أخبار السودان

عودة الوثيقة الدستورية .. حكومة سودانية موازية في الأفق وتحذيرات من تفكك البلاد

تتزايد المشاورات بين مجموعة من القوى السياسية السودانية وحركات مسلحة، من جهة، وممثلين عن قوات الدعم السريع من جهة أخرى، في العاصمة الكينية نيروبي. الهدف من هذه المشاورات هو بحث إمكانية تشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، والتي ستعمل تحت حمايتها. يأتي هذا في وقت تتخذ فيه الحكومة الحالية من مدينة بورتسودان الساحلية عاصمة مؤقتة لها، تحت حماية الجيش، مما يثير مخاوف من انقسام التحالف المدني ويهدد وحدة السودان.

منذ بداية النزاع المسلح في أبريل 2023، ظلت المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع بدون حكومة فعالة، بينما تفرض الحكومة الموالية للجيش سلطتها على سبع ولايات، بالإضافة إلى بعض المدن والمناطق المعزولة في ولايات أخرى. العاصمة الخرطوم، التي لا تزال تحت سيطرة الجيش، تشهد أيضًا تواجدًا محدودًا للسلطة الحكومية، مما يزيد من تعقيد الوضع السياسي في البلاد.

في هذا السياق، تم طرح فكرة تشكيل حكومة في مناطق الدعم السريع لأول مرة خلال المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، ثم أعيدت مناقشتها في اجتماع الهيئة القيادية للتنسيقية في بداية الشهر الحالي. تم التوافق على إحالة الفكرة إلى الآلية السياسية التابعة للتنسيقية، لكن المؤيدين لفكرة الحكومة الموازية بدأوا بالفعل في مشاورات لتكوينها قبل أن يتم بحثها بشكل رسمي في الآلية السياسية، مما يعكس حالة من الاستعجال في ظل الظروف الراهنة.

معارضة داخل «تقدم»
ولكن “تقدم”، التي يرأسها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، تعارض هذه الفكرة. حيث أفاد رئيس حزب “المؤتمر السوداني” وعضو القيادة في “تقدم”، عمر الدقير، في تصريحات صحفية، بأنهم لن يعترفوا بأي حكومة في مناطق سيطرة “الدعم السريع” أو بأي شرعية أخرى. ويحذر الدقير من أن فكرة الحكومة الموازية قد تؤدي إلى انقسامات داخل صفوف “تقدم” والقوى المدنية التي تطالب بوقف الحرب. وأضاف: “ما نحتاجه فعلياً هو إجماع مدني يقودنا من حالة الحرب إلى حالة السلام”. على الرغم من أن رئيس “تقدم” عبد الله حمدوك قد أشار إلى سحب الشرعية من الحكومة التي تتخذ من بورتسودان مقراً لها، والمرفوضة أيضًا من قبل الاتحاد الأفريقي، إلا أن العديد من الأشخاص حذروا من أن الاختلاف حول مفهوم الحكومة الموازية قد يؤدي إلى انقسام “تقدم”، الذي يُعتبر أكبر تحالف مدني في تاريخ البلاد. وفقاً لمصادر، قد تعتمد الحكومة الموازية الوثيقة الدستورية التي تم توقيعها بين قادة المجلس العسكري الانتقالي وتحالف “الحرية والتغيير” في 17 أغسطس 2019، والتي تعتمد على تقسيم السلطة بين العسكريين والمدنيين، وتعمل كدستور ينظم العلاقات بين مكوناتها.

تشير بعض المصادر إلى أن الحكومة المتوقعة قد تضم مجلس سيادي ومجلس وزراء، وستكون الخرطوم مقرًا لها. ومن المحتمل أن يحتفظ أعضاء مجلس السيادة السابقون، محمد الحسن التعايشي، والهادي إدريس، والطاهر حجر، بعضويتهم في المجلس المزمع. كما سيشارك كل من إبراهيم الميرغني من الحزب الاتحادي الديمقراطي، وسليمان صندل من حركة العدل والمساواة، بالإضافة إلى عدد من الأعضاء المدنيين البارزين مثل أسامة سعيد من حزب مؤتمر البجا المعارض، ووزراء سابقين مثل وزير العدل السابق نصر الدين عبد الباري. نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر أن الحكومة المخطط لها ستكون مدنية بالكامل ومستقلة عن «الدعم السريع»، لكنها تتعاون معه في تولي قواته المهام العسكرية والأمنية.

حرمان من خدمات الدولة

يعتقد مؤيدو الفكرة أن ملايين المواطنين في مناطق سيطرة “الدعم السريع” حُرموا من خدمات الدولة، حيث يعتبرون أن الحكومة في بورتسودان تستخدم هذه الخدمات كوسائل للحرب ضد “الدعم السريع”. وفي هذا الصدد، يقول الناشط السياسي عزّام عبد الله إبراهيم إن “ما تُسمى حكومة بورتسودان تمنع المواطنين في المناطق التي لا تسيطر عليها من حقهم في الحصول على خدمات مثل جوازات السفر والأوراق الثبوتية، بل وتعاقب بموجب ذلك المعارضين والنشطاء”.

يعتبر عزّام أن قرار حكومة بورتسودان بتغيير العملة الجزئي في المناطق التي تسيطر عليها واستثناء مناطق سيطرة “الدعم السريع” يُعد دليلاً واضحًا على “استخدام القضية الاقتصادية كأداة للحرب ضد ملايين المواطنين، وعقاب جماعي لهم على ذنب لم يرتكبوه”. وأضاف: “لقد تراجع الجيش عن تلك المناطق، بما فيها العاصمة الخرطوم، وترك سكانها لمصيرهم، والآن يُعاقبهم على خذلانه لهم”. ويستمر عزّام بالقول: “إن إجراء امتحانات الشهادة السودانية في مناطق سيطرة الجيش يحرم آلاف الطلاب في مناطق (الدعم السريع) من حقهم في التعليم والحصول على الشهادات”.

على الرغم من أن مؤيدي الحكومة الموازية يعتبرون هذه الأفعال مبررًا لتشكيلها، إلا أن البعض يعتقد أن أي حكومة في مناطق “الدعم السريع” – مهما كان شكلها – لن تحقق الأهداف المرجوة، لأنها ستصبح جزءًا من الأداة العسكرية لـ “قوات الدعم السريع” كما يفعل الجيش. لكن المحامي والمحلل السياسي، حاتم إلياس، يرى أن الحكومة الموازية تمثل “استجابة موضوعية لاحتياجات المواطنين في مناطق (الدعم السريع) لمراعاة مصالحهم”. ويقلل إلياس من مخاوف الانفصال، مشيرًا إلى أن “القول بأن هذه الحكومة ستكون بذرة للانفصال هو مجرد تهويل ودعاية حربية. من وجهة نظري، من الأفضل تسميتها بالحكومة الإسعافية”. كما دعا إلياس “تقدم” لتكون جزءًا من هذه الحكومة إذا كانت تتعلق بالأوضاع الإنسانية ودخول المساعدات العاجلة، مؤكدًا أن “هذا يستدعي وجود سلطة مدنية يمكن محاسبتها على تقصيرها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..