مقالات سياسية

ليس كل ثوري (عشاري) وإنما كل ثائر (شريف) 

مجدي أبو القاسم

كانت الحلقة التي بثت على قناة سودانية 24، أول أمس، والتي استُضيف فيها “شريف محمد عثمان”، القيادي في حزب المؤتمر السوداني وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، هي المرة الأولى التي أشاهد فيها شاشة هذه القناة. ليس فقط لأنها قناة ذات توجهات شمولية إسلاموية واضحة منذ انطلاقتها مع الكوز الأكثر سماجة “الطاهر حسن التوم”، بل أيضاً لأن مالكها هو “وجدي ميرغني”، وهو شخص مخادع يتدثر بثوب التهذيب والأدب لتحقيق هدفه الوحيد في هذه الحياة، والمتمثل في جمع المال بكل الطرق الممكنة وعلى حساب أي قيمة أخرى. وقد راكم ثروة هائلة خلال عهد الإنقاذ، ومراكمة الأموال والثراء في ذلك العهد تُسقط جميع الفوارق بين صورة العاهرة ورجل الأعمال!.
تحدث شريف بلغة بسيطة فأفصح وأبان، ووضع النقاط على الحروف في حرب (الإخوان) غامضة الملامح، منقوصة التفاصيل، موضحاً موقف تحالف (تقدم) من حكومة الأمر الواقع في بورتسودان، من حيث الاعتراف بشرعيتها من عدمه، مستنداً في حديثه إلى حقائق واقعية على الأرض.
وعلى الجانب الآخر من الاستديو، جلس ضيف رث المظهر متململاً، وقد عرف نفسه على استحياء بأنه يتبع “مؤتمر أبناء الجزيرة”، وهو جسم وهمي لا وجود له على أرض الواقع، أنشأته الاستخبارات العسكرية للجيش كجناح دعائي داعم للحرب، مهمته الكذب والتلفيق وترديد المحفوظات، وجلّ منسوبيه ممن عرفوا بجماعة البلابسة. مضى الضيف يكرر ذات العبارات المكرورة، مثل: (تقدم) لم تقم بإدانة قوات الدعم السريع، وأنها تعتزم تشكيل حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع، وما إليها من أراجيف، رد عليها شريف برد الواثق المتمكن، والمحصن بالحجج السليمة والمعلومات الصحيحة والمنطق السديد.
وفيما بدا أن شريف كان يدرك بريق اللحظة، فإما أن ينتهزها أو أنها لن تتكرر، فانتهز السانحة على أكمل وجه وسجل وانتصر، وانتصر صوت الثورة العذب على نهيق المصطفين على الباطل.
والحال كذلك، لابد من القول إن شريف لم يأتِ بجديد في الحلقة، بل اكتفى بإعادة التأكيد على مواقف (تقدم) المعلنة والمكتوبة. ولكن الجديد الذي فعله أنه ألقمهم حجراً في عقر دارهم، فأخرست الصدمة ألسنة المسيلميين الانقلابيين وبلابستهم، إذ لم يكونوا مهيئين لتلقيها. فاستراتيجيتهم تقوم على تلقين الشعب الأكاذيب والجلالات العسكرية وأزيز المدافع عبر أجهزة إعلامهم الموجهة والتقليدية. ولم يتخيلوا في أسوأ كوابيسهم أن يخرج عليهم أحد المنتسبين لثورة ديسمبر، التي عملوا جاهدين وظنوا، جاهلين، أنهم قاب كذبتين أو أدنى من طمس معالمها ومسحها من ذاكرة الشعب.
وفجأة، تسلل لهم أحد الثوار داخل حصنهم الذي ظنوه حصيناً، فأبيضّت شاشتهم وأسودّت الحياة من أمامهم وخلفهم. وهكذا هي الثورة، تحضر دوماً دون استئذان، وهكذا هم الثوار، يأتون دائماً في الموعد كلما تكاثرت البشاعة في الأفق.
ومن الواجب، بل من الإنصاف، القول إن في نبرة شريف محمد عثمان شيئاً من روح ثورة ديسمبر. ومن باب التذكير، أو التحذير إن شاءوا، نقول للإسلاميين الكذبة وأجهزتهم الدعائية والإعلامية والحربية والأمنية: إن ثورة ديسمبر باقية ما بقي السودان، وإن الثائر لا يخاف ولا يبيع ولا ييأس أو يلين، وإنه ليس كل من شهد ديسمبر ثورياً، وليس كل ثوري (عشاري)، ولكن كل ثائر (شريف).

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..