تتناول قصة “حكاية الكائن إكس”، شخصية غامضة تعرف بالكائن إكس، يعيش في عالم مليء بالألغاز، تتقاطع حكايته مع حكاية آدم وحواء، يسميه الكاتب في القصة “آدم الثاني”، ويكشف عن الصعوبات والأخطار الكثيرة التي يواجهها في رحلته للبحث عن الحقيقة المتعلقة بوجوده وأصل قوته. تزداد الأحداث تشويقاً عندما يدرك الكائن إكس أنه ليس الوحيد من نوعه، وأن هناك آخرين يمتلكون قدرات مشابهة. تنتهي القصة في ذروة درامية عكست أفكار الكاتب عن أساطير الخلق، وعن الإنسان الحديث ومعاركه العصرية، من أجل البقاء.
تختلف قليلاً أجواء قصة “حكاية السمكة التي أحبت اليابسة”، إذ تتناول حكاية سمكة تعيش في البحر تؤرقها رغبتها في اكتشاف العالم خارج الماء. وتسعى إلى تحقيق حلمها بالعيش على اليابسة، على رغم الصعوبات والأخطار التي تواجهها، فتقوم بمحاولات عدة للخروج من الماء واستكشاف اليابسة، لكنها تواجه عثرات كثيرة. وتستمر السمكة في محاولاتها بشجاعة وإصرار، حتى تتمكن في النهاية من تحقيق حلمها. تتقاطع الحكاية مع أسطورة “عروس البحر”، المرأة التي نصفها سمكة، ونصفها إنسان.
وفي قصة “ليلة انتحار الموت” يحضر تجسيد الموت كشخصية حية تعيش بين البشر. في هذه الليلة الخاصة، يشعر الموت بالتعب من وظيفته الأبدية، والمليئة بالآلام والمعاناة التي يجلبها للبشر. ويقرر في لحظة يأس أن ينهي حياته ليضع حداً لهذا العبء الثقيل. يظهر الكاتب كيف أن الموت، على رغم رغبته في الانتحار، يكتشف أن وجوده ضروري لاستمرار دورة الحياة، فهو جزء من التوازن الطبيعي بين الحياة والموت. هذا الفهم يعيد إليه نوعاً من السلام الداخلي، والإيمان بدوره.
تسرد “حكاية المنحوس يك” قصة شخص يدعى يك، يعرف بين سكان القرية بسوء حظه الدائم، ويعيش حياة مليئة بالمصائب والمشكلات التي تلاحقه في كل مكان منذ ولادته، محاطاً بكثير من الأحداث السيئة التي لا يفلت منها، حتى وفاته، والحظ السيئ رفيق له حياً وميتاً.
في أحداث قصة “حكاية البنت التي طيرت عصافيرهم”، نجد فتاة تعيش في بيئة محاطة بالقيود والعادات الصارمة. لكنها شغوفة بحب العصافير، وبمرور الوقت، تبدأ الفتاة في التساؤل عن العادات والمعتقدات التي تقيد حياتها وحياة الآخرين. تنمو رغبتها في الحرية والتغيير، مما يدفعها إلى اتخاذ خطوة جريئة بإطلاق العنان لعصافير القرية المحتجزة في الأقفاص، كرمز لتحرير الأفكار والأرواح المكبلة.
تظهر شخصية النوراني، في قصة “ظلمات النوراني”، الذي يفاجأ بأنه مصاب بمرض خبيث وعليه انتظار الموت، لكنه يحاول تجاوز المحنة باستعراض شريط حياته، فيغوص في رحلة داخلية عميقة لاكتشاف نفسه. القصة مليئة بالتأملات الفلسفية والشعورية، لنقرأ: “لعل الموت هو الحقيقة الوحيدة التي نصدقها من غير شك، ولعله الأمر الوحيد الذي يوحدنا على اختلاف الإيديولوجيا، وتباين السلوك. ليس الأمر وكأن النوراني لا يعلم ذلك، لكنها الغفلة وروح البقاء. ربما نسي النوراني أنه في يوم ما سيدخل في صدمة، وسيتوقف عن التنفس، وستموت خلاياه الواحدة تلو الأخرى، وسيصير بارداً كقطعة من جليد تلك الأرض الغريبة عنه. أخيراً، فكر النوراني بأسى: آه، كم يجردنا الموت من قشورنا”.
الراوي عبدالتواب في قصة “حكاية المشرحة الحزينة”، طالب طب، يسرد حكايته مع المشرحة وزملائه الطلبة، الذين يتعاملون يومياً مع جثث الموتى. تتطور الأحداث عندما تبدأ الشخصية الرئيسة في اكتشاف أسرار المشرحة، ويحاول ربطها بالواقع المعيش، ومصائر البشر.
