مقالات وآراء

ديمقراطية ضد الديمقراطية عند مارسيل غوشيه ماذا تعني عند الشيوعي السوداني

طاهر عمر

الملاحظ عندنا في الساحة السودانية أن الأغلبية من النخب السودانية ولأسباب داخلية سببها تركيزهم على الإنكفاء على المحلي جعلهم لا يتأثرون بما لحق العالم من تغيّر هائل في المفاهيم وخاصة في القرن الأخير وهذا ما جعل ساحة الفكر في السودان سهلة الإختطاف من قبل أسيري التربية الحزبية وشتان ما بين التربية الحزبية والزج والتعبية السياسية وبين مراكز البحوث وما تخرج به من أفكار تكون نتيجة بحوث عميقة.
ساحتنا الفكرية السودانية مختطفة من قبل تياريين وأغلب أتباهما سليلي تربية حزبية وأسيري زج وتعبية سياسية مجافية لفكر مراكز البحوث وهما تيار أتباع الحركة الإسلامية السودانية وتيار أتباع الشيوعية السودانية بنسختها المتحجرة ونجحا في خلق درع واقي لا يشبه إلا الستار الحديد بين الغرب والشرق أيام الحرب الباردة هذا الستار الحديد منع ساحة فكرنا السوداني من أن تتنفس على أنسام العالم الخارجي ولهذا السبب كانت النتيجة هذا الإختناق الفكري ونتيجته كساد فكري يمتد على مدى قرن كامل يفصل بيننا وبين تطور العالم الحديث.
الغريب تيار الإسلام السياسي السوداني النابع من عداءه الدائم للغرب وأفكاره المنتصرة للحرية سببها أن قوة تيار الإسلام السياسي لا تتجدد إلا بأن تجعل من الغرب وأفكاره عدو أبدي وخاصة في منطقة عربية إسلامية تقليدية لم تكن فيها يوم الحرية مطلب شعبي بسبب تاريخ سطوة نظم الشرق الإستبدادية ويلتقي معهم الشيوعي السوداني في عداءه للغرب في تاريخ رأسماليته ذات العلاقة الطردية مع النظم الديمقراطية وعكسية علاقتها مع الشيوعية كنظام شمولي بغيض لا تقل بشاعتها عن النازية والفاشية.
ولهذا السبب عجزت الاحزاب الشيوعية في الوطن العربي بأن تصل الى مستوى وعي الاحزاب الشيوعية في الغرب وقد أيقنت من نمط الإنتاج الرأسمالي بعد إعادة إكتشاف أفكار غرامشي ويظل كساد أتباع الشيوعية في السودان ويظهر في عداءهم للفكر الرأسمالي وهذا ما يجعلهم تحت مرمى مدافع عالم الإجتماع التونسي الطاهر لبيب وكذلك مدافع عالم الإجتماع الفلسطيني هشام شرابي وهما يوضحان أن العالم العربي التقليدي ما زال محاصر بين أتباع الأيديولوجيات المتحجرة كالشيوعية في العالم العربي وكذلك بين أتباع أحزاب اللجؤ الى الغيب وهم في السودان أتباع أحزاب المرشد الكيزاني والامام الأنصاري والختم.
والشيوعيون والكيزان لا يفتح فكرهم إلا على نظم شمولية معادية للحرية والديمقراطية الليبرالية التي قد أصبحت تمثل التاريخ الطبيعي لظاهرة المجتمع البشري ولهذا يقول الطاهر لبيب من المضحك أن يكون المثقف العضوي في العالم العربي والإسلامي التقليدي خارج من بين صفوف أتباع الأيديولوجيات المتحجرة وأتباع اللجؤ الى الغيب وهذا ما هو حاصل في ساحتنا السودانية حيث نجد الشيوعي السوداني والكوز وهما يسدان أفق الفكر في السودان بضجيجهما الإسلاميين بكذبة إسلامية المعرفة والشيوعيون بنهاية التاريخ وإنتهاء الصراع الطبقي والأثنيين يجمع بينهما ايمانهما بالمطلق في زمن النسبي والعقلاني وكرهما للديمقراطية الليبرالية وقد أصبحت تمثل مسيرة الإنسانية المنفتحة على اللا نهاية بعكس غائية ولاهوتية الفكر الشيوعي الذي ينتهي كدين بشري ويبشر بغاية نهاية التاريخ ونهاية الصراع الطبقي كجنة أرضية موازية لجنة الكوز السماوية بفكره الغائي اللاهوتي الديني.
