مقالات وآراء

في ذكري ثورة ديسمبر : لنتذكر حتي نتعلم (3)

 

عمار الباقر

في المقال السابق غطينا كيف أدت سياسات حكومة الفترة الانتقالية الي فقدانها معظم التأييد الشعبي التي حظيت به مع بداية تشكيلها، كما ادت هذه السياسات الي عزوف قسم كبير من القوي الثورية عن العمل الثوري وفقدان الثقة في جدوي الثورة نفسها، وكيف التقطت قوي الثورة المضادة وعلي رأسها بقايا اللجنة الأمنية للبشير وقسم كبير من قادة المؤسسات الامنية الذين لايزالوا يدينون بالولاء والبيعة للحركة الاسلامية. وفي هذا المقال سوف نغطي الفترة ما بين انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م، وحتي اندلاع حرب الخامس عشر من ابريل 2023م. إن أهم ما يميز هذه الفترة هو أن انقلاب الخامس والعشرون من أكتوبر قد ساعد قوي الثورة علي إدراك الخطأ الفاتح الذي وقعت فيه باختزال الثورة في حكومة الفترة الانتقالية أوتحالف قوي الحرية والتغيير أوتجمع المهنيين السودانيين، فالثورة عبارة عن فعل اجتماعي سياسي أعمق بكثير. وإنه لمن سوء التدبير معاقبة الكيانات والاجسام التي انحرفت عن مسار الثورة بالتخلي عن الثورة نفسها، فالتخلي عن الثورة وشعاراتها سوف يؤدي تلقائياً الي انقضاض قوي الثورة المضادة عليها وعلي كل شعاراتها، وهو بالضبط ماحدث في انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر. هذه الصحوة أدت الي خروج قوي الثورة بالملايين الي الشوارع في كل مدن السودان لتستعيد زمام المبادرة من قوي الثورة المضادة التي باغتت الجميع بانقلابها المشؤوم، وعاد شعار العسكر للثكنات والجنجويد ينحل الي الواجهة مرة أخري ليتم تصحيح الانحراف الكبير الذي حدث في مسيرة الثورة بتوقيع وثيقتي الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية. أدي هذا الموقف الي ارباك حسابات من تبقي من عناصر اللجنة الامنية للبشير وحلفائهم الذين ظنوا أن التورة قد تمت تصفيتها الي غير رجعة، وجعلهم عاجزين عن إعادة الاستقرار للبلاد أو حتي عن تشكيل حكومة تدير بها دولاب العمل في جهاز الدولة في سابقة لم تحدث في تاريخ الانقلابات العسكرية في السودان. أيضاً فاقم من ذلك تقديم السيد رئيس الوزراء استقالته من منصبه بعد أن وافق في البداية علي التعاون مع المجموعة الانقلابية. أما قوي الحرية والتغيير فقد حاولت في البداية العودة الي الشوارع مرة أخري والاحتماء بالجماهير وقد مثل هذا موقفاً صحيحاً كان ينبغي عليها الاستمرار فيه والصبر علي مصاعبه لتتمكن تديرجياً من إكتساب ثقة الجماهير مرة أخري. أدت خطوة استقالة رئيس الوزراء وعودة قوي الحرية والتغيير المؤقتة الي الشوارع الي ضبط المعادلة مرة أخري ووضعت قوي الثورة المضادة مباشرة في مواجهة الجماهير وهو ما أعاد الي اذهانهم مشهد الرعب الذي عاشوه في أول أيام الثورة وفي يوم الثلاثين من يونيو 2019م حينما كادت الجماهير الغاضبة أن تطيح بهم نهائياً فلجأوا مرة أخري الي الانحناء للعاصفة ولجأوا للتسوية مع قوي الحرية والتغيير والتي كانت هي الاخري قد بدأ صبرها علي طريق الثورة في النفاذ، فانخرطوا في تسوية جديدة تحت اسم الاتفاق الاطاري وبذلك تكون قد عادت ريما لعادتها القديمة. لكن هذه المرة نجد أن الجماهير الثورية قد تعملت من دروس التجارب السابقة فلم تظهر حالة الارتباك التي سادت أثناء توقيع الوثيقة الدستورية ومضت في طريق الثورة غير آبهة بهذا الاتفاق فلم يكن أمام قوي التسوية ومن خلفهم من قوي الهبوط الناعم الدوليين من سبيل غير اللجوء الي الحرب لاخراج قوي الثورة من المعادلة وتركيع الشعب عبر سياسة الصدمة. إلا أنه وعلي الرغم من ذلك نجد أن أهم الدروس المستفادة من هذه الفترة الاتي: الدرس الأول: اثبتت التجربة أن الثقة في بقايا اللجنة الأمنية لنظام البشير ومن يقف خلفهم إنما هو ضرب من الجنون، فمنذ إندلاع ثورة ديسمبر وحتي هذه اللحظة ظل الثابت لديهم هو الانقلاب والانقضاض علي قوي الثورة متي ما استشعروا فيها ضعفاً والانحناء للعاصفة متي ما تيقنوا أن قوي الثورة قد حزمت أمرها للقضاء عليهم. كذلك اظهرت حركات سلام جوبا قدراً كبيراً من الانتهازية والنهم للاستحواذ علي موارد الدولة حيث سارعت هذه الحركات بنفض يدها من قوي الحرية والتغيير فور توقيعها لاتفاق السلام ثم انتقلت كلياً الي معسكر الثورة المضادة وتحالفت مع أعداء الامس (الجيش والدعم السريع) لتصفية الثورة في انقلاب الخامس عشر من ابريل ثم تحالفت مرة أخري مع الجيش ضد ميليشيا الدعم السريع مقابل حصة أكبر من موارد الدولة. الدرس الثاني: قد ينحرف من تصدوا الي قيادة الثورة عن مواقف وخيارات الثورة وهذا أمر موجود في معظم التجارب الثورية ولكن ذلك لايعني أن الثورة قد إنحرفت وأن التحدي الكبير امام قوي الثورة هو حراسة مطالب الثورة بالحزم واليقظة المطلوبين. فهناك دائماً من هو مستعد للتخلي عن مطالب وشعارات الثورة الاساسية لصالح أمور شكلية وتحقيق مطالب بسيطة تسمح له بالاستمرار علي سدة الحكم. بالتالي فعلي القوي الثورية اليقظة والاستمرار في التمسك بالمطالب الاساسية للثورة في العدالة والحياة الكريمة للجميع وسد المنافذ أمام من يتصدون لقيادة الثورة من سلوك الدروب السلطوية السهلة. الدرس الثالث: أن اسلوب إقصاء وتخوين العناصر الرخوة من قوي الثورة التي تميل الي التسوية والتحالف مع الثورة المضادة قد أثبت عدم جدواه، بل اثبتت التجارب أنه يعجل بإلقائه في أحضان الثورة المضادة. لذلك ففي تقديري علي قوي الثورة مراجعة تكتيكاتها في التعامل مع هذه المجموعات واعتماد اسلوب الاحتواء المتمثل في حصار هذه المجموعات بعمل سياسي وجماهيري واسع يعيد ضبط توازنات القوي لصالح الجماهير، وعدم الركون الي التحالفات الفوقية عديمة السند الجماهيري والاهتمام بالعمل القاعدي وسط الجماهير لاكتساب المشروعية السياسية. الدرس الرابع: ليس ثمة حل مستدام للأزمة السودانية المستفحلة يأتي عبر حل سياسي سلطوي دون أن يكون في القلب منه قضايا والتنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية وعلي رأسها حق المواطنين في التعليم والصحة والسكن والعمل والخدمات الاساسية من كهرباء ومياه نظيفة فذلك هو المحتوي الحقيقي للثورة ومطالبها

