مقالات وآراء سياسية

الحرب في السودان : مسار السلام التعقيدات والتحديات

بروفيسور : حسن بشير محمد نور

 

منذ استقلال السودان في مطلع يناير 1956م يحلم السودانيون بالسلام وقد تمت عدة مبادرات واتفاقيات كان من ضمنها مؤتمر المائدة المستديرة في مارس 1965م بعد ثورة اكتوبر 1964م ، الا ان ذلك المؤتمر لم يكتب له النجاح. استمرت الحرب الاهلية التي اشتعلت في العام 1955م ، واستمرت في التصاعد خلال حكم الفريق ابراهيم عبود. بعد سقوط ذلك النظام وفشل مؤتمر المائدة المستديرة استمرت الحرب حتي العام 1972م بعد استيلاء الجيش بقيادة جعفر نميري علي السلطة في السودان في العام 1969م.

توصل نظام نميري لاتفاقية أديس أبابا في عام 1973م مع حركة “أنانيا”، التي حققت هدنة طويلة للحرب استمرت لعشرة سنوات ، وهي الفترة الاطول التي يمكن القول بان السودان قد نعم فيها (بالسلام). وباعتبار السودان نموذجًا معقدًا في إدارة السلام بسبب تاريخه الطويل من الصراعات المسلحة وتنوع مكوناته الاجتماعية والسياسية ، فقد شهدت مسيرة السلام تعقيدات حولتها من حلم لمعضلة شائكة حتي تحولت لسراب بعد اشتعال حرب ابريل 2023م.

مرت تلك المسيرة بمراحل متعددة كانت اتفاقية اديس ابابا أول محاولة جادة لإنهاء الحرب الأهلية الأولى (1955م -1972م) بين الشمال والجنوب ، وتم التوصل إليها بعد سنوات من الصراع ، وبالرغم من تحقيقها بعض النجاحات مثل منح الحكم الذاتي للجنوب ، إلا أن نكوص حكومة نميري عن الالتزام بالتنفيذ الكامل للاتفاقية أدى إلى تجدد الصراع في عام 1983م بقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان ، بقيادة الراحل جون قرنق.

بعد سقوط نظام نميري بانتفاضة شعبية في ابريل 1985م تم انتخاب حكومة مدنية برئاسة السيد الصادق المهدي. خلال تلك الفترة (1986م – 1989م) حاولت الحكومه معالجة قضايا الحرب عبر الحوار مع الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق. لكن هذه الجهود تعثرت بسبب عدم التوافق بين الأحزاب السياسية والقوى المسلحة خاصة الخلاف حول قوانين 1983م التي سميت بقوانين (الشريعة الاسلامية) وبعض الاتفاقيات العسكرية مع دول الجوار.

بالرغم من تلك الخلافات تمت بعض المحاولات فضلاً عن الضغوط الإقليمية والدولية ، فقد تم اعلان كوكادام في العام 1986م بين قوى سياسية سودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان ، الا ان ذلك الاعلان لم يحقق اختراقا عمليا. جاءت بعد ذلك محاولة جادة من السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي فيما عرف (بمبادرة السلام السودانية). تم الاتفاق في تلك المبادرة علي وحدة السودان ، تجميد قوانين سبتمبر 1983م وترتيبات سياسية، الا ان السيد الصادق لم يوافق علي ما تم الاتفاق عليه ، الي ان قطع انقلاب الحركة الاسلامية في يونيو 1989م ، عبر الجيش السوداني بقيادة عمر البشير الطريق في وجه السلام ، بحكم طبيعة الحركات الاسلامية غير القادرة علي العيش والازدهار الا في البيئات القذرة.

الحرب الاهلية في عهد حكومة الانقاذ الاسلامية لم تشتد فحسب بل تحولت لحرب دينية مشحونة بشعارات التطرف والكراهية. بعد ان تم حشد المجتمع الدولي لقواه ضد تلك الحرب بشعاراتها مثل (امريكا روسيا قد دنا عذابها) ، ضاق الخناق علي نظام الانقاذ سياسيا واقتصاديا مما اضطره لتوقيع اتفاقية السلام الشامل في العام 2005م مع الحركة الشعبية لتحرير السودان. أدت هذه الاتفاقية إلى إنهاء الحرب الأهلية الثانية ، لكنها مهدت لانفصال جنوب السودان في العام 2011م بسبب عدم حل جذور الأزمة المتعلقة بالهوية والموارد ونظام الحكم ، وبسبب فقدان الحركة الشعبية لزعيمها التاريخي جون قرنق المؤيد للحدة ، في تحطم طائرة غامض اثناء عودته من اجتماع محضور دوليا في العاصمة اليوغندية كمبالا. في ذلك الوقت روجت الماكنة الاعلامية للاساميين بان مشكلة الحرب قد انتهت وان السودان اصبح متجانسا بحكم الدين واللغة بعد التخلص من الجنوب (المختلف) ، ذلك بالطبع حسب ايدلوجيتهم ومشروعهم الذي اسموه (الحضاري) ، مع ان السودان لن يكون متجانسا حتي اذا اصبح سكانه يساوون ما يملأ غرفة واحدة.

