الوطنُ فِي سَمّ الخِياط!!!
دنيا دبنقا
د. نور الدين بريمة
المُهْتمون والمُتعاطون مع القضيَّة السُودانيّة إيجابًا كان أم سلبًا ، أو حتى أؤلئك المتفيْهقون الواقفون على رصيف الصمت ، جميعهم أدْرك جليًا ، أنّه بات من المُهم والضروري ، إنهاء الظلم ، الطغيان والجبروت ، وخلق ارادة ووعي وطني ، لتوفير بيئة مُلائمة وصالحة ، للخروج من براثن الإستبداد العنصري وجدارها الاستعبادي ، الذي اعتقلوا فيه العباد والبلاد ، مما يتطلب وضع خارطة تحترم التباين السياسي ، الثقافي والإجتماعي ، للحد من الحروب والصراعات- بإعتبارها أنفاقًا مظلمة- أوغروا فيها صدور قوم ما زالوا يحلمون بوطن آمن ومستقر ، تهفوا قلوبهم إلى (عش) الكرامة الانسانيّة ، بيْد أن (بلابسة) الألفيّة الثالثة ومن شايعهم وسار على نهجهم ، أدخلوا البلاد- عُنوةً واقتدارًا- في جبّ العنف والتشظي ، بلا حسيب ولا رقيب ، حتّى أن أوزارهم اللامتناهية ، كادت أن تدخل (الوطن) في سَمّ خياط التشظّي والإنقسام ، بل زواله إسمًا ومعنى.
وبدَا طغيانهم متلازمًا للعنف ، بإعتباره عادة جبِليّة تسيدوها بالانتهاكات ، ورثوها كابرًا عن كابر ، لأنهم ما فتؤوا يعمدون على رعاية وسقاية زرعهم بالفتن والمشكلات ، يجني ثمارها دعاة الحق والفضيلة تفتيتًا وتشتيتًا بينهم ، حيث لم يسلم من قطف أشواكها حتى أؤلئك المتسابقون الطامعون في جاه السلطة ، مالها وثرواتها ، لدرجة أنهم أحالُوا إنسانها إلى قطيع كلاب مسعورة للحراسة ، صارت سوق مزارعهم لا خير في تبضّعها ، غير إجادة القتل ، التنكيل والسحل ، فباتت ماركتهم المسجلة ، لهم قُلوبٌ لا تتعقل ولا تتدبر إلا إنتاج الأذى ، وآذانٌهم لا تسْتمتع إلا لأنين ونحيب الضحايا ، وأعْينٌهم لا تُمعن النظر إلا للخراب والدمار ، وأصبح القطيع يتسابق في لعق أحذية بِلاط الطغاة ، وظلوا يبتدرون طاعتهم لأؤلئك الأفراد أو تلك القلة المستأثرة على السلطة والثروة ، باللهث خلف فتات موائدها ، ممّا إنْبهَرت به (إنْبهار الفرَاشة بالنّار المحْرقة) ، كما وصفها د. نبيل راغب في كتابه (علم النقد السياسي) ، وظنّ المتعجرفون أن رمضاء سطوتهم وتحكّمهم ، يستجيرهم من سياط الحق والعدل ، لكنه ، حتمًا فإن عطف السماء وعدالته تلاحقهم بالطبع- لا محالة- تلهبهم سياطها حتى النخاع- عاجلاً كان أم آجلاً- وإن صاروا بلا حس ولا شعور- أي وإن صاروا- خُشبًا مسنّدة بالسفور والفجور ، ولم يدركوا أن رب القاهرين- ذو القوّة المتين- سيمهلهم رُويدًا رُويدا لكنه لن يهملهم إلى الأبد ، إنما يمدّهم في طغيانهم يعمهون بالإنكار والتستر ، إلى أن يرووا أعمالهم أشتاتًا ، فتكوى بها جباههم وجنوبهم هذا ما كنتم فاعلين!!!.