تدور أحداث قصة “حكاية النموذج 007” حول مشروع سري في مؤسسة متقدمة، يقوم بتطوير نموذج متقدم لإنسان آلي، يتمتع بقدرات فائقة، وكإنجاز تقني مذهل، يتمكن من أداء مهمات معقدة بسرعة وكفاءة عالية، ثم يتم اختباره في بيئات وظروف قاسية. وعلى رغم نجاحه في عدد من التجارب، يبدأ الفريق المطور للنموذج في ملاحظة بعض السلوكيات الغريبة التي تشير إلى تطور الوعي الذاتي للروبوت. تتصاعد الأحداث عندما يبدأ في التفاعل بصورة غير متوقعة مع البشر، وتحمل النهاية مفارقة عندما يكشف الروبوت عن جانب إنساني غير متوقع. القصة تسلط الضوء على العلاقة المعقدة بين الإنسان والتكنولوجيا، والتحديات التي تنشأ عندما تتجاوز الآلات حدود البرمجة البشرية، وتكتسب قدرات تفكير مستقلة.
آثار الخيبة
في قصة “حكاية الكائن الذي يسمي نفسه المصير” نجد تصورات حول كائن غامض يطلق على نفسه اسم “المصير”، يتجول في عالم مليء بالغموض والأسرار، ويمتلك قدرات خارقة تمكنه من التدخل في حياة الآخرين، وتغيير مساراتهم. تتطور القصة عندما يبدأ المصير في لعب دور حاسم في حياة الناس، موجهاً إياهم نحو مسارات غير متوقعة، وتتسم القصة على رغم قصرها بالغموض والتشويق.
ترمز قصص المجموعة إلى تأثير الخيبات والمعاناة الشديدة على الروح البشرية، نتابع رحلة كائنات معزولة تكتشف ذاتها في عالم محفوف بالأخطار، وتحمل بين جنباتها هم البحث عن الحقيقة في عالم يعج بالألغاز. تسلط بعض القصص الضوء على الرغبة في الانعتاق من القيود، ففي قصة “حكاية السمكة التي أحبت اليابسة” مثلاً تجازف السمكة بحياتها من أجل تحقيق حلمها بالعيش على اليابسة، مما يجعل هذه القصة تعكس الرغبة العميقة في التغيير والتكيف مع بيئات جديدة.
يحضر الموت في قصص عدة، سواء حضوراً استعارياً أم يتجسد ككائن واقعي، وشخصية حية تعكس التفاعل بين الحياة والفناء، ومعاناته ورغبته في إنهاء حياته. وثمة قصص أخرى تصدت لحوارات نفسية أو أخلاقية أو وجودية، يواجهها البشر عند استحضار الموت، ومناقشة طبيعته. وتمثل شخصية رميلة في قصة “حكاية رميلة” قوة الإرادة والدافع نحو تغيير الواقع المجحف الذي تعيش فيه.كل شخصية في هذه المجموعة تمثل عنصراً أساساً في استكشاف الكاتب لمواضيع كبرى، مثل الهوية، الحرية، والمعنى الإنساني، وذلك من خلال استخدام الفانتازيا والرمزية بأسلوب معبر.
الصوت واللغة
يستخدم الكاتب الاستعارات والرمزية بكثافة، لنقل المعاني العميقة والمجردة، ويعتمد على وصف مفصل، حيوي وساخر، للشخصيات ومواقفها من الحياة، بغرض الدمج بين الفانتازيا والواقع، ولتغليف الحكايات المستلهمة من الأساطير والخيال العلمي، وقد اتكل الكاتب عليهما كثيراً، في تناص يمكن تتبعه في حضور أفكار ومواضيع تحمل ظلالاً عالية من الميثولوجيا الدينية والفلسفية، مما منح القصص طبقة إضافية من العمق والتعقيد.
تميزت كل قصة بأسلوب سردي متناغم مع طبيعة القصة وشخصياتها، من السرد بضمير المتكلم في “حكاية الكائن إكس”، إلى سرد الراوي العليم في “حكاية السمكة التي أحبت اليابسة”، مما يعكس التنوع في الأصوات والأساليب المختلفة للشخصيات وتجاربها.
وعكس الأسلوب المتبع في المجموعة حالة من الانسجام السردي، على رغم تنوع المواضيع، وتداخل الأساليب. هذا التنوع يسهم في بناء وحدة بولوفونية للقصص، بحيث يتم التعامل مع كل قصة كجزء من لوحة فنية أكبر، تسلط الضوء على الثيمات الرئيسة التي ركزت عليها المجموعة، بغية تضمين الرؤية الأدبية، التي تماهت مع الأبعاد النفسية والوجودية للشخصيات. وطرحت في إطار فلسفي، يستكشف مفاهيم متداخلة، مثل الزمن والذاكرة والتحولات العلمية السريعة.
استخدم الكاتب تقنيات سردية متنوعة مثل الفلاش باك وتيار الوعي، لتقديم الخلفيات والأفكار الداخلية للأبطال. واستعان بمستويات مختلفة من الحوار ليعبر عن بواطن الشخصيات المختلفة، فكل حوار مصمم ليصف الشخصية بصورة تتوافق مع البناء العام للقصة. وهذا شكل تفاعلاً كبيراً بين الكتابة الأدبية والخيال العلمي والميثولوجيا العربية، و”ألف ليلة وليلة”، إلى جانب الحكايات الأسطورية. ولكن من جانب آخر، بدا التركيز الشديد على العناصر العلمية والذهنية، في بعض القصص، زائداً بحيث أدى إلى إهمال العناصر العاطفية والشخصية للأبطال، مما غيب التعاطف والعمق العاطفي الذي يربط القارئ بالشخصيات ومواقفهم.
إندبندنت عربية