بالطبع معضلات السلام لم تنتهي عند ذلك الحد ، فقد اشتعلت حربا ليس اقل ضراوة في دارفور في العام 2003م وقد استمرت تلك الحرب الي حين اكتمالها بشكل مأساوي لتعم جميع انحاء السودان في ابريل 2023م.

بعد سقوط نظام البشير في العام 2019م بثورة شعبية نادرة من نوعها من ناحية شمولها الجغرافي والاجتماعي والتوافق حولها، قبل ان يتم اجهاضها بعوامل داخلية وخارجية متشابكة. بعد سقوط نظام البشير جاءت الحكومة الانتقالية التي تشكلت بمخاض عسير في اغسطس 2019م ، بما سمي (باتفاقية جوبا للسلام) مع عدد من الحركات المسلحة المسماة بحركات (الكفاح المسلح). ورغم أنها هدفت لتحقيق سلام شامل ، إلا أنها لم تشمل جميع الأطراف الفاعلة في النزاع ، مما جعل الاتفاقية عرضة للانهيار ، وبسبب الضعف البنيوي والجماهيري لمكوناتها لم تجد حلا غير الانضمام للمكون العسكري المكون من القوات العسكرية والامنية وقوات الدعم السريع في عرقلة مسار التحول الديمقراطي، ومضت ابعد من ذلك بالانحياز لانقلاب 25 اكتوبر 2021م ومن ثم مشاركة اطرافها التي تبقت بعد الانقسامات في الحرب مع الجيش السوداني.

عند حدوث انقلاب 25 أكتوبر 2021م بقيادة الجيش والدعم السريع ، والذي كان المقدمة الاساسية لاشتعال الحرب في ابريل 2023م ، ازداد تعمق الأزمة السياسية ، وحدثت انقسامات واسعة بين المكونات المدنية والعسكرية. الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع كشفت عن تعقيدات جديدة ، حيث انخرطت فيها أطراف داخلية وخارجية ذات أجندات متعارضة ، بما في ذلك مليشيات إسلامية وقبلية وقوات أجنبية.

بعد الحرب اصبحت معضلة السلام اشد تعقيدا لعدة اسباب منها :

– تعدد الأطراف المتصارعة: من طرفي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ومن معهما من المليشيات القبلية والإسلامية ، مما يصعب الوصول إلى توافق شامل.

– التدخلات الخارجية : اذ ان هناك جهات دولية واسعة المعلومات تؤكد دعم أطراف إقليمية ودولية لأحد الجانبين ، كان اخرهم وزير الخارجية الامريكية بلينكن من منصة مجلس الامن الدولي ، يزيد ذلك من تعقيد المشهد.

– تباين العقائد الأيديولوجية والمصالح الاقتصادية بوجود أطراف ذات توجهات متناقضة سواء دينية ، سياسية ، أو اقتصادية ، واخري قبلية تسعى لتحقيق مكاسب من الحرب.

كل ذلك يشكل عقبات عظمى امام تحقيق السلام لاسباب منها:

– غياب الثقة بين الأطراف المتصارعة بحكم التاريخ الطويل من النقض المتبادل للعهود وللاتفاقيات مما يعيق أي حوار جاد للوصول لحل صلب.

– ضعف مؤسسات الدولة يجعلها عاجزة عن تنفيذ الاتفاقيات ومراقبة الالتزام بها.

– تدهور الاوضاع الإنسانية والاقتصادية ودمار البنية التحتية يجعل السلام ضرورة ملحة لكنه صعب التحقيق ، بسبب عجز الكثير من المكونات السياسية والاجتماعية من الانخراط بشكل فعال في المشاركة وصنع القرار لاسباب ذاتية وللتضييق الامني من اطراف الحرب ، كما ان الوضع الاقتصادي لملايين النازحين واللاجئين يجعلهم في كفاح يومي من اجل البقاء ويحد من أي نشاط مجدي لهم.

يخلق كل ذلك تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية بالغة الخطورة ليس اقلها :

– ان استمرار الصراع يؤدي إلى عزلة دولية وعدم استقرار داخلي ويجعل النظام السياسي هشا وفاقد للثقة.

– هروب الاستثمارات الوطنية والاجنبية وعزوف رؤوس الاموال عن التوظيف في الاقتصاد يؤدي لارتفاع معدلات الفقر والبطالة والبحث عن الهجرة الي الخارج كملاذ مصيري.

– من النواحي الاجتماعياً والديمغرافياً تفاقم الحرب النزوح الداخلي والانقسامات العرقية والقبلية ، اضافة لتفشي خطاب الكراهية والاستهداف العرقي والجنساني.

تحقيق السلام يمرعبر طرق شائكة تتطلب حوار شامل تنخرط فيه جميع الأطراف الفاعلة دون استثناء وهذا يبدو امرا صعب التحقيق. كما يتطلب التزام دولي وإقليمي يدعم عملية السلام وضمان تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه ، وهو موضوع مكلف نسبة لتعقيدات الاوضاع في السودان واتساع رقعة النزاع. مع الاخذ في الاعتبار ان تحقيق السلام يحتاج لرتق النسيج الاجتماعي ، اعادة الاعمار وإصلاح المؤسسات بما يحقق بناء مؤسسات وطنية قوية قادرة على تحقيق العدالة والتنمية ، وهذا شرط وجودي لمستقبل أي سلام في السودان.

اذن معالجة جذورالازمة، الذي يعتبر شرطا وليا لتحقيق السلام ، يتطلب التركيز على قضايا مثل الهوية ، التنمية ، قسمة وتوزيع الموارد ، بذلك نجد ان تحقيق سلام مستدام في السودان يمر بطريق طويل يحتاج الكثير من العمل ، اضافة لمشروع وطني متوافق عليه وهذا يحتاج بدوره لإرادة سياسية قوية وفاعلة من جميع المكونات السودانية، يعتبر ذلك هو الطريق الممهد للوصول الي ورؤية شاملة لتحقيق السلام ولمستقبل البلاد ، تأخذ تلك الرؤية في الاعتبار تعقيدات المشهد الحالي والتحديات التاريخية وتصطحب الوقائع الموضوعية المتشابكة علي المستوى الاقليمي والدولي بدلا عن التوهان وانعدام الرؤية الحالي وعقلية (دبلوماسية الحرد) التي تتبعها سلطات الامر الواقع.

 

[email protected]

تعليق واحد

  1. ((((((( يتطلب التركيز على قضايا مثل الهوية ))))))

    يابروف ياريت تفصيل لهذه الكلمة الفضفاضة … هل نحن بدون هوية ؟؟؟؟؟؟؟؟ السودان بلد له تاريخ وله ارث وله اصول اي زول يقول انا جدي العباس داخل المؤسسات الحكومية ياخذ تذكرة ويسافر اي زول يقول انا افريقي ايضا يستلم تذكرته … نقاش الهوية معترك صراع السودان زي كلمة ارهاب تجد دولة داخل قطرها الجغرافي تقول اي حركة اسلامية ارهابيه وتجدها تسلح نفس الحركات ضد اوطان اخرى .. الهوية هي سبب التدخل الاقليمي في السودان وهذه الحرب انا شاهدتها قبل حدوثها راجع الخلايجة الذين قدموا للسودان ويتجولون كل اقليم فيه مرضى نفسي نحن احفاد الزبير بن العوام ونحن العباس ونحن قريش ونحن جهينه اي زول بيدعي العروبة تحدي لو هو معترف به عربي داخل مكونات الدول التي تمولهم بالمال اليوم انا بتحدى اي سوداني حتى الرشايدة الذين لم يختلطوا بالسودانيين خليهم يذهبوا الخليج فقط المخابرات لدول خليجية فكت عرش وصدق الاغبياء نحن اولاد عمكم ونحن الخ… بدون فضائح معقول انا بتحدث عن شخصي الضعيف لا اقبل هذا الهوان انا بيت جد جد ابوي موجود يعني قبل التشكيل لهذه المجتمعات 2024 تقول لي هويتك عشان تقود صراع جهنمي من جديد انت عربي افرنجي في بيتكم اما مؤسسات الدولة ما فيها هوية الا رقمك الوطني انت فلان ود فلان سوداني الجنسية عمرك مهنتك وكل ما يخص الشخص من معلومات اما انت بعد كل تعليمك هذا يابروف عاوز تقول هوية الهوية انا افهمها نار للفتنة والحرب بين ابناء الشعب انا شخصي الضعيف اسرتي لها مختلطة مع الجعليين الشايقية الرزيقات المحس الدناقلة الكبابيش البديرية الركابية تصنف هويتي شنو واغلب السودانيين على هذا النهج اختلاط مع هذه القبائل من مئات السنين تقول علينا شنو عربي افريقي بعد بقينا شاي بي لبن تعال لو عندك ابرة شفط وفرز الحليب من شاي الغزالتين حميدتي الامي دا كان يفكر افضل من شهاداتكم دي ياخي اغلب النخب السودانية توفيت التي متعمقه في السودان اما بروفات هذا الزمن عن بعد يفكروا ارحمونا حل عنا ياخي اكرر كلامي وهو واضح كلام الهوية نار فتنة ومخلب للمخابرات الاجنبية تطحن ما تبقى من مواطن ووطن … مع كامل احترامي لك لكن انا بيستفزني مصطلح هوية فقط غير اسم الدولة الولايات المتحدة السودانية العظمى .. قبيلتك هويتك في بيتكم هل امركا اوربا فيها هوية قبيلتك عرقك شنو هذه امور ادوات للصراع

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..