مداميك

تعليق واحد

  1. المحصلة من اي عمل انساني هي نتائجه لصالح الانسان …. ما هي نتائج الثورات في السودان ؟ صفر كبير …. الفترات العسكرية في السودان شهدت استقرار ادى الى قيام مشاريع تنموية نوعية غيرت وجه السودان نوعا ما لكن ما يعرف بالثورات او الفترات الديمراطية التي تليها لم تقدم للمواطن السوداني شيء ابدا غير مظاهرات الصبيان والعواطلية واضرابات العمال وتعطيل الحياة …نعم قد يقول قائل ان هذه الفترات لم تجد حظها من الاستمرار لتقدم شيء لكن طبيعة الصراع القائم بين غرماء السياسة في السودان لم ولن يترك مجال الا ودخل فيه من تسيس لمؤسسات الدولة ولخدمتها المدنية ولكل شؤون الحياة حتى الادارة الاهلية تم تسيسها وحتى قضايا توزيع التنمية اصبحت قضايا مسيسة كما لم يتورع غرماء السياسة في السودان عن شيء في السابق الا وادخلوا فيه صراعهم فلن يتورعوا مستقبلا … دعونا من ثورات وشعارات ما انتجت حبة قمح هل كان في اليابان او المانيا ثورة هل قامت النمور الاسيوية بثورات لتبنى دولها ؟… المختصر المفيد المواطن السوداني في حاجة ملحة لبناء وطنه بعيد عن اهل الصراع السياسي الذي اورد البلد موارد التهلكة … جوهر الحرب القائمة حاليا هي صراع سياسي ادخلت فيه المؤسسة العسكرية …نقول للمفتونين بانظمة الغرب لكم مندوحة في الحصول على جنسيات هذه الدول والعيش فيها .. دعوا الشعب السوداني البسيط ليبني بلده كبقية الشعوب ….انتهى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..