وعليه نجد في ساحتنا السودانية كثر من النخب السودانية تعتقد أن النظام الرأسمالي ونمط الإنتاج الرأسمالي سيزول وستختفي النظم الرأسمالية وستختفي النظم الديمقراطية وسيخرج الغرب الرأسمالي من التاريخ وهذا كلام مضحك ومحزن لأنهم لم يقولوا لنا ما فائدة عودة النظم الشمولية البغيضة وماذا ستستفيد البشرية من عودة النظم الشمولية بعد زوال النظم الديمقراطية وإنهيار النظام الرأسمالي؟ .
الذي يجعلك أن تكون هادئ عند سماع قولهم أي عندما يتحدثون عن زوال الرأسمالية أنك تتذكر أنهم لم يدخلوا التاريخ بعد وبالتالي حكمهم على خروج الغرب الرأسمالي من التاريخ حكم باطل فيدخلوا التاريخ أولا كمفارقين لمجتمع إسلامي عربي تقليدي وبعدها فليحكموا على خروج الغرب من التاريخ لتحل بعده نظم الإستبداد الشرقي.
وهنا وجب التذكير بأفكار ماكس فيبر وحديثه عن عقلانية الرأسمالية وإستدل على عقلانيتها بأنها لم تظهر بعد في المجتمعات التقليدية كمجتمعنا السوداني وهذا يجعلنا نحيل القارئ الى أفكار ماكس فيبر الغائبة عن ساحة فكرنا السوداني وقد مر عليها قرن كامل من الزمن وكيف نجح الشيوعي السوداني والكوز في السودان بحجبهما الساحة السودانية من إشعاع مفهوم عقلانية الرأسمالية بستارهما الحديدي وبالتالي قد أصبحت أغلبية النخب السودانية تتحدث عن إنهيار النظام الرأسمالي بلا أدنى خوف من أن مثل هذا الحكم يدخلك في جوقة الرجال البلهاء وغياب مفهوم عقلانية الرأسمالية من ساحتنا السودانية يجعلك من ضمن المصدقيين بأن للإسلاميين إقتصاد إسلامي يمكنه تحقيق العدالة بمعادلات سلوكية معروفة في معادلات نمط الإنتاج الرأسمالي وهيهات.
على أي حال عقلانية الرأسمالية فيها تصبح الديمقراطية ليست نظم حكم فحسب بل فلسفة لدراسة ظاهرة المجتمع البشري وتوضيح كيفية تجسيد فكرة العيش المشترك وفقا لمعادلة الحرية والعدالة وفيها أيضا يصبح الفكر الديمقراطي الليبرالي بديلا للفكر الديني وبالتالي لا يمكنك الحديث عن الديمقراطية وأنت متمسك بأي خطاب ديني أي دين ولا يمكن أن تحقق علاقة الفرد المباشرة بالدولة بغير فصل الدين عن الدولة وعليه أن العالم يسير وفقا لمعادلة الحرية والعدالة ولا تتحقق إلا على أفق النظام الرأسمالي ونمط الإنتاج الرأسمالي ويجهل كثر من النخب السودانية أن تاريخ البشرية لأول مرة في التاريخ قد أصبح تاريخ واحد بعد ظهور الثورة الصناعية ودخولنا الى الطلب العالمي لكي نكون جزء من الإقتصاد الرأسمالي مسألة زمن لا غير.
وعليه نرجع لعنوان المقال وهو مجهود فكري قام به عالم الإجتماع الفرنسي ميشيل غوشية وفيه يوضّح كيفية خروج الرأسمالية من أزماتها التي تدخل فيها من بين فترة وأخرى وهو من المعجبين بفكر ماكس فيبر وخاصة في فكرة الإقتصاد والمجتمع في ظل الدولة الحديثة ومتتبع لكيفية حدوث الإختناقات الإقتصادية وكيفية إعادة التوازن للإقتصاد وبالتالي التوازن الإجتماعي من أجل إستمرار الفعل الإجتماعي وروح قوانينه في العقد الإجتماعي وعليه تصبح إختناقات الرأسمالية الدورية ما هو إلا دليل على حيوتها والدليل أنها تخرج في كل مرة أكثر قوة وضرب مثل في كيفية خروج الرأسمالية من الكساد الإقتصادي العظيم بفكرة التدخل الحكومي وفكرة خلق الطلب بدلا من العرض الذي يخلق الطلب وكيف كانت فكرة التدخل الحكومي نقطة فاصلة بين فلسفة تاريخ تقليدية وفلسفة تاريخ حديثة غائبة من ساحتنا السودانية الى يومنا هذا وهذا ما يجعل كثر من النخب السودانية موقنة من إنهيار الرأسمالية كما يردد الشيوعيون على الدوام هذه الأسطوانة المشروخة.
