“الحاكورة”… مكافأة “السمع والطاعة” لسلاطين دارفور
لجأ حكام إقليم دارفور من السلاطين منذ القدم إلى مكافأة أعوانهم والموالين لهم من طريق الأرض لينتفعوا بغلَّتها بدلاً من المرتبات التي تدفعها الدول نقداً في ظل غياب العملة، وهو ما عرف بنظام “الحاكورة”، فنظام الحكم وقتها لم يكن يعرف الهياكل المدنية، بل كان سلطانياً مطلقاً، إذ تؤول ملكية كل الأراضي في الإقليم للسلطان فقط وما عداه يمتلك امتلاك منفعة، لكن هناك من يعتقد أن نظام “الحاكورة” وراء تخلف دارفور وما أصابها من حروب أهلية، فضلاً عن أنه نظام طبقي طفيلي خانق.
فإلى أي مدى يرى المراقبون والمتخصصون في شؤون الحكم أن لهذا النظام في ظل ما حدث من تطورات أسساً تتوافق مع هياكل الدولة الحديثة؟
في السياق قال الباحث السوداني في الشؤون السياسية والثقافية عبدالله آدم خاطر، “في الحقيقة دارفور كانت دولة مستقرة، لكن بدأ استقرارها يهتز كبقية دول أفريقيا منذ انعقاد مؤتمر برلين الثاني (1884-1885)، حيث جرت خلاله مناقشة قضايا تقسيم المصالح والنفوذ بين الدول الأوروبية في القارة الأفريقية، وكان السودان من نصيب بريطانيا التي كانت تطمح في المحافظة على المساحة بين مصر وجنوب أفريقيا بحيث تكون تحت سيطرتها في حال حدوث أي مشكلة في المياه، سواء في المحيطين الأطلسي أو الهندي، أو البحر الأبيض المتوسط، أو البحر الأحمر، أو باب المندب، بحيث تكون هناك طريقة للتواصل بين هذه البحار حتى لا تتأثر التجارة مع الشرق الأدنى”. وأضاف، “معلوم أن أجزاءً من دارفور كانت تحت حماية فرنسا، لكن السلطانين عبدالرحمن فرتي سلطان الزغاوة، وتاج الدين إسماعيل سلطان المساليت تصديا للاستعمار الفرنسي وأجبراه على التراجع حتى حدود السودان الغربية حالياً، بالتالي أصبح الإقليم من الناحية الغربية خارج سلطة الإمبراطورية الفرنسية، في حين لم يكن الجانب الشرقي مكان ترحيب من بريطانيا”.
وواصل خاطر، “أدى وقوف السلطان علي دينار آخر سلاطين دارفور إلى جانب دول المحور في الحرب العالمية الأولى إلى استعجال الإدارة البريطانية في اتباع إقليم دارفور للسودان من دون المس بأي شيء يتعلق بجوانب الإقليم المختلفة، بالتالي ظلت الحواكير موجودة من دون حدوث تغيير في نظامها، إلا أنه تم فقط إبعاد الأشخاص الموالين للسلطان في المواقع المتعلقة بالجوانب الإدارية لنظام الحواكير ووضع آخرين موالين للجانب البريطاني”.
وتابع خاطر، “لذلك أخذت الحواكير المنحى الطبيعي، واستمرت في وضعها من دون تغيير يذكر، فهي كانت في شكل محافظات ومحلياًت وإدارات، كل حسب المجموعة التي تعيش فيها، إذ كانت جميع المكونات السكانية في حالة تعايش تام من دون أن تكون بينها مشكلات، فكل مجموعة كانت متمسكة بمحليتها ومحافظتها حسب رقعتها الجغرافية”. وزاد أيضاً، “استمرت هذه الحال إلى أن أُلغي في عهد الرئيس جعفر نميري (1969 – 1985) نظام الإدارات الأهلية الذي كان بمثابة مسمار النعش في تفتيت البلاد، وسيطرة نظار القبائل على الأراضي، واستعيض عنه بقانون الحكم الشعبي المحلي الذي اعتمده البرلمان عام 1971، وكانت السلطة الجديدة، وقتها، ترى في تلك الإدارة امتداداً طبيعياً للتربية الاستعمارية وطريقة متخلفة في الحكم فات أوانها، لكن ذلك أحدث، في المقابل فراغاً واضحاً، وعلى رغم ذلك قاومت الإدارات الأهلية قرار إلغائها لأنه جاء بأشخاص جدد ليست لديهم خبرات واهتمامات في هذا الشأن، وتنقصهم المعرفة التامة بالإقليم وسكانه”. ولفت إلى أنه “منذ تلك الوهلة دخل الإقليم في مشكلات قبلية من خلال استخدام الإدارات الأهلية ورموز المجتمعات المحلية في النواحي السياسية، فأصبحت هناك سلطة إدارية محلية أهلية مضعضعة، إذ استخدمت الإدارة الأهلية وظائف حكومية تعطى للقبائل الموالية للنظام وتحجب عن الأخرى التي ترفض الإذعان، كما استغنت الحكومة عن نظارات في حواكير بعض القبائل التي رفضت الإذعان بأخرى رضيت أن تكون واجهة سياسية عبر قيادتها الأهلية، بالتالي تضعضع نظام الحواكير، لكنه ظل حتى الآن كنظام موجود.
وختم الباحث في الشؤون السياسية والثقافية، “في اعتقادي أن من أهم أهداف الحرب الدائرة حالياً بين الجيش السوداني وقوات (الدعم السريع) تحطيم فكرة الحواكير، وأن تكون الأرض للشخص الذي امتلكها بالقوة، فالحاكورة لم تكن مسألة أرض وناس فقط، بل كانت أرضاً وناساً بثقافاتهم واقتصاداتهم، فعندما تتحدث عن قبيلة الفور، فلا بد من ذكر الزراعة، وكذلك عند الحديث عن قبيلة الرزيقات فلا بد من ذكر الرعي، فكل قبيلة في دارفور لها صناعة ومهنة خاصة بها، وهذا جزء من اقتصاد البلاد، فالحرب نبهت إلى قيمة هذا الإقليم الثقافية والاقتصادية والدستورية”.
في السياق نفسه أوضح رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف الصادق علي حسن أن “نظام الحواكير هو نظام تخصيص الأرض للقبائل في دارفور للانتفاع منها على أن تظل إدارتها بيد السلطان أو المستعمر الذي حل مكانه، إذ كان سلاطين سلطنتي الفور والمساليت يمنحون القبائل الأرض كنوع من أنواع التنظيم الإداري للقبائل الموجودة بالسلطة، فحينما تولى المستعمر الإنجليزي الحكم في السودان أصدر، في مستهل حكمه أوائل القرن الـ 20، لوائح إدارية وقوانين للإدارات الأهلية وتقسيم الأراضي على القبائل، وهنا ظهر دور القبائل وتعيين قياداتها الأهلية باتخاذ اسم الناظر لكل قبيلة في الدار المخصصة لها، وكان على الناظر الأهلي أن يتولى مهام الناظر الإداري في تصريف بعض الشؤون الإدارية غير الديوانية، مثلاً حينما يغيب ناظر السكة الحديد عن محطة القطار يحل محله الناظر الأهلي الموجود بدائرة المحطة لإطلاق صافرة انطلاق القطار”. وتابع، “أصبحت الحاكورة تعني للقبائل رمزية السيادة على الأرض، وفي ظل السلاطين، ثم الاستعمار الإنجليزي كان غرض التنظيم الانتفاع بالأرض وتسهيل إدارتها الخاضعة للسلطان، ثم المفتش الإنجليزي، وبتطور نظام الدولة الحديثة قام الرئيس جعفر النميري بإلغاء الإدارات الأهلية، وعزز سلطات الإدارات المدنية القائمة على إدارة الحكم المحلي، لكن خلال فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير تمت استعادة دور الإدارة الأهلية وتسييسها، وعادت القبائل من خلال أبنائها الطامحين في الحكم إلى استخدام رمزية القبيلة في تولي الوظائف العامة”.
واستطرد حسن، “من المعلوم أن نظام المؤتمر الوطني سعى إلى القضاء على دور الأحزاب وتمكين نفسه من خلال استخدام القبائل وانتهاج سياسة أعادت الدولة السودانية إلى مراحل تجاوزتها الدول الحديثة، وتقوم على القبيلة بدلاً من نظام الدولة المدنية، كما حول دور الإدارة الأهلية الاجتماعي الخدمي إلى دور سياسي لتصبح إدارات القبائل حاضرة في الصراعات السياسية، بالتالي نشأت في ما بينها صراعات حول الأرض بخاصة بين المجموعات المستقرة والرحل”.
وعد رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور، “الحاكورة من التجارب الإنسانية التي مرت على المجتمعات السودانية ما يستوجب النظر إليها في هذا السياق باعتبارها مرحلة من مراحل انتقال الشعوب وأنظمة الحكم، فالخطأ في عدم تطوير نظم الدولة الحديثة وليس في الواقع الموروث، كما أن عدم التطور أظهر التصادم مع مفاهيم الدولة الحديثة والصراعات على السلطة بمدخل القبيلة، ومن ثم إنهاء المعايير المدنية التي تخلق التساوي في الحصول على الوظيفة العامة لدولة القبيلة”.
وعن أثر نظام الحاكورة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، أفاد بأن هذا الأمر يرتبط بعملية النفوذ القبلي مقابل السلطة المدنية الإدارية للدولة، إذ نجد مثلاً أن سطوة الإدارات الأهلية تكاد تتلاشى في مدن دارفور بخلاف الأرياف والقرى. وختم حسن معتبراً أن وجود النظم يظل رهناً بالتطورات التي تحدث، و”أنه بقدر شيوع الثورة المعرفية، فإن دور الإدارات الأهلية وتأثيرها السياسي والاجتماعي والأهلي سيتجه نحو التقليص”.
اندبندنت عربية
( الحاكورة” وراء تخلف دارفور وما أصابها من حروب أهلية، فضلاً عن أنه نظام طبقي طفيلي خانق) يا محرر هذا الخبر اين وردت هذه الجملة فى الخبر المشار اليه نظام الحاكورة نظام ادارى تم تاسيسه لادارة الدولة التى كانت قائمة انئذ اما انه نظام طبقى خانق فهذا غير صحيح البتة لان المجتمع كله طبقة واحدة والحاكورة ليست سببا للتخلف لان الارض لم تتغير وان ما يسبب التخلف هو سوء الادارة وسوء استغلال الموارد المتاحة والتى لم يحرم الخالق منها اى جزء من هذا الكون ولكن ما نعانى منه هو افتقارنا الى الابتكار والابداع ومخاطبة قضايانا الملحة بشكل مباشر وباسلوب علمى….الموارد متوفرة ولكن الثابت ان اقتصاد الموارد لم يعد الرافعة لاحدث التطور وتحقيق التنمية علما بان الجغرافيا لم تعد عائقل فى سبيل ذلك….الحاكورة ضرورة اقتضى وجودها الظرف الانى فى دارفور وطورها السلاطين عبر الزمن.. ولعل ما يؤسف ان اليسار السودانى حاول طرح شعارات تنادى بتصفية الادارة الاهلية خلال ثورة اكتوبر ظنا منه بان الادارة الاهلية المنتشرة فى كل انحاء السودان كانت هى العائق لانتشار المد اليسارى فى اسودان وهذا ظن خاطئ بالتاكيد مثلما نادى اليسار بالتامبم وهو ماقام به نميرى فى 1970 بمناسبة الاحتفال بالعام الاول مايو ولم يكن سوى ضربة قاتلة للاقتصاد السودانى لازال بترنح منها الى يومنا هذا…الحواكير تم تقسيمها ايضا لتلافى التداخلات ذات التاثير السيئ على الامن وكذلك مراقبة الاراضى من توغلات الاجانب وحسنا فعلت السلطنة فقد حافظت على كيانها واراضيها وحدودها الاقليمية مستفيدة من علاقات حسن جوار مع الاخرين فسلطنة برقو فى وداى التشادية ككانت لها اجراءات ادارية هجرية تسمح لرعاياها بالمرور والاقامة فى دارفور او العبور فى طريقهم للحجز وكانت هناك علاقات مع البطاحين والشكرية فى وسط وشرق السودان لحراسة محمل الحج والذى كان يحمل الكسوة للكعبة المشرفة والغذاء لحجاج بيت الله الحرام..هناك قبائل دخلت السودان مؤخرا كالترجم والسلامات وهى تسعى لاحتلال اراضى بقوة السلاح وتاسيس ما يسمى بالحاكورة حتى ان وزير الحكم المحلى فى الديموقراطية الثالثة جوزيف موديستو تساءل عندما قابله وفد من احدى القبائل طالبا اعطاءه حاكورة تساءل الوزير هل هناك ارض جديدة خلقها الله فى السودان لاقتسامها؟ واردفه بتساؤل اخر اين كنتم عندما تم تقسيم الحواكير منذ البداية؟ وللمعلومية فان قبيلة الفور التى سمى الاقليم باسمه لا توجد حاكورة ياسمها حتى اليوم فهناك دار زغاوة ودار رزيقات زدار هبانية الى اخرها ولكن لا توجد للفور حاكورة…علما بان سلطنة الفور كانت لها امتدادت فى مملكة المسبعات فى كردفان وسلطنة بكر فى القضارف .وتوجد للفور ادارات اهلية مثل دار فيا دار دما دار كرنى وكلها ليست حكرا للقبيلة فقط بل يتعايش فيها الناس جميعا… وملاحظة اخرى فان الادارات الاهلية فى دارفور تختلف عن مثيلاتها فى انحاء السودان االاخرى فهى لا تملك الاطيان مثلما هو موجود فى بعض المناطق وتصفيتها كانت ضربة موجعة للاستقرار المجتمعى فى دارفور حيث ان النظام البديل لم يتم تجريبه وتطويره فاستعانت الحكومة بكيان حزبى بديلا عن الادارة الاهلية وهنا نبت الفساد بشتى صوره فالاتحاد الاشتراكى فى عهد نميرى والمؤتمر الوطنى فى الانقاذ كانا مواعين فساد وافساد بل ان المؤتمر الوطنى اضحى ذراعا امنية للحركة الاسلامية وتفرعاتها..اضعفت الادارة الاهلية ولم تعد تؤدى دورا يذكرللمساهمة فى بسط الامن لان الحكومات ارادت لها ذلك عن عمد…نعود للجملة اعلاه فالتخلف سببه ليس الادارة الاهلية او نظام الحواكير ولكن السبب عجز النخب الحاكمة والمثقفة فى تقديم بدائل مقنعة وقابلة للتنفيذ لتطوير المجتمع اينما كان.. لا يفيد تعليق الاخفاق بشماعة الادارة الاهلية والحواكير فهذا النمط موجود بشكل ما ونوع ما فى غالبية المجتمعات الافريقية ولكنها تم تطيرها ففى كينيا مثلا تم تطوير المراعى فى مناطق الماساى بعد ان زحفت المحميات السياحية على مراعيهم ومواطنهم فسعت الحكومة الى رش بذور الاعشاب بالطائرات كى لا تندثر ويزحف الرعاة الى المحميات والمزارع….ترى مالذى صنعه دعاة التحديث والتطوير فى السودان وهم يلعنون الحواكير وبنسبون لها التخلف
نظام الحاكورة يتعارض تماما مع نظام الدولة الحديثة و يتعارض ايضا مع الشريعة الاسلامية .
في الاسلام فان الارض لمن استصلحها
و في الدولة الحديثة فان تملك اية قطعة من الارض يخضع للنظم و القوانين المتبعة المعتمدة و لا توجد سيطرة بأي شكل من الاشكال للقبيلة أو زعيمها او الناظر أو العمدة و كل المواطنين سواء