مقالات وآراء

الجزيرة أبا تتلاطمها الأمواج .. تحت سقف القطيعة السياسية وركام الإهمال !

الكمالي كمال

 

لم يكن فيضان النيل الأبيض والذي تتضرت منه الجزيرة أبا هو الأول ، ولكنه كان من أعنف الفيضانات في تاريخ هذه الجزيرة الوادعة على النيل ، حسبما يروي سكانها من كبار السن والمتابعين والمختصين بمناسيب النيل كل عام .

تابعت بشغف بالغ وتوتر ما تتوارد به الأخبار كل يوم ، وقضيت في مهجري أياماً عصيبة منذ بداية هذا الفيضان وما زلت ، لما خلفه من مأساة إنسانية تفوق الوصف ، في بلد يرزح تحت نير حرب أهلية لا أفق يلوح لوقفها أو نهايتها ، بعد أن أجهضت كل المبادرات الرامية لحل سياسي يجمع كل التناقضات في الساحة السياسية السودانية ويضع حداً لهذه الحرب اللعينة .

وتحت نيزان الحرب والإستقطاب السياسي الحاد ، تتوارد الأخبار عن فيضان يعصف بالنيل الأبيض ويغرف مساحات واسعة من الجزيرة أبا ، وأول ما ترصده أو تلحظه هو الفتور والتلكؤ على كافة المستويات الرسمية ، سواء على مستوى الولاية أو الحكومة المركزية . وكان توقف خزان جبل أولياء وإغلاق بوابات الخزان بداية الفيضان جمرة يتقاذفها طرفا الحرب ، إلى أن حلت كارثة إنسانية تعلو على الكوارث التي خلفتها الحرب في السودان .

الجزيرة أبا برمزيتها التاريخية ومواقفها المشرفة من الشموليات على مر الزمن ، تجدها دوماً تحت القطيعة السياسية ، فهناك من يحاسبها ويتواطأ في إخفائها عن اليابسة ، ولم لا ؟ فهي المدينة التي انطلقت منها شرارة الثورة المهدية ، وهي التي وقفت في وجه مايو القبيح ، وما فتئت تقدم الشهداء ، فكان من أوائل شهداء ثورة ديسمبر المجيدة من الجزيرة أبا .

أما ركام الأهمال فهو لفيف في قطاع الخدمات العامة كسائر كثير من مدن السودان ، لكن ما يلفت الإنتباه ، وسط هذا الركام من الإهمال المتعمد ، هو الغياب التام لمؤسسة الدفاع المدني بجزيرة يحيطها النيل كالإسورة بالمعصم ، لا يوجد بالجزيرة أبا أو قرى النيل الأبيض والتي على مقربة من ضفاف نهر النيل أي مركز للدفاع المدني ، ولا توجد أي تدابير من حكومة الولاية سابقاً أو حالياً في درء الكوارث الطبيعية تنقل السكان لأماكن آمنة وتوفر الخيام والمرافق المؤقتة لهم وتخفف من الأضرار بالمنشآت والمرافق الخدمية والصحية الناجمة عن كوارث كهذه ، وهذا من صميم عمل الدفاع المدني .

وجدت الجزيرة أبا نفسها وحيدة ، تتلاطمها الأمواج و تصارع الوبائيات من أجل البقاء رمزاً في تاريخ السودان وحاضره ، تأوي أبناءها ، أبناء شهداء الوطن ، والنازحين من مدن السودان المختلفة جراء هذه الحرب الضروس .

 

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..