تركيا تعقّد إستراتيجيات مصر الإقليمية
توسطت تركيا في التوصل إلى اتفاق بين إثيوبيا والصومال، مما أنهى ما يقرب من عقد من التنافس بين الدولتين الأفريقيتين. وفي حين أن الاتفاق يمثل تطوراً مرحباً به فيما يتصل بالاستقرار الإقليمي، فإن وساطة تركيا تعمل على تعقيد إستراتيجية مصر الإقليمية، حيث تظل القاهرة منخرطة بنشاط في هذا الصراع.
وأشاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالاتفاق ووصفه بأنه “اتفاق تاريخي”. وينص الاتفاق على موافقة إثيوبيا والصومال على “ترك الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية وراءهما”. ومن شأن الاتفاق أن يمنح إثيوبيا وصولاً بحريًا “موثوقًا وآمنًا ومستدامًا” تحت السيادة الصومالية، مما يشير ضمناً إلى أن أديس أبابا ستلغي اعترافها بدولة أرض الصومال بحكم الأمر الواقع.
وبلغت التوترات ذروتها في يناير عندما أفيد بأن إثيوبيا غير الساحلية أبرمت اتفاقًا مع أرض الصومال لاستئجار ميناء وقاعدة عسكرية مقابل الاعتراف بها. وفي حين لم تؤكد أديس أبابا الاتفاق قط، اعتبرت الصومال الاتفاق انتهاكًا لسيادتها. ودعمت مصر، المتورطة في نزاعها مع إثيوبيا بشأن موارد مياه النيل، الصومال كجزء من استراتيجيتها الأوسع للضغط على إثيوبيا.
وبحلول أغسطس، أفادت التقارير أن مصر نشرت 10 آلاف جندي وأرسلت شحنتين من الأسلحة إلى مقديشو. وأعربت أديس أبابا عن قلقها إزاء وصول القوات والأسلحة، قائلة إنها قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني في الصومال وأن الأسلحة قد تقع في أيدي جماعات إسلامية مثل حركة الشباب.
وفي مقابلة أجريت معه في 18 أكتوبر، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي التزام القاهرة بأمن الصومال بعد أن أكملت إثيوبيا المرحلة الخامسة من ملء سد النهضة الإثيوبي الكبير.
وكشف عبدالعاطي أيضًا أنه كرر اعتراضه على الإجراء الأحادي الجانب الذي اتخذته إثيوبيا في رسالة إلى مجلس الأمن الوطني التابع للأمم المتحدة. وردت أديس أبابا برسالة خاصة بها إلى مجلس الأمن، متهمة مصر بتوجيه تهديدات متكررة باستخدام القوة. وفي نوفمبر، أرسلت مصر شحنة ثالثة من الأسلحة إلى الصومال.
وفي غضون ذلك، كانت العلاقات بين مصر وتركيا تتحسن بحذر. ففي سبتمبر، رحب أردوغان بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أنقرة، في أول زيارة للسيسي إلى تركيا. وكانت العلاقات بين البلدين أقل دفئًا منذ عام 2013 عندما أدان أردوغان الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي، زعيم جماعة الإخوان المسلمين في مصر آنذاك. وقد أدى خطاب أردوغان الناري، بما في ذلك وصف السيسي بأنه “طاغية”، إلى تعميق الخلاف.
وبدأت هذه الديناميكية في التحول في عام 2020 عندما أعاد أردوغان تقييم استراتيجيته. ومن شأن إصلاح العلاقات مع تركيا أن يحيد التهديدات الإقليمية لمصر ويعزز اقتصادها المتعثر. وبالنسبة لأردوغان، فإن إعادة بناء العلاقات مع القاهرة توفر فرصة لعكس سياساته الانعزالية الفاشلة، وإعادة تأكيد الدور الإقليمي لتركيا، والسعي إلى الانضمام إلى منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط.
ومن خلال وساطته مع الصومال وإثيوبيا، وجه أردوغان ضربة للنفوذ المصري في المنطقة وتنافسه مع إثيوبيا. ويقول الكاتبان سنان سيدي ومريم وهبة في تقرير نشرته مجلة نشيونال أنريست إنه مع اختفاء نفوذها بين عشية وضحاها، يتعين على مصر إعادة معايرة استراتيجيتها. ويشير الكاتبان أنه في حين قد تقدم العلاقات الدافئة بين القاهرة وأنقرة بعض البدائل، فإن نجاح تركيا في هذه الحالة يؤكد قدرتها على التفوق على مصر على الساحة الإقليمية.
◙ في حين قد تقدم العلاقات الدافئة بين القاهرة وأنقرة بعض البدائل، فإن نجاح تركيا في هذه الحالة يؤكد قدرتها على التفوق على مصر على الساحة الإقليمية
وقد أوضح أردوغان أنه يرغب في توسيع بصمة تركيا في أفريقيا وخارجها، حتى في مناطق النفوذ الأميركي التقليدي أيضا، ما يذكرّ بأن تركيا تتحدى بنشاط ديناميكيات القوة التقليدية، غالبًا على حساب الولايات المتحدة وحلفائها. وهنا يبرز التساؤل عن البدائل المصرية أيضا، أي كيفية تعامل القاهرة مع هذا التقارب الذي يبدو أنه خصم من رصيدها المتنامي في الفترة الأخيرة بالقرن الأفريقي.
ويرى مراقبون أن ذلك يضع مصر أمام بديلين أساسيين: الأول، الاستمرار في التحالف الثلاثي مع كل من الصومال وإريتريا، على اعتبار أن الأمور لم تحسم بشكل نهائي في اتفاق أنقرة، وهنا سيكون عليها تكثيف التنسيق مع مقديشو، وتقديم مزيد من الدعم بشتى أنواعه، حتى تظل ورقة بيدها يمكن المساومة بها في وجه أديس أبابا، خاصة في ظل عدم وجود بوادر عن قرب حدوث انفراجة بشأن مفاوضات سد النهضة.
كما يمكن للقاهرة تمتين هذا التحالف بضم جيبوتي له، خاصة وأن الأخيرة كانت من أبرز المتضررين من الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال؛ حيث تمر عبر أراضيها 95 في المئة من التجارة الخارجية الإثيوبية، وتحصل في مقابل ذلك على رسوم تتراوح بين 1.5 مليار دولار وملياري دولار.
وأما البديل الثاني، فهو توطيد القاهرة علاقاتها مع أنقرة في القرن الأفريقي تحديدا من أجل حلحلة أزمة سد النهضة، والاستفادة من علاقات تركيا الوطيدة مع النظام الإثيوبي.
العرب