الإقليمية.”
حملت اجتماعات عقدها الرئيس السيسي الأحد مع قادة الجيش المصري والشرطة المدنية والأجهزة الأمنية المختلفة، ولقاؤه مع عدد من الإعلاميين، رسائل عديدة للداخل والخارج، أبرزها قوة الجيش وقدرته على التعامل مع الأخطار الداهمة، دون إنكار وجود خلايا نائمة متطرفة تابعة لجماعات إسلامية.
وجاءت اجتماعات السيسي بعد مرور ساعات على دعوة تنظيم الإخوان (تيار التغيير أو الكماليون) أعضاءه إلى التجهيز لثورة تعمل على إسقاط النظام المصري، واستلهم التيار الذي ينتهج العنف لتحقيق أهدافه تجربة إسقاط نظام الأسد في سوريا، ما يعني أن الدعوة تتضمن حضا مباشرا على العودة إلى استخدام العنف ضد الدولة المصرية.
وكشفت اجتماعات السيسي مع قيادات المؤسسات الأمنية عن وجود استعداد مصري للتعامل مع أي سيناريو قد يشكل تهديدا للأمن الداخلي، خاصة أن إعلام تنظيم الإخوان يحاول منذ سنوات تأليب المواطنين على النظام بمصر، والاستفادة من نتائج الأزمة الاقتصادية وتسليط الضوء على حالات سلبية في المجالين الحقوقي والسياسي.
ودعا تيار التغيير بجماعة الإخوان المصنفة إرهابية في مصر إلى ما وصفه بـ”المشاركة والعمل الجاد والمشترك ضمن رؤية ثورية إستراتيجية،” وحاول في بيان نشره على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إحياء فكرة إنهاء الانقسام داخل الجماعة، معتبرا أن “المرحلة الراهنة تتطلب تضافر الجهود.”
وقال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد سلطان إن البيان جاء في سياق إقليمي متغير، حيث يتشكل في سوريا نظام جديد له خلفية مرتبطة بالتيارات الإسلامية الحركية، والتي بدورها ترتبط بالسلفية الجهادية، وهناك معلومات تؤكد وجود علاقة بين هيئة تحرير الشام وتيار التغيير في جماعة الإخوان، وكان هناك تعاون وتنسيق عملياتي أثناء فترة العمل المسلح للتيار داخل مصر.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “خطة يوم الحسم” التي رصدتها الأجهزة الأمنية المصرية منذ فترة، تتعلق بوجود تحركات واسعة للتنظيمات المسلحة في الصحراء الغربية قرب الحدود مع ليبيا، كانت بالتنسيق مع مجموعات داخل سوريا وليبيا، وكان مخططا لها أن تنطلق إلى محافظات مصرية مختلفة بغرض إسقاط النظام بالقوة المسلحة وتسليم السلطة لجماعة الإخوان مرة أخرى.
وأكد سلطان أن هذه التفاصيل كانت حاضرة بشكل غير مباشر خلال اجتماعات الرئيس المصري مع قادة الأجهزة الأمنية والإعلاميين، بجانب مخططات أكبر مرتبطة بعدة أطراف ترغب في تسخين الأوضاع السياسية في مصر.
ورسم الرئيس المصري صورة للمخاطر التي تحيط ببلاده خلال لقائه مع إعلاميين، وانصب حديثه على مسألة التهجير القسري، وكأن سيناريو تهجير أهالي قطاع غزة بعد الحرب لم يتم وأده بصورة نهائية، وأن جولات أخرى ربما تظهر قريبا.
وتحدث السيسي عن الخلايا المتطرفة النائمة في البلاد، وإنْ لم يحدد هويتها، لكن الوضع يرتبط بالعديد من المنتمين إلى تنظيم الإخوان الذين يمكن أن يتحينوا فرصة الحدث السوري.
الرئيس المصري يستشعر أن ما حدث في سوريا من تغيير عنيف قد يكون مقدمة للانتقال إلى دول أخرى، من بينها مصر، ما جعله يبدي أقصى درجات الصرامة الأمنية لمواجهة أي حراك
وشدد على أن الجيش حاضر وجاهز لتأمين كل الحدود، كذلك الوضع بالنسبة إلى أجهزة الاستخبارات والأمن عامة، والتي تملك معلومات وافية عما يحاك، مؤكدا أن مصر لن تشهد سيناريو شبيها بسوريا، وأن السلطة في القاهرة مختلفة عن دمشق.
ويحصر الخطاب الرسمي في مصر التهديدات في النطاق الأمني، ويتجاهل أهمية القيام بإصلاحات سياسية وفتح الفضاء العام، وتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية سريعا.
وقال الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة (معارض) محمد سامي إن لقاءات الرئيس السيسي يسيطر عليها الهاجس الأمني في مواجهة التحديات المختلفة، والتعامل مع التهديدات الخارجية المتلاحقة. ولئن كانت رسائل اللقاءات قد وصلت إلى المواطنين، وتفيد بأن هناك قوة تستطيع حمايتهم، فإنها لا تغني عن ضرورة تخفيف الأزمات المعيشية عن المواطنين، والتواصل دائما مع الشعب باعتباره الحامي الرئيسي للدولة وتماسكها.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن ذلك يتطلب فتح المجال العام وإتاحة الفرصة أمام مجالات التعبير بشكل يسمح للطاقات الإعلامية بالتعبير عن أوجاع المواطنين ورؤاهم الحقيقية وبشكل مجرد، والتعامل مع المعارضة المدنية بإيجابية لسد الفراغ أمام محاولات عودة جماعة الإخوان إلى المشهد بالقوة، مع اقتناع جميع من يتواجدون في جانب المعارضة بأن الدولة تواجه خطرا حقيقيا يقتضي التكاتف العام.
وذكر أن التكاتف يجب أن يكون نابعا من القيادة، بما يجعل الناس على أرض الواقع يشعرون بوجود تغييرات ملموسة، مع أهمية تخفيف الإجراءات الاستثنائية، والسماح للقوى السياسية الوطنية بالعمل بحرية، وإنهاء ملف المحبوسين على ذمة قضايا الرأي.
ولفت بيان المتحدث الرسمي باسم الجمهورية إلى استمرار جهود التنمية الشاملة في مصر لتحقيق مستقبل يلبي تطلعات وطموحات أبناء الشعب المصري.
العرب