مارسيل غوشيه في جهده الفكري في ديمقراطية ضد الديمقراطية يتحدث عن أن السياسة تمثل شرطا إنسانيا ويفتح مارسيل غوشيه ثالوث السياسة وعلم الإجتماع والفلسفة وفيه يصبح السياسي متقدم على المؤرخ التقليدي والقانوني التقليدي وبالتالي يصبح السياسي هو القائم على فكرة الشرط الإنساني وبالطبع مارسيل غوشيه لا يقصد المعنى المبتذل للسياسي في السودان بل يتحدث عن السياسي الذي يحقق فكرة العدالة والحرية في قيم الجمهورية ومواثيق حقوق الإنسان وفقا للفكر الليبرالي الذي يجسد فكرة العقد الإجتماعي عند كل من كانط وجان جاك روسو ومنتسكيو والى آخرهم أي من حاول أن يحي فكرة العقد الإجتماعي وهو جون راولز في نظرية العدالة.
وجمعيهم لم نصادف لهم حديث أو قول عن إنهيار وإختفاء النظام الرأسمالي كما نجده عند النخب السودانية وخاصة الشيوعي السوداني وهو قابض على بعض من كل الفكر الغربي أي معجب بماركسية ماركس وغاضب على بقية الفكر الغربي الليبرالي الذي إنتصر على ماركسية ماركس يوم إنهيار جدار برلين وعليه ينتظر الشيوعي السوداني بفارغ الصبر إنهيار نمط الإنتاج الرأسمالي وهيهات.
المهم في الأمر مارسيل غوشيه في ديمقراطية ضد الديمقراطية يتحدث بأن ديالكتيك زماننا مفتوح على اللا نهاية وأن المجتمع الحديث متغير تابع لمتغير مستقل تمسك مصاعبه على تلابيب بعضها بعض ولكن عقلانية وأخلاقية الفرد كفيلة بإعادة التوازن للإقتصاد والمجتمع عبر الشرط الإنساني المتمثل في السياسة التي تعيد نمط الإنتاج الرأسمالي الى حقول مغنطيسية معادلة الحرية والعدالة وهي وحدها القادرة على تفسير ظاهرة المجتمع البشري بعيدا عن ماركسية ماركس وبعيدا عن أوهام الكوز في دولة الإرادة الالهية لأن مارسيل غوشيه يوقن بأننا في زمن مجد العقلانية وإبداع العقل البشري ونضوجه وقدرته على إعادة خلق بشرية في حدود مقدرات عقلنا البشري وبعيدا عن شطحات رجال الدين من كل شاكلة ولون .

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. أشكر الكاتب على الجهد المقدر و اعتقد أنه أحد اكثر المقالات التى طالعتها ثراء و تناولا معرفيا .
    أما عن ابدية الراسمالية كما يراها اتباعها :
    فالاخيرة ناتج ثانوى لمفهوم الليبرالية و مصلحة الفرد , فأن وجدت نظم أكثر اتساعا مستقبلا كما ينتشر الان حول نظريات الاقتصاد المتوازن (روسيا) و جدلية التوازن الاقتصادى و الاجتماعى التى دفعت بمايكل البرت لتقديم نظريته الاحدث ربما حول _ الاقتصاد التشاركى _ التى تقوم الادارة الذاتية و التضامن و المساواة لتجسير هوات الراسمالية , فستجب تلك النظم الراسمالية كناتج ثانوى و لكنها لن تجب الليبرالية.
    اما عن الاشتراكية فلا طائل فى الخوض فيها بعد فشلها الداوى عالميا.
    يبقى أهم ما ذكره الكاتب هو ما تناوله عن _ الانكفاء المحلى و القوقعة السودانية _ التى بلاشك هى أكبر المهددات الامنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التى تواجه السودان.
    وأن الهوية السودانية كممارسة حياتية على كل الاصعدة هى الخطر الداهم على منسوبيها و الاكثر ** (كــلفة) ** على هذه الجغرافيا – تاريخيا .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..