فذلك القطيع الأجرب- الذي أنفه فحول الإفك ولم يخطبوا ودّه- لم يتصوروا أنهم بطاعتهم لدعاة الشر ، إنما يتقرّبون إلى الله أو يتعبدونه زلفى ، بيْد أنهم كما قال د. نبيل راغب ، في ذات الكتاب ، أنهم بتوادُدهم للطغاة- أفرادًا كانوا أم جماعات- إنما (يتقرّبون إليه أو يقرّبهم منه، ليكونوا شُركاءه في الجرائم ، وخِلّانه في المَلذّات ، وقُوّاده في الشَّهَوات ، ومَقاسِيمه فيما نهب) سوى أنهم بصنيعهم يحادّون الله ويحادّون من لم يوادد أولياء نعمتهم ، يعملون بنهجهم وإستدبارهم الكفراني هذا ، على تدريب رؤسائهم على الغِلظة والقسْوة ، والتعسُّف نحْو مُجتمع مسالم (لا بشُروره وحْدها ، بل بشُروره وشُرورهم معًا)- بحسبما أشار د. نبيل راغب- في تلك السطور ، والذي تابع شارحًا أكثر (تزْدان بها مَحافِل رُعْبهم المُشِينة : قتلًا ، تنكيلًا وإبادةً جماعيّة ، تقْشعِرُّ لها النفوس السويَّة) أي النفوس المشرئبّة إلى قسطاس الحق المستقيم، النفوس المهتدية إلى سواء السبيل.
وللتذكير فقط!!!، فإن صيرورة السوءات ، نالت منها ولايات الهامش السوداني ما نالت ، موتًا ، خرابًا ودمارًا، حتى أن ولاية الخرطوم- عقلها المدبر وحمّالة الحطب- لوحدها مثلت مركزًا لحفلات الرقص الشوائيّة ، قد وجدت قدرها وحظها من الويل والثبور وسوء العذاب ، تحقيقًا لعدالة السماء ، لأن كيد الكائدين متين ، والنار إن لم تجد ما تأكله تأكل بعضها ، فالمركز قد رُدّت إليه بضاعته ، كأنما قالوا لها : هذه سوءاتكم قد رُدّت اليكم!!! ، وبالتالي فإن قتلاهم وجرحاهم ، بلغوا أرتالاً من زمّار الغدر والخيانة ، ناهيك عن قتلى وجرحى هامش المركز الطيبين ، كما يضاف لهم النازحين واللاجئين الهائمين ، الذين لم يقترفوا ذنبًا ولا جريرة ، علاوة على الدمار ، الخراب والإنهيار الذي لازم البنى التحتيّة ، وممتلكات المواطنين الأبرياء ، نتيجة حربهم التي نعتوها- زورًا وبهتانًا بحرب الكرامة- وآخرين من دونهم قالوا إنها من أجل الديمقراطيّة ، وكليهما كذّاب أشر ، أشعلا أوار حربهما في (١٥ أبريل ٢٠٢٣م) ، إبتدرا فتيلها بفضّ إعتصام القيادة وما أدراك ما القيادة!!! ، ثم خنقا حكومة الثورة الإنتقاليّة بمختلف أنواع المتاريس ، وقاما بتدوير نفايات الهامش ، الذين ألفوا ثمّ أدمنوا صناعة الأزمات وإنتاج حملات ومراقص التعْذيب ، وأخيرًا أسرجا خيل إنقلابهما على الإنتقال المدني ، عندما ردّد أفاكيهما هائجين في (إعتصام الموز) لن نرجع إلا البيان يطلع ، يتنافسوا في تيههم وضلالهم ، منذ بزوغ فجرهم الكاذب وميلاد إبنهم العاق ، الذي نعتوه (بثورة الإنقاذ الوطني) ، تضليلاً وتحويرًا ، ساموا خلاله الشعب السوداني سوء العذاب ، ذبّحوا أبناءه واستحْيوا نساءه ، واستحلّوا دماءه وموارده ، وجعلوا أهله شيعًا يستضعفون بعضهم بعضًا ، فأرضعوه مذلّة ومهانة.
ولك أن تتخيل/ي- يا من سقاك الله لبنًا وعسلاً مصفى- أن حربهم التي أضرموا نيرانها في إقليم دارفور لوحده ، بولاياته الخمس (جنوبه ، شماله ، غربه شرقه ووسطه) ، إزْداد قتلاه ثلاثمائة نفس أو يزيدون ، وأصابوا فيه أيضًا آلافًا مؤلفة من الضحايا ، حتى كتابة السطور ، ناهيك عن ملايين المشردين الهائمين على وجوههم ، نتيجة إستخدام كرباج التعسّف والقوّة المُفْرطة ، فقط إرضاءًا لشهوة عهرهم السلطاني ، ولمّا تستبينهم النصح ، أو تطرح لهم تساؤلاً عن دواعي تلك المجازر .. يأتيك (موقاويهم) مستنكرًا شنائعهم ، يستنفر لسانه ، كأنه فارًّا من قسورة ، عندما يدافع عن جرائم مترفيه ، ورادّا بأن استحلال ندمائه لدم الموتى والضحايا ، لمطالبتهم بحقوقهم الإنسانيّة وعيشهم الكريم، لذلك تطوى أجسداهم حتى لا يقفوا (ألفًا أحمرًا) ضد بغي فراعنة القرن العشرين ، ظلمهم ، عدوانهم ، معصية حكمهم وإنقلاباتهم الدكتاتوريّة ، فيشتمونهم ويكيلون عليهم السباب نعتًا بالمأجورين السفلة ، والطابور الخامس، يعملون ضد الوطن وسيادته، أو هكذا دومًا يصرخ الطغاة السافلين الغادرين!!!، لأن مُنْتفِعيهم، المُسْترْزِقين من نخاستهم والمحتمين في كنَفهم ، يزينون لهم المشين ، فبلغوا ما بلغوا من الإستبداد والإستكبار!!!.
ثم قل لي بربك عزيزي/تي الكريم/ة!!!.. كيف لا يحدث هذا الهلاك والخراب والدمار وآلة حربهم تصطاد المئات في كل لحظة؟!! بينما قطيعهم يلهث مكتنزًا من القناطير المقنطرة من الذهب والفضة ، مستنفعًا من طواحين الموت، فصار الضحايا ملايين مُردفين من القتلى ، الجرحى ، والهائمين ، سيما وأن الأفراد أو القلة قد أوعدوا قطيعهم بحفنات من الدراهم والمناصب ، لكنهم أخلفوه كعادتهم ، فاستبدلوهم ببعض المواقع- لا تسمن ولا تغني من جوع التحكّم والسيطرة- يحجّون بها في معابد الغفران الجهويّة والعنصريّة ، ثم يرفعون أكفهم تضرّعًا لساداتهم ، علّها تقرّبهم إليهم ، فتصبح صكًا يمنّون بها عليهم بما وعدوا ، طالما أن القطيع يستوفر لهم مزارع الصيد لتكون وقودًا للحروب ، من أقاليمه ، ولاياته ومحليّاته الطرفية ، بل مُدنه ، قُراه وأحْياءه ، حتى يطيلون بها أمد سلاسل الموت ، السفور ، الفجور ، الإنتهاكات والصراعات.
ولكيْ يعبِّر ذلك القطيع التابع عن حبّه وولائه لوليّ نعمته- الذي إسْتغفله بالفتات- فإنَّه يأتيه صاغرًا (شبيك لبيك نحن بين يديك) فينوبه في القتل ، السفك والسرقة ، وكل ما من شأنه أن يجعل السلطة والثروة دولة بينهم ، لتكون لهم الغلبة ، يستفردون بها متى ما شاؤوا!!! فيفعل القطيع ما يؤمر به ، من منكرات وكبائر!!! ضد كل مَن يقفُ في وجْه طاغيتهم .. مُتظاهرًا كان .. أو مُناوئًا .. أو رافضًا لجبرُوتهم ، بكل الطُرق ، الوسائل ، الأدَوات والسلوك الذي يمارس في سفك الدماء ، القمْع والتنكيل ، وقد يكون هذا لأتْفه الدواعي والأسْباب ، لذلك صَار القطيع أداة للطُغْيان ، يمثِّل يَدهُ الباطِشة! عينه الحارسة! ولسانه المدافع! ، وعليه فإن محافل القتل والتنكيل لن تتقوف ، مالم يرعوي القطيع من علف الطغاة ، وبالتالي فإن لؤمهم هذا أشبه بولوج الجمل في سمّ الخياط!! ، ولكنّا واثقون مثلما متيقّنون بأن فاطر السماوات والارضين، باسط الحق وزاهق الباطل!!! أنه سيبرق فجر النصر بمشيئته ، وبإرادة نضال الشعب وصبره وإن طال السفر!!!.