مقالات وآراء سياسية

تحليل فشل القوى المدنية في التأثير على الصراع بين الإسلاميين والعسكر

زهير عثمان حمد

 

تحليل فشل القوى المدنية في التأثير على الصراع بين الإسلاميين والعسكر : منظور تاريخي وسياسي

 

في ظل الصراع المستمر بين القوى العسكرية والإسلامية على السلطة في السودان ، برزت تساؤلات حول قدرة القوى المدنية على التأثير في مجريات هذا الصراع. فهل يمكن للقوى المدنية السودانية أن تلعب دورًا حاسمًا في هذه الحرب؟ هذا ما سنتناوله في هذا التحليل.

 

منذ الاستقلال في عام 1956م ، لم تكن القوى المدنية في السودان موحدة ، بل كانت تتراوح بين الأحزاب السياسية التقليدية (مثل حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي) التي كانت تمثل النخبة الحضرية ، والأحزاب ذات التوجهات الفكرية المختلفة. على الرغم من محاولات بناء دولة مدنية ديمقراطية ، إلا أن الدولة السودانية تأسست على مفاهيم “الولاء القبلي” والانقسامات الاجتماعية العميقة ، مما جعل من الصعب على القوى المدنية التوحد وتقديم بديل شامل للمواطن السوداني.

 

تعرضت القوى المدنية في السودان للعديد من الانقلابات العسكرية منذ الاستقلال ، مما عكس ضعفها التنظيمي والعجز عن مواجهة القوى العسكرية المسيطرة. فقد بدأ هذا مع انقلاب 1959م بقيادة عبود ، ثم انقلاب 1969م بقيادة نميري، وصولًا إلى انقلاب 1989م بقيادة البشير. وفي كل مرة ، كانت القوى المدنية تفتقر إلى الوحدة التنظيمية والتخطيط المشترك ، مما جعلها عاجزة عن التصدي لهذه القوى العسكرية.

 

في نفس الوقت ، لعب الإسلاميون دورًا مؤثرًا في توجيه الصراع السياسي ، بدءًا من فترة نميري التي شهدت التحالف بين السلطة العسكرية والجماعات الإسلامية ، وصولًا إلى هيمنة الحركة الإسلامية على النظام بعد انقلاب 1989م. في المقابل ، لم تتمكن القوى المدنية من تقديم مشروع جامع يلبي تطلعات جميع فئات المجتمع السوداني ، وهو ما ساهم في عزوف العديد من السودانيين عن المشاركة السياسية في الأحزاب المدنية.

 

علاوة على ذلك ، اعتمدت القوى المدنية السودانية بشكل كبير على الدعم الدولي والإقليمي ، حيث كانت تسعى للحصول على تأييد من الغرب والمنظمات الدولية. ولكن هذا الاعتماد جعلها تفقد القدرة على بناء مشروع سياسي مستقل وقوي على الأرض ، مما جعلها تبدو كحليف ضعيف في مواجهة العسكر والإسلاميين.

 

منذ الاستقلال ، شهد السودان تغييرات اجتماعية كبيرة شملت النزاعات العرقية والقبلية وصراعات الهوية ، مما جعل من الصعب على القوى المدنية أن تكون موحدة أو قادرة على توجيه خطاب سياسي شامل. وبالمقارنة ، كانت القوى العسكرية والإسلامية تتمتع بخطاب موحد يجمع بينها مصلحة الحفاظ على السلطة واستقرار النظام.

 

بعد الثورة التي أطاحت بنظام البشير في 2019م ، حاولت القوى المدنية التفاعل مع الأحداث السياسية عبر “التحول الديمقراطي” الذي تم الاتفاق عليه بين المكون المدني والعسكري في الوثيقة الدستورية. ولكن ما لبثت القوى العسكرية والإسلامية أن استعادت نفوذها ، مما أضعف التأثير المدني في إدارة الدولة. ورغم شراكتها مع العسكر ، فإن الخلافات بين القوى المدنية والعسكرية قد تفاقمت ، ليؤدي ذلك إلى الأزمة السياسية الحالية.

 

دراسات المعرفة السودانية تشير إلى أن القوى المدنية تعاني من تاريخ طويل من الإقصاء والعزلة عن دائرة السلطة الحقيقية. فقد كانت الأنظمة العسكرية تسعى بشكل مستمر لتهميش القوى المدنية من خلال سياسات الاستبداد ، مما أضعف قدرتها على التأثير في مجريات الصراع السياسي.

 

من أجل أن تكون القوى المدنية مؤثرة في المستقبل ، يجب عليها أن تبني جبهة موحدة ، وتطوير مشروع سياسي جامع يضمن استيعاب كافة المكونات السودانية. كما يجب عليها تعزيز الديمقراطية الحقيقية عبر تحالفات مع مختلف فئات المجتمع ، والتركيز على بناء قاعدة شعبية قوية تشمل المناطق الريفية والهامشية.

 

[email protected]

‫3 تعليقات

  1. يا ابو الزهراء حياك الغمام ولكم كل التقدير والاحترام … يا اخي ما تخلينا نختلف .. الاختلاف مالو عيبو لي ؟؟!! اقلاها احسن من الحرب او “الحربة دي” بلسان اصحاب الكدمول !!

    باختصار -قد يكون مخلاً- نقدكم لما اسميته “القوي المدنية” هو ان هذه القوي فشلت في توحيد جهودها والاصطفاف حرفياً خلف خطاب سياسي -وإن شئت وطني- شامل وأن فشل القوى المدنية سببه انها لم تكن موحدة حول رؤية شاملة جامعة … وتقول:
    “وبالمقارنة ، كانت القوى العسكرية والإسلامية تتمتع بخطاب موحد يجمع بينها”

    وهنا موضع الاختلاف معكم يا استاذ زهير عثمان … القوي المدنية فشلت -اذا كانت فعلاً قد فشلت- ليس لانها غير موحدة مثل الاسلاميين ولكن فشلت لانها دائما كانت تبحث عن اكسير الوحدة والتوافق والتحالف !!؟؟
    ازعم ان الاختلاف وليس التوافق هو مفتاح الحل … الاختلاف الحر الديمقراطي وطرح البرامج والمواقف المستقلة هو المخرج وليس الذوبان الهلامي في تحالفات دائرية تدور في حلقة مفرغة من الجبهات والتنسيقيات
    مشكلتنا يا استاذ زهير هي في سعينا القطيعي الدائم في البحث عن مظلة مشتركة تغنينا من متاعب ومسؤليات وعواقب الصراع والاختلاف وتحديد ورسم الحدود السياسية والخطوط الفاصلة بين المواقق والبرامج …

    اظن ان آفة البحث عن الوحدة ترجع الي الكسل الفكري والسياسي الذي ناء بكلكه علي احزابنا السياسية ذات الارث المتراكم في البحث عن دكتاتورية التكاتف والذوبان ….
    اما تحت هيمنة الحزب الواحد او سطوة القائد الاوحد او رعاية ومباركة الشيخ او الزعيم او الامام او تحت مظلة المشروع الجامع والبرنامج الوطني الــ”متفق عليه” وتقرأ متفقووون عليه …
    وهنا نذكر مناشدات ومناداة دكتور حمدوك المتواصلة المتكررة عن باهمية التوافق علي مشروع نهضوي سوداني “جامع” …
    كل هذه الدعوات والاحلام يا استاذنا زهير عثمان حمد اوهام وتهيؤات تسقط في اختبار التجربة العملية ولا مكان لها في واقع الصراع السياسي حول -ومن اجل- السلطة لحماية او تحقيق المصالح …
    وهنا -والعياذ بالله- لا مفر من التحليل الاجتماعي الاقتصادي المسمي اختصاراً التحليل الطبقي …
    وتلك قصة اخري … والدنيا حرب ودمار والناس مشغولة في تولا !!؟؟
    في الاختلاف رحمة يا استاذنا وقوموا الي ثورتكم يرحمكم الله !!

  2. أخي العزيز، تحياتي وتقديري لروح النقاش الهادئ والبنّاء التي تبديها.

    أشكرك على مداخلتك التي تحمل رؤية عميقة وتحليلاً مختلفاً عن موضوع فشل القوى المدنية. الاختلاف، كما قلت، ليس عيباً بل ضرورة لتطور الفكر والممارسة السياسية، وهو ما يجعل الحوار بيننا مثمراً.

    مع ذلك، دعني أوضح وجهة نظري بشكل أكثر دقة:

    الوحدة ليست نقيضاً للاختلاف، بل هي إطار للتفاعل بين المختلفين.
    عندما أدعو إلى خطاب موحد للقوى المدنية، لا أعني بذلك ذوبانها في كيان هلامي أو تنازلها عن تمايزاتها الفكرية والسياسية. بالعكس، أعني وجود رؤية جامعة تستوعب التنوع في البرامج والمواقف، لكنها تتفق على الحد الأدنى من الأهداف الوطنية المشتركة. هذه الوحدة هي ما يمكن أن تجعل من الاختلاف أداة بناء، لا سبباً للتفكك.

    الفرق بين الاختلاف المبدئي والاختلاف المشتت.
    ما أعنيه بفشل القوى المدنية ليس الاختلاف بحد ذاته، بل افتقارها لإدارة هذا الاختلاف بشكل منتج. هناك فرق بين التنافس البرامجي الديمقراطي الذي يُثري الحياة السياسية، وبين النزاعات الداخلية التي تجعلها عاجزة عن تقديم بدائل حقيقية للمجتمع. ما نشهده في الواقع هو الثاني، وليس الأول.

    التحليل الطبقي وحدود الفهم.
    أتفق معك تماماً على أهمية التحليل الاجتماعي والاقتصادي في فهم جذور الصراع السياسي، ولكن أرى أن القوى المدنية لم تستطع حتى الآن تقديم خطاب طبقي واضح أو مشروع اقتصادي جذري يعالج جذور الأزمة السودانية. وهذا جزء من الإشكالية.

    الوحدة ليست وهماً.
    دعوات حمدوك للتوافق قد تكون مثالية أو حتى رومانسية في بعض الأوقات، لكنها ليست مستحيلة. فالكثير من تجارب الانتقال الديمقراطي حول العالم أظهرت أن النجاح يحتاج إلى توافق حول الأولويات الوطنية، حتى وإن اختلفت البرامج والتوجهات بعد ذلك.

    في النهاية، أوافقك على أن السعي وراء “دكتاتورية التكاتف” قد يكون مدمراً، لكن ما ندعو إليه هو توازن بين التمايز والتكامل، بين التنافس والاتفاق، وبين الحرية والمسؤولية.

    تحياتي لك، وأتطلع لمزيد من النقاشات المثمرة.

    1. شكراً استاذ زهير علي الرد الوافي والتوصيحات …
      كما يقول الفرنجة دعنا نتقف علي اختلاف الاراء ؟